شعار قسم مدونات

المصريون القدماء.. والهوس بالرياضة!

blogs الرياضة عند الفراعنة

مما لا شك فيه أن كرة القدم هي الرياضة الشعبية الأولى في مصر؛ كما في غالبية دول العالم، ولذا فقد سبّب خروج مصر المبكر من مونديال روسيا 2018، صدمة كبرى لدى غالبية أفراد الشعب المصري الذين أملوا في وصول فريقهم الي الدور الـ 16، بعد أن تغيب عن المونديال لمدة 28 عاما كاملة. وقد دعانا الهوس المُبالغ فيه من قِبل غالبية الشعب المصري بكرة القدم؛ إلى النظر إلى المصري القديم لمعرفة كيف كان حاله مع الرياضة؛ فالمصري القديم، اهتم بالألعاب الرياضية ومارسها بوضوح؛ إلا أنه لم يكن مهوساً بها كما نحن عليه الآن؛ هذا بالرغم من أنه قد سبق اليونان أنفسهم -الذين كانوا أول من أقام المسابقات الرياضية- في الاهتمام بها؛ فالمتفحص للأمر يتضح له بجلاء أن المصريين القدماء سبقوا غيرهم في ممارسة الرياضة بأنواعها المختلفة.

والمصريون القدماء لم يمارسوا الرياضة لارتباط بعض أنواعها بالشعائر الدينية وفقط؛ بل مارسوها أيضاً من أجل الاستمتاع والترفيه عن النفس، هذا فضلاً عن أنهم اعتبروها ذات دور كبير في تربية النفس وتهذيبها. ولم تكن الرياضة حكرًا على أفراد الشعب فقط؛ بل كان يمارسها الملوك والأمراء أيضًا؛ فها هو الملك "سنوسرت الثالث" (1878 – 1839ق.م) كان يتدرب برفقة بعض كبار رجال القصر، ولم يكن يتناول افطاره ورفقاؤه إلا بعد الـ "الجري" لمسافة معينة، كما أن الأمير "جحوتي حتب" الذي يعود لعصر الملك سنوسرت الثالث أيضاً؛ يصف نفسه داخل مقبرته الشهيرة بالمنيا، بأنه الرجل الرياضي.

لعبة "الكرة" بشكل خاص مُورست بوضوح من قبل المصري القديم، كما ظهر ذلك من خلال المناظر والنقوش الموجودة على العديد من المعابد والمقابر

كما لم تكن الرياضة حكرًا على الرجال فقط، بل إن هناك مناظر عديدة أظهرت أن النساء في مصر القديمة مارسنها، وإن كانت رياضات تتناسب معهن؛ كالوثب واللعب بالكرة وغيرها. وقد مورست الرياضة في مصر القديمة بصورة فردية كما مورست بشكل جماعي، وأقيمت في الشوارع، والحقول، والميادين العامة، والساحات المُعدة لها، كما أقيمت في المدارس بشكل منتظم؛ حتى أن المعلمين كانوا يُحذرون التلاميذ من الانشغال بها أكثر من الدراسة؛ فها هو معلم ينصح تلميذه قائلاً: "لا تصرف ذهنك لساحة اللعب، ودع الرمي والقذف، واقض يومك وأنت تكتب بأصابعك، واقرأ في السماء"، في حين نرى معلمًا آخر لاحظ انشغال أحد التلاميذ باللعب أكثر من انشغاله بالدرس فحذره قائلاً: "إن ما أقوله لك ليس في ذهنك، إنما أنت في ساحة الملعب دائماً؛ كالفرخ الذي يسير من خلف أمه"!

ولعبة "الكرة" بشكل خاص مُورست بوضوح من قبل المصري القديم، كما ظهر ذلك من خلال المناظر والنقوش الموجودة على العديد من المعابد والمقابر، وإن كانت المناظر توحي بأن لعبة الكرة التي مورست هي لعبة "الكرة اليد" فكثيرًا ما نشاهد على الجدران الأثرية شخصين أو فريقين يتبادلان قذف الكرة باليد، ولم تكن لعبة الكرة هي الرياضة الوحيدة التي مارسها المصري القديم، بل تعددت تلك الرياضات وتنوعت؛ ومنها:


المصارعة، والملاكمة: فالمصارعة كانت محببة لدى المصري القديم، وأقدم منظر يدل عليها -مما تم اكتشافه حتى الآن- ما يوجد بمقبرة المسئول المصري "بتاح حتب" بسقارة، من الأسرة الخامسة، ولكن أهم مناظرها على الاطلاق ما يوجد بمقابر "بني حسن" بالمنيا، أما الملاكمة؛ فمناظرها موجودة أيضاً وإن كانت نادرة. 

رفع الأثقال: حيث وجد منظر من عصر الدولة الوسطى عبارة عن ثلاثة رجال، يحاول أحدهم رفع كيس مملوء بالرمال إلى أعلى والاستمرار في حمله.

المبارزة بالعصى: أو التحطيب ولا تزال من الألعاب الشيقة لدي الشباب والرجال بقرى مصر وريفها، ومناظرها تُشاهد بكثرة على جدران الآثار المصرية القديمة، وفيها نرى شخصان يمسك كل منهما عصى بيده اليمنى للمبارزة، وعصى أخرى بيده اليسرى؛ لحمايته من الضربات المباغتة من منافسه.

العدو والتجديف.. مناظرها موجودة أيضاً على جدران الآثار المصرية وإن كانت نادرة؛ كلوحة الملك
العدو والتجديف.. مناظرها موجودة أيضاً على جدران الآثار المصرية وإن كانت نادرة؛ كلوحة الملك "أمنحتب الثاني" بالجيزة والتي توثق لوجود هذه الرياضة
 

الوثب العالي: حيث أظهرت المناظر الخاصة بهذه اللعبة؛ جلوس رجلين أمام بعضهما البعض، وهما يمدان ساقيهما وأيديهما للأمام مرتفعة، ثم يقوم شخص ثالث بالقفز عاليًا من فوق أيديهما.

الرماية: وتمثلت في العديد من المناظر؛ أشهرها على الإطلاق ذلك المنظر الموجود بمعبد الكرنك؛ والذي يُظهر المهارة الفائقة للملك "أمنحتب الثاني" (1427-1397 ق.م) وهو يقود عجلته الحربية وُيلقي بسهامه على هدف محدد.

السباحة: حيث اهتم المصري القديم برياضة السباحة، وهناك مناظر تدل عليها تعود للأسرة الخامسة، ومناظر أخرى تعود للأسرة الثانية عشر، كما يُذكر أن حاكم أسيوط المدعو "خيتي" كان قد تلقى دروسه في السباحة في قصر الملك خلال عصر الدولة الوسطى.

العدو والتجديف: ومناظرها موجودة أيضاً على جدران الآثار المصرية وإن كانت نادرة؛ كلوحة الملك "أمنحتب الثاني" بالجيزة والتي توثق لوجود هذه الرياضة من خلال النص الذي يقول: "لم يكن هناك من يجاريه في العدو، كما أنه استطاع أن يجدف بمجدافه البالغ عشرون ذراعاً بمفرده لمسافة أربعة أميال في قارب الصقر، بينما منافسوه لم يستطيعوا مجاراته بعد نصف ميل فرجعوا"!

وهكذا يتضح لنا أن الرياضة في مصر قديمة بقدم المصريين أنفسهم، وقد تعددت أنواعها وأدواتها، ومارسها أفراد الشعب كما مارسها الحاكم سواء بسواء، وشارك فيها النسوة كما شارك فيها الرجال وإن كان لكل منهم ما يناسبه، لكن ما يختلف عنه حالنا الآن مع حالها قديماً، هو أن المصري القديم لم يكن مهوساً بها كما نحن عليه الآن.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان