شعار قسم مدونات

الاقتصاد والانتخابات في تركيا.. والأيدي الخفية

blogs أردوغان

تفوقت المنظومة الاقتصادية التركية دوليا بسبب القدرة علي تحقيق معدل نمو يفوق ٧بالمائة سنويا وتوفير أكثر من مليون وظيفة مما وضع الاقتصاد التركي علي قائمة الاقتصاديات الأسرع نموا في مجموعة العشرين – G-20 في ٢٠١٧، وقد فاقت الأرقام كل التوقعات حتي تلك من صندوق النقد الدولي، وتفوقت علي المعدلات الصينية للنمو.

وعلي صعيد الإصلاحات الاقتصادية Socio-economic measures فقد حققت المنظومة الحاكمة نجاحات غير مسبوقة مع تضاعف دخل المواطن التركي عدة مرات في الأعوام الأخيرة، أضف إلي ذلك التطوير الملموس للبنية التحتية والصناعات الثقيلة وعلي رأسها الصناعات العسكرية، فوصلت ميزانية الدفاع إلي ١٨ مليار دولار مع تصنيع أكثر من نصف الترسانة محليا، وزاد نمو الصادرات العسكرية بمعدل ١٨ بالمائة في ٢٠١٧ بحجم ١.٦٥ مليار دولار، ويستهدف أردوغان حجم صادرات يصل ٢٥ مليار دولار في ٢٠٢٣.

وكذلك الحال علي الصعيد السياسي، فقد نجح أردوغان في أن يقود تركيا بمهارة ملفتة، تغلب فيها علي محاولة انقلاب عسكري خطيرة في ٢٠١٦، وجنب تركيا السقوط في أتون صراعات داخلية عندما استجاب للأصوات المطالبة بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية لأكثر من عام. ولأن الشيطان تلحف في عباءة الانتخابات، فقد تعرض الاقتصاد التركي لضربات متوالية وانهارت العملة لأقل قيمة لها في ٨ سنوات لتصل ٤.٣٩ في مقابل الدولار الأمريكي مع بداية شهر الانتخابات، وصاحب ذلك حملة إعلامية موجهة وتعالت التساؤلات حول مستقبل تركيا الاقتصادي.

النظر وراء الأرقام والمعطيات
مع ارتباط الوضع الاقتصادي المتأزم في تركيا بالانتخابات الرئاسية لا يمكن أن نتجاهل نموذجا مشابها لأزمة تم اختلاقها في مصر عام ٢٠١٣

قد يكون التحليل الأولي للحالة التركية أننا نواجه كارثة اقتصادية طبيعية تتحرك سريعا في اتجاه يوم الانتخابات لكي تصيب حملة السيد أردوغان في مقتل لتقلص من فرص نجاحه في السباق، ولكن بالنظر فيما خلف الأرقام والمعطيات الأولية سنجد سؤالا هاما لم نعرف له إجابة وهو: هل تواجه تركيا أزمة اقتصادية حقيقية وطبيعية نتيجة لسوء إدارة المنظومة، أم أن تركيا تتعرض لمؤامرة انقلابية جديدة ممنهجة في ثوب اقتصادي محبوك؟ 

للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أن ندقق النظر والتحليل في معطيات الحالة التركية على الصعيدين السياسي والاقتصادي في ضوء تأثير الجغرافيا السياسية المحيطة Geopolitical Interests وبناء على مدي التأثير التركي الإقليمي والدولي، وكذلك آخذين في الاعتبار عمليات المنافسة الاقتصادية للدول، والعلاقات الدبلوماسية والسياسية بين تركيا والأنظمة الحاكمة في المنطقة وكذلك مع القوي المؤثرة إقليميا ودوليا. 

الانتخابات التركية.. الأيدي الخفية

من المؤكد أن الكوارث الاقتصادية ليست وليدة أيام ولا أسابيع وخاصة عندما يتعلق الأمر بمنظومة اقتصادية راسخة وقوية مثل المنظومة التركية، ومع ارتباط الوضع الاقتصادي المتأزم في تركيا بالانتخابات الرئاسية لا يمكن أن نتجاهل نموذجا مشابها لأزمة تم اختلاقها في مصر عام ٢٠١٣ حول الوقود والأسعار والبورصة وغيرها، حيث تم وأد أول تجربة ديمقراطية مصرية بانقلاب عسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي لحكومة الانقلاب في مصر.

وليس من العجيب ولا الغريب أن نجد نفس مجموعة الدول الناشطة حاليا في الحالة التركية وهي الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل أو كما أطلق عليهم في مقالي هذا مجموعة الأيدي الخفية – The Invisible Hands Group وقد لعبت دورا رئيسيا في دعم وتأييد الانقلاب في مصر، فقد قامت هذه الدول بضخ مليارات من الدولارات في المنظومة الاقتصادية المصرية في محاولات مستمرة لدعمها، ورغما عن النتائج الاقتصادية الكارثية لمنظومة السيسي فقد استمر هذا الدعم مؤكدا البعد السياسي للأذرع الخفية لهذه المجموعة وحلفائها.

الرئيس أردوغان ظهر كقائد ملهم متميز ذو مهارات قيادية طبيعية ومتقدمة مما جعل الكثير من شعوب العالمين العربي والاسلامي تري فيه المخلص
الرئيس أردوغان ظهر كقائد ملهم متميز ذو مهارات قيادية طبيعية ومتقدمة مما جعل الكثير من شعوب العالمين العربي والاسلامي تري فيه المخلص
 

ويبدو أن حكام الإمارات والسعودية رأوا في ثورة يناير ٢٠١١ تهديدا مباشرا لأنظمتهم الملكية الموروثة والغير ديمقراطية، أضف إلي ذلك تلك العلاقات القوية والغريبة التي تجمع مصر، والإمارات والسعودية مع إسرائيل والتي رأت بدورها تهديدا مباشرا في خروج مصر عن نطاق الهيمنة الغربية والحكم العسكري المسيطر عليه وخاصة بعد وصول حكومة ذات طابع إسلامي للحكم في مصر.

وعلي العكس تماما كان النظام التركي الحاكم داعما للتغيير الديمقراطي في المنطقة، وجمعت الرئيس أردوغان والرئيس مرسي علاقات طبيعية وقوية، ولذلك فقد وقف أردوغان ضد الانقلاب العسكري في مصر، واستضاف آلاف المصريين الفارين من جحيم الانقلاب، مما صنع منه عدوا دائما لمجموعة الأيدي الخفية، والتي تدور حولها الشبهات أيضا فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ٢٠١٦ والتخطيط لانقلاب لم يكتمل في تونس ٢٠١٨.

وفي يونيو٢٠١٧، لعبت مجموعة الأيدي الخفية دورا رئيسيا في حصار قطر، واتهامها بدعم الإرهاب، والمعارضة المصرية وحماس وطالباتها بإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من الطلبات المتسلطة التي رفضها المجتمع الدولي، وكان لأردوغان دورا هاما في مساندة الدوحة في الوقوف ضد تلك المؤامرة الجديدة وإفشالها.

وفي نفس هذا السياق لا يمكن تجاهل التدهور المستمر في العلاقات التركية الإسرائيلية والذي يعود حديث عهده إلي ترك الرئيس أردوغان لمؤتمر دافوس في ٢٠٠٩ مذكرا الجميع بالممارسات الوحشية لإسرائيل ضد المدنيين في فلسطين، زادت العلاقات سوءا عندما هاجمت البحرية الإسرائيلية سفينة الإغاثة التركية مرمره، والتي حاولت كسر الحصار المفروض علي غزة وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية مما نتج عنه وفاة ٨ من المواطنين الأتراك ومواطن تركي من أصل أمريكي.

وحديثا كان الرئيس أردوغان هو القائد الوحيد الذي وقف ضد عملية تهويد القدس وأصدر قرارا بطرد السفير الإسرائيلي، وكذلك وصف إسرائيل بدولة إرهابية علي خلفية قتلها للمواطنين الفلسطينيين في مسيرات العودة، هذا كله في ظل صمت غريب ومشبوه من زعماء مجموعة الأيدي الخفية.

أردوغان القائد الملهم والسياسي المحنك

وحقيقة الأمر أن الرئيس أردوغان قد ظهر كقائد ملهم متميز The Charismatic Erdogan ذو ومهارات قيادية طبيعية ومتقدمة مما جعل الكثير من شعوب العالمين العربي والاسلامي تري فيه القائد الوحيد والمخلص بل أنه لقب بالسلطان أردوغان – Sultan Erdogan بين عموم الناس وعامتهم بناء علي مواقفه الثابتة لنصرة الحق والعدل، كما لعبت الدراما التركية دورا متميزا وخلاقا في استدعاء أمجاد الأمة الإسلامية والدولة العثمانية مما أحيي هذا التاريخ في قلوب ملايين العرب والمسلمين، ورأوا في نجاح تركيا ونهضتها الاقتصادية والعسكرية خلاصا لهم من التبعية والهيمنة الغربية وعودة لأمجاد أجدادهم.

 

نؤكد علي أن فلسفة ورؤية الرئيس رجب طيب أردوغان تمثل قلقا وتهديدا حقيقيا للأنظمة غير الديمقراطية داخل مجموعة الأيدي الخفية (مصر، إسرائيل، الإمارات، السعودية) وحلفاؤهم في الغرب
نؤكد علي أن فلسفة ورؤية الرئيس رجب طيب أردوغان تمثل قلقا وتهديدا حقيقيا للأنظمة غير الديمقراطية داخل مجموعة الأيدي الخفية (مصر، إسرائيل، الإمارات، السعودية) وحلفاؤهم في الغرب
 

تلك الصورة والمنظومة التي لا تروق لأعضاء مجموعة الأيدي الخفية والذين أسسوا قواعد حكمهم الغير ديمقراطي على علاقتهم بإسرائيل وبالغرب، والذين فشلوا في تقديم أي نموذج قيادي مشابه للنموذج الأردوغاني حتى داخل حدود بلادهم.

إضافة إلي ذلك فإن الرؤية المستقبلية الأردوغانية Erdogan Futuristic Vision 2023  بعد انقضاء أثر اتفاقية لوزان وعودة الحق الطبيعي لتركيا في السيطرة علي الممرات بين البحر الأسود وبحر مرمره، وكذلك حق التنقيب عن الغاز والبترول في تلك المناطق وغيره، مثلت كابوسا مرعبا علي الصعيدين السياسي والاقتصادي لأعضاء مجموعة الأيدي الخفية وحلفاؤهم في الغرب والذين لا يدخرون جهدا في محاولة تحجيم قدرات تركيا بشتي الوسائل ومختلف الأساليب.

تركيا المستقبل إلي أين؟

يمكننا مما سبق وتقدم بأن نؤكد علي أن فلسفة ورؤية الرئيس رجب طيب أردوغان تمثل قلقا وتهديدا حقيقيا للأنظمة غير الديمقراطية داخل مجموعة الأيدي الخفية (مصر، إسرائيل، الإمارات، السعودية) وحلفاؤهم في الغرب، تلك الدول التي تري أنه لابد من السيطرة علي مقدرات تركيا بأي وسيلة ممكنة، حتي إذا تحولت تركيا لدولة قمعية فاسدة بلا ديمقراطية ولا رخاء كما في مصر الانقلاب، ولذلك فالحالة الاقتصادية التركية الحالية ما هي إلا محاولة انقلابية جديدة في ثوب اقتصادي مفضوح.

ولكن تظل الإجابة الحقيقية علي سؤال مستقبل تركيا إلي أين في أيدي المواطنين الأتراك والذين سيتوجهون في ٢٤ يونيو الحالي ليصوتوا علي مستقبلهم، والاختيارات واضحة جلية والمؤامرات ظاهرة وعلنية، فإما أن تستمر تركيا في مسيرتها الاقتصادية والسياسية الناجحة والرائدة لكي تتبوأ مكانة عظمي مع رؤية الرئيس أردوغان ٢٠٢٣، أو أن تسقط تركيا في مصائد التبعية والهيمنة الغربية والإسرائيلية والإقليمية متمثلة في مجموعة الأيدي الخفية وحلفاؤهم، أو علي أحسن الأحوال تنتهي تركيا إلي نموذج آخر من الاقتصاد المسموم مماثل للحالة المصرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.