شعار قسم مدونات

كارل ماركس وجدلية الدين.. بين الحقيقة والوهم؟

blogs - أديان

"الدين أفيون الشعب"

من منا لم يقرأ، أو يسمع هذه العبارة، التي قالها الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس (5 مايو 1818م – 14 مارس 1883م). وقد وردت في كتاب ماركس "نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية" 1844″ نص الاقتباس الكامل كالتالي: "إن التعاسة الدينية هي، في شطر منها، تعبير عن التعاسة الواقعية، وهي من جهة أخرى احتجاج على التعاسة الواقعية، الدين هو تنهيدة المضطهد، هو قلب عالمٍ لا قلب له، مثلما هو روح وضع "شروط" بلا روح، إنه أفيون الشعب، وهي بالتأكيد عبارة يرفضها أصحاب الديانات السماوية.

وفي الحقيقة تملكني الفضول أن أعرف لماذا قالها أو ما هي الأسباب التي دفعته لقول هذه العبارة سيئة السمعة، وأخدت أقُلب حياته وفكره، وجدتُ أن ماركس اعتقد أن للدين بعض الوظائف العملية في المجتمع تشبه وظيفة الأفيون بالنسبة للمريض أو المصاب فهو يقلل من معاناة الناس المباشرة، ويزودهم بأوهام طيبة، ويقلل أيضا من طاقتهم واستعدادهم لمواجهة الحياة الصعبة، عديمة القلب والروح التي أجبرتهم الرأسمالية أن يعيشوها .لقد آمن ماركس أن الدين هو مؤسسة اجتماعية، تنتعش في مجتمع معين، وأنها اداة يستخدمها الرأسماليون ليتحكموا بالطبقة العاملة "البروليتاريا" ويرى أن الدين يمد الطبقة العاملة بالراحة في ظل العقبات البائسة التي يعانون منها، حيث أنه يركز على ما ينتظرهم من المتع بعد الموت، فهو لا يجذبهم الى تحسين ظروفهم الحالية ودفعهم إلى الأمام.

الكنيسة وصراعها مع العلم

ومن ضمن الأشياء، التي لاحظها ماركس وأهمها كيف كان يستخدم القساوسة الدين في سبيل أهدافهم، وجعل الدين وسيلة، لتخويف الشعوب، واستخدامه في سرقة أموال الناس

إلى جانب ذلك ما كانت تفعله الكنيسة في العصور الوسطى من فرض آرائها بالقوة، حتى لو كانت تتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة، وفي سبيل ذلك، ارتكبت أفظع المجازر من اعتقال، وحرق، وإعدام، على الخازوق، ضد العلماء الذين تبنوا آراء غير ما كانت الكنيسة تعتقد، وهذا ما فعلته مع الفيلسوف "جوردانو برونو" المولود عام 1548 الى رهبانية الدومنيكان في العام 1565 لكنه طرد منها بسبب افكاره التي اعتبرت غير لائقة، وبعد ذلك أعدمته الكنيسة، حرقًا في ميدان عام، لدفاعه عن تحرك الأرض، وتوقعه وجود أراضين أخرى.

ومحاكمة كوبرنيكس الذي اكتشف عام 1543م أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة، فيحدث تبادل الليل والنهار، وتدور حول الشمس مرة كل عام، فيحدث تغير الفصول الأربعة، وأن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض كما كان معتقدًا، فالكنيسة الأوربية كانت شديدة القسوة على العلماء، وكانت تقمع كل محاولة للابتكار والاختراع والبحث في العلم؛ في سبيل أن تظل لها السيطرة الكاملة على الشعوب وقيادة الناس.

تفسير أفيون ماركس!

ومن ضمن الأشياء، التي لاحظها كارل ماركس وأهمها كيف كان يستخدم القساوسة الدين في سبيل أهدافهم، وغاياتهم وجعل الدين وسيلة، لتخويف الشعوب، واستخدامه في سرقة وجمع أموال الناس، وتميعه مع مصالهحم،طبعًا ناهيك عن الفضائح الجنسية وحالات الاغتصاب وتفشي الفساد، كل ذلك كانت تفعله الكنيسة باسم الرب، حينها نطق "كارل ماركس" تلك العبارة .يقول كوستي بندلي في كتابه "إله ماركس وإله المسيحيين": هذا الدين الذي اعتبره ماركس مخدراً للمظلومين يمارسه أيضاً السادة الظالمون. ولكن معناه يتحول بين أيديهم إذ يصبح عندهم وسيلة للحيلولة دون ثورة العبيد، لإبقائه في حالة الرضوخ لواقعه. وهكذا فالدين الذي اخترعه المظلوم ليخرج من شقائه يصبح بين يدي الظالم وسيلة لاستعباده " وفي هذا الصدد أقول هل كارل ماركس كان على صواب ومحق في تفكيره؟ طبعا ماركس كان على صواب وربما قد يستغرب البعض لو قلت، أنّي لا أختلف معه البتة في تلك العبارة.

مع كارل ماركس ولكن؟

undefined

فأنا أوافقه في تلك الظروف والأسباب التي قالها، فقد قيلت بحق أوروبا عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من "الإكليروس" متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وإذا جاز لي أن أطرح سؤال هل الدين الإسلامي أفيون للشعوب العربية والإسلامية فلو نظرنا إلى واقعنا المرير، سنجد بعض المتمسحين والمتبرقعين بالدين، وهو منهم براء يدافعون عن الطاغوت ويقفون في جانبه، وهو يرتكب الكبائر والموبقات بأشكالها وألوانها، ويأيدونة في سحق الجماهير المظلومة والمعدمة بل ولا يتورعون عن استخدام الدين واجتزاء النصوص الدينية وإسقاطها في غير محلها.

فإذا كان ذلك هو الدين، فهو بحق أفيون لتخدير الشعوب، وتمرير ما يريدون اقناعنا به، وإن كان هؤلاء قلة بيد أنهم موجودن في كل زمن وحين، فهذا شيء طبيعي لا بد أن تجد بعض المتسلقين والانتهازيين ممن لا يتورعون عن تطويع الدين وإخضاعه للسلطة السياسية، ورغباتها من أجل مصالحهم الدنيوية، وهؤلاء هم الذين يشوهون الدين ويعطون الصورة السلبية عنه، ربما يلحد الكثير من الناس نتيجة تصرفاتهم الهوجاء، وما الحركات المتطرفة، عنا ببعيد نتيجة تلقينهم النصوص الدينية المغلوطة وفهمهم المشوه له وما أجمل قول الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام قضية ناجحة لكن محاميها فاشل".

الخلاصة:
كارل ماركس لم يكن في عداء حقيقي مع الدين في ذاته وإنما مع الذين ينطقوت باسم الله في ارضه بمعنى أنهم مفوضون عن الله، وأنهم ناطقون باسم السماء ويجب الإذعان لهم، فهذه العبارة لا يمكن تعميمها على كل دين، وإنما على أفكار بعض المنتسبين إليه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان