شعار قسم مدونات

العرب وكرة القدم.. هل يخطو المدربين خطو المدرسين؟

مدونات - منتخب مصر مونديال 2018 هيكتور كوبر

نظامية التعليم الأكاديمي لا تصلح داخل الساحرة المستدير، فماذا لو قال المدير الفني للاعبين: أنتم اليوم وصلتم إلى قدح العالم، فانزلوا العبوا، تمتعوا، امتعوا مشجعيكم وقاتلوا؟!
    
ما أشبه المدارس العربية في كرة القدم بالتعليم الأكاديمي داخل الجامعات والمدارس في بلدانها، فكل منهم يسير على نهج النظامية التي تؤطر الإبداع وتختزله في الأوامر والانضباط أكثر منه لِما هو مطلوب من خلق الإبداع ومسايرة اللحظات التي يمر بها كلاهما؛ الطلاب في الابتكار والاكتشافات واللاعبون في البساط الأخضر حيث التصدي والمواجهة أو الظهور بشكل متواضع لائق. أما القائمون على تلك النظامية؛ المدير الفني والجامعة كلاهما ينظر إلى كُرتَه من وِجهة واحدة، الوجهة الجميلة الخاطفة الأنظار والأبصار، والتي لطالما كانت جميلة خاطفة فحتما كانت لا بد أن تكون قبل بدء اللحظات الأولى من المباراة ليس بين اللحظة والأخرى أثناء المباراة. كلاهما لا ينظر إلى وجهة العواقب وشتى الأبعاد التي سرعان ما تأتي في لحظة ما بالخسائر الفادحة، كلاهما عاش الوهم عندما اقتصر النظر من زاوية واحدة؛ ظنًا أنها الأقرب.
    
الطلاب واللاعبون كلاهما متأثر بأثر الاعتمادية الزائفة، بأثر تلك النظرة القبلية والتي ليس لها بَعدًا ولا أثْناءً، فظن الطالب أن الجامعة تخفف عنه أعباء مسيرته وتهديه إلى الصراط المستقيم، وظن اللاعب أن الإبداع لا يُستأصَل من توجيهات الجهاز الفني لفريقه، والتي هي غالبًا لا تواجه الظروف الطارئة والتي لم تكن لتُتوقَع عند الجهاز الفني للفريق. أعتقد أن الجهاز الفني عندما يتعرض فريقه لتلك العواقب تكون بذلك حالته كحالٍ أسوء من ذلك اللاعب المشتت من قلة الحيلة؛ انتظارا للتوجيهات من خارج البساط وهذا حال ما نراه، فتعجز صحيح التوجيهات ولا تجده إلا محتارا بين البديل والبدائل. فيصبح كل من اللاعب ومدربه بعيدا عن الساحرة المستديرة ليس فقط البساط الأخضر. فهنا كانت الاعتمادية الزائفة، وهنا أصبحت كافرا بمقولة (هذه تعليمات جهاز فني) أو (هو أعلم به منا).
 

لعل آخر أمانينا تلك كانت هي الحال في الأجواء والمدارس الأوروبية التي نراها في صورة ضربات متبادلة من إبداع فريقين أوروبييْن بدايةً من دور الثمانية في تلك البطولة

الجامعات والأجهزة الفنية للأندية العربية في المونديال كلاهما باعا الوهم كبضاعة طلبٍ أرادها المقتنون في عجلة دون أي تدبر في ماهيتها، حتى غاب السؤال بالتبعية أيضًا عن الكيفية، فكما لو أن التعليم ليس في زهوه -كما ادعوا إعلاميا ودوليا- أثْر المؤسسات فالمبارايات العربية ايضا تُبنى من قِبَل الأجهزة الفنية للمنتخبات التي يديرون على كثير من تصوراتهم وأبعادهم البعيدة والخاطئة، بل ودون أي احتمالات أخرى قد تفسد على اللاعبين همَّمهم وتقضي على طموحاتهم وطموحات شعوبهم التي تترقب عكسَ ذلك، فلطالما قال لسان حال المدير الفني لمنتخب مصر عبارته (لاموري في زوري) دون أية دوافع واضحة. ولطالما قال المهندس العربي في إعلان التلفزيون المصري (أصبحت مهندسا بالجنيه) إن تكون الإشارة إلى أن مصر تخرج مهندسين، ولطالما الطلاب واللاعبون اقتنى كل منهما بضاعته أثر الإعتمادية الزائفة.
 
أرى وجهة أخرى تربَّت وسط تلك المدارس الكروية، فعلى سبيل المثال: نحن نرى في التلفاز أن المستضيف يسأل الضَيف (المُحلل الرياضي) عن نتيجة فريق بلده الضعيف الذي يواجه الفريق القوي، فيقول: كم تتوقع أن تنتهي النتيجة؟ فيرد: 2-1 (لمنتخب بلاده)، وهل بعد هذا الرد يصح أن يتحدث هذا بصفته محلل!! هو يأمل بصفته الابن البار، فيقلل من فارق نتيجة الفوز أيضا لينظر من الجانب الجميل غير السوي مرة أخرى وإن كاد يقترب بالواقعية إلى الصورة البهية فيقول أنه إذا غُلبت الروم سنتعادل، في حين أنه يصبح محللا يصيح ويتعالى صوته بعد أن تنتهي المباراة. ولعل ذلك تمام ما حدث على الأستوديو التحليلي لقناة (أون سبورت) عقب مباراة مصر وروسيا في الجولة الثانية من مونديال روسيا. أعتقد أن هذا المشهد هو أيضا ما حدث عقب مباراة الافتتاح؛ مباراة السعودية وروسيا على قناة (السعودية الرياضية). 
 
يستخضرني عكس ما قال الشاعر:

ترى الشوك في الورود وتعمى .. أن ترى الندى فوقها إكليلا!

 

كان يخاطب المتشائم لا المعتدل، ولكنه لو عاش لليوم لوجب عليه أن يخاطب نوعا آخر دونهما؛ فيقول: 

إذ يرى الندى في الورود ويعمى أن يرى الشوك مكبلا فيها
فتلك أضغاث مغفلٍ يحالفه الشوك من خلف بصره باسطٌ فيها!

   

بالأمس القريب كان خبر يوسف ورجائي الشابان المصريان اللذان لا زالا في المدرسة، يشاركان في قدح العالم بمسابقة برمجة الإنسان الآلي أو ما يعرف عند البعض بـ (الروبوتات) والتي تقام في كندا، ومن ثم تقوم تلك الروبوتات بلعب المباريات، لينافسا شبابا آخرين. أعتقد أن الإبداع كله كانت بدايته خارج بساط الروبوتات الأخضر والتي ضمن بها كل من يوسف ورجائي التأهل لدور قبل النهائي واحتلال ركنا من المربع الذهبي في تلك البطولة. وأعتقد أيضا أن الجميع أتفق على صنيع يوسف ورجائي قبل خوضهما العرض النهائي داخل هذا البساط، فترى ما السبب إذن! إنه الإبداع الذي لم يؤطره العرب ولا الأجهزة الفنية، والذي اختلطت فيه النظامية دون القيود مع الإبداع، فكانت بفائدة.

   undefined
  

لا شك أن اللاعبين المصريين والمغاربة ضمن المنتخبات المشاركة التي أبلت بلاء حسنا في الدقائق الأخيرة التي كادت أن توشك وقتها المباراة -في الجولة الأولى- أن تنتهي بخسارة كليهما، وأعتقد أن روح الشباب قد تُظهر ولو قليلا من المحاولات في اللحظات الأخيرة، والتي يخرج فيها الأمر من زمام المدير الفني للفريق، بينما يلتزم الفريق المنافس بدوره الدفاعي إزاء تلك المحاولات على عكس التحفظات والانضباطات من الجانب العربي التي كانت تفتح بابا لا سددا له من المحاولات بدايةً من اللحظات الأولى. إذن فماذا لو قال المدير الفني للاعبين قبل بدء أي مباراة وبعد أداء التدريبات والمرانات بين بعضهم البعض: أنتم اليوم وصلتم إلى قدح العالم، فانزلوا العبوا، تمتعوا، امتعوا مشجعيكم وقاتلوا؟!

  
لعل آخر أمانينا تلك كانت هي الحال في الأجواء والمدارس الأوروبية التي نراها في صورة ضربات متبادلة من إبداع فريقين أوروبييْن بدايةً من دور الثمانية في تلك البطولة، نرى المباراة حربا هجومية من إحدى الفريقين أيا كان مستواهما تصنيفًا، لا يستطيع أن يضاهيها الآخر إلا ارتدادا، لا تهدأ أبدًا إلا بعد إنهاك بدني يظهر على اللاعبين وقد استمر قبله اندلاع شرس لا يقل عن ربع ساعة، ليجاريه الفريق الآخر بنفس الطريقة والنمط، وتستمر الفلوكة كل ربع ساعة من الإبداع الكروي بين اللاعبين. فلا ترى وجها واحدا للنظامية والتوجيهات والتحفظات طوال المباراة والمنبعثة من التصورات البعيدة، بل تركيزا كانت النظامية خارج البساط في التوقعات والأبعاد بعيدة الاحتمال قبل القريبة منها. ولا تنس أن بهذه السرعة وذلك الارتداد سرعان ما يختفي صفير الحكام المزعج، اعتقادا منهم أن صافراتهم لم ولن تؤثر على هذه الأجواء في مثل هذه المباريات.

  
لم يكن أبدًا الاستخفاف إعلاميا ولا جهازا إداريا بالفريقِ المنافس حتى ولو كان عربيا كما شهدنا في الجولة الأولى، ولا بجماهيرِهم العظيمة أن شهدنا رضاءهم بنتيجة التعادل في المدرجات سواءً كان ذلك في مباراة أوروغواي ومصر إبان اللحظات الأخيرة، أو بين اسبانيا والبرتغال حتى صافرة الحكم، وقد انتهت بأعلى نتيجة حتى الآن في المجموعة الأولى والتي جاءت بثلاثة أهداف نظيفة لكليهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.