شعار قسم مدونات

أغمي عليه لأنه مارادونا!

مدونات - مارادونا

قد تختلف النظرة لمارادونا بين من عاصروه كلاعب وشاهدوه في أوج تألقه بالملاعب وبيننا نحن من لم نشهده إلا أسطورة كروية حية يحكى عنها الحكايا وبعض الفيديوهات القديمة التي تظهر لنا جزءا بسيطا من إمكانياته ومهاراته وأهدافه كما رأيناه مدربا حينا وضيفا في المحافل الدولية التي يضيف عليها لمسته الخاصة أحيانا كثيرة.

 

ولكن ما نتفق عليه جميعا أن هذه الروح الطفولية والعشوائية البعيدة كل البعد عن تزمت الشخصيات المشهورة وأن هذه العفوية المطلقة لا يملكها إلا مشهور واحد يدعى دييغو أرماندو مارادونا، وأن ملامح وجه مارادونا وكافة جوارحه التي لا تبخل بأي تغير مفاجئ تفاعلا مع اللحظة الراهنة غير مبالية بقواعد (البريستيج) التي يتبعها المشاهير مرتدين الأقنعة البلاستيكية التي لا تتغير ملامحها إلا بحدود وقواعد رسموها لأنفسهم للحفاظ على الصورة المنمقة المتوازنة أمام جماهيرهم فلا يضحكون إلا بمقياس معين ولا يبكون إلى في المواقف التي تتطلب فيها الضرورة بكاءهم ولا يصرخون ولا يقفزون في الهواء فرحا أو انزعاجا، بينما هو يفعل كل ذلك دون تفكير، لماذا؟ لأنه مارادونا..

ليلة الأمس في مباراة نيجيريا والأرجنتين ورغم الأداء الذي قدمه منتخب بلاده -والذي لا يرضيني كمشجع للأرجنتين- كان دييغو يتفاعل مع المباراة مثلما يتفاعل أي أرجنتيني أو عاشق لمنتخب الأرجنتين في داخله ولكنه يكتم ملامح هذا التفاعل إما استحياء من نفسه أو ممن يشاهدون معه المباراة أو يؤجل تفاعله إلى ما بعد النهاية تحسبا لأي صدمة، أما مارادونا الذي ما اعتاد أن يخفي مشاعره فقد تفاعل على طبيعته وغريزته وكما أملى عليه جنونه وهوسه وعشقه لمنتخب بلاده الأرجنتين وعاش كل لحظة بتفاصيلها ومشاعرها سعيدة كانت أم حزينة، فمع الهدف الأول الذي أحرزه ميسي وقف مارادونا وشخص بنظره إلى الأعلى حتى كاد يسقط من المنصة لولا أن أمسك به مرافقوه، ميسي الذي يقول الكثيرون أنه سيشطب اسم مارادونا من عنوان أفضل لاعب عبر التاريخ ليحل محله، ميسي الذي لا ينقصه إلا كأس العالم ليكون (xمارادونا )، ورغم ذلك لم يبخل عليه بالتشجيع والمساندة والدعم عندما هاجمه الجميع بعد مباراتي آيسلندا وكرواتيا، لماذا؟ لأنه مارادونا..
  

مارادونا لم يخف تعاطيهه للمخدرات معترفا بذلك، وقال بأنه أكبر خطأ في حياته
مارادونا لم يخف تعاطيهه للمخدرات معترفا بذلك، وقال بأنه أكبر خطأ في حياته
  

وبعد هدف الفوز الذي سجل في الدقائق الأخيرة كان الجنون قد وصل لذروته لدى مارادونا بعد دقائق عصيبة مرت عليه وعلى الأرجنتينيين بشكل عام بسبب هدف التعادل الذي سجلته نيجيريا والذي كان من شأنه إقصاء منتخبهم من الدور الأول، وصلت حالة الجنون لدى دييغو بعد الهدف للقيام ببعض الحركات الاستفزازية التي لا نراها إلا عند من نقول عنهم أنهم متعصبون جدا لهذا الفريق أو ذاك ولكن بغض النظر عن ذلك لم يكترث مارادونا لما ستكتب الصحافة عنه فقط فعل ما أملى عليه جنونه وعشقه حتى أغمي عليه -كما قيل- بعد المباراة وتم نقله إلى المستشفى وإجراء الفحوصات اللازمة له، لماذا؟ لأنه مارادونا..
  
قد يقول أحدهم ساخرا هذا فعل المخدرات يا عزيزي، ولكن أقول رغم أن مارادونا لم يخف تعاطيه للمخدرات معترفا بذلك ومحددا للزمن الذي بدأ فيه بتعاطيها -عندما كان مع برشلونة- وقال بأنه أكبر خطأ في حياته، هذا الاعتراف الذي من شأنه تهديد تاريخ حافل لمارادونا بالألقاب والانجازات لم يكترث بشيء في سبيل البوح به وقال بأنه توقف عن تعاطيها بسبب ابنته التي طلبت منه "أن يعيش من أجلها". ورغم ذلك كله فإني أصر على أن حب الأوطان وعشق كرة القدم حين تجتمع في حب منتخب الوطن فإنها تفعل ما لا تفعله المخدرات في إعادة العاشق إلى جنونه إلى غريزته وبدائيته فكيف إذا كان ذلك العاشق هو "دييغو أرماندو مارادونا"!؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.