شعار قسم مدونات

فلنعترف أن الثورة السورية أجهضت

مدونات - الثورة السورية سوريا علم

تعرّضت مواقع عسكرية في سوريا تابعة للحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران لغارات مجهولة المصدر أدت لمقتل وجرح عشرات المسلحين. النظام السوري ندّد بالغارات التي استهدفت أراضيه، روسيا استنكرت، إيران توعّدت، الولايات المتحدة نفت مسؤوليتها عنه، واتجهت الأنظار نحو إسرائيل التي رفضت التعليق، أما تركيا فلم تجد نفسها معنية بما حصل.

 

لنراجع السطور أعلاه، ورد في الخبر ذكر العراق، إيران، النظام السوري، روسيا، الولايات المتحدة، إسرائيل وتركيا. هل سقط سهواً ذكر أي فصيل من فصائل المعارضة السورية؟ لم يحصل. هل كان هناك داع للإشارة إلى موقف أو تصريح لأحد قادة فصائل المعارضة؟! لا داع.

 

هذه الخلاصة تكشف النجاح بإجهاض الثورة الشعبية في سوريا وتشويه الحراك السلمي الذي انطلق في بدايات الثورة. حصل ذلك من خلال استقدام شذاذ الآفاق والمجرمون وقطاع الطرق من أصقاع الأرض لسلب الثورة من أهلها، وحرف وجهتها، لتتحول من ثورة شعبية سلمية تطالب بالحرية والكرامة أيدها العالم أجمع، وسارت من أجلها تظاهرات مؤلّفة حول العالم، إلى صراع مسلح بين مجرمين وقتلة. النظام السوري وحلفاؤه من جهة، وإرهابيون حملوا راية الإسلام زوراً من جهة أخرى. وشكلت هذه المعادلة ذريعة ذهبية لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل وبالطبع إيران للتجاذب على الأرض السورية.

 

فصائل المعارضة المخلصة باتت تفصيلاً صغيراً على طاولة النفوذ الدولي، ولم يعد لها أي دور في مواجهة النظام. أما الأراضي التي تسيطر عليها فتتآكل شيئاً فشيئاً

غابت تظاهرات السوريين واعتصاماتهم وهتافاتهم وحلّت مكانها مواجهات دموية قتلت وجرحت ودمّرت وهجّرت الشعب السوري. من كان يصرخ في التظاهرات "يلا إرحل يا بشار" رحل إلى ألمانيا وهو الآن يدير مطعماً يقدم الشاورما والأكلات السورية. ومن رفع لافتة "سوريا بدها حرية" انتقل إلى تركيا، ويعمل حالياً في معمل خياطة في مدينة غازي عنتاب. تشتت السوريون الذين كانوا يقودون التظاهرات في مخيمات النزوح في تركيا والأردن ولبنان، أو نجحوا بالوصول إلى إحدى الدول الأوروبية يتوسلون اللجوء، أو أن البحر ابتلعهم خلال محاولتهم الهرب من جحيم النظام السوري.

 

تسليح الثورة وإخراجها من سلميتها هدف نجح النظام بتحقيقه، فغابت عن الواجهة راية الشعب السوري الذي لم يكن ينشد أكثر من الحرية، وتمّ تمزيق هذه الراية إلى رايات صغيرة حملتها فصائل معارضة مسلّحة. مهمة تشتيت الثورة وسرقتها قامت بها أطراف كانت تدّعي تأييد الثورة ومساندتها. فعملت كل دولة من الدول الراغبة بالتعبير عن نفوذها إلى استمالة فصيل أو عدة فصائل معارضة، ودعمتها وساندتها، ومدتها بالمال والسلاح وأحياناً بالمقاتلين، وصارت هذه الفصائل أدوات تستخدمها الدول لتنفيذ مصالحها، وتقايض من خلالها حول نفوذها وسطوتها، وتحوّل المجاهدون السوريون المخلصون الشرفاء الذين لايريدون أكثر من الدفاع عن أرضهم وأعراضهم تحولوا إلى وقود لصراعات هذه الدول. وكم شهدنا من صراعات مسلحة بين الفصائل المعارضة كانت انعكاساً لصراع الدول الداعمة لها، بينما كان النظام وحلفاؤه على مقاعد المتفرجين. أما إذا استعصى فصيل عن تنفيذ ما يُطلب منه، فالحل بسيط: إقفال "حنفية" المال والسلاح، وتنسيق تحت الطاولة مع النظام السوري ليتحول هذه الفصيل خلال فترة وجيزة إلى لقمة سهلة يقضي عليه النظام.

 

لم يبقَ من الثورة السورية شيء، على الجميع أن يقرّوا بهذه الحقيقة المرّة بعيداً عن الشعارات الرنّانة والمواقف التي تصدح بها الحناجر منذ سبع سنوات. ففصائل المعارضة المخلصة باتت تفصيلاً صغيراً على طاولة النفوذ الدولي، ولم يعد لها أي دور في مواجهة النظام. أما الأراضي التي تسيطر عليها فتتآكل شيئاً فشيئاً، ويتمّ تجميعها في مناطق محددة ربما كي يتم القضاء عليهم والتخلص منهم بضربة واحدة دون عناء.

 

الثورة السورية انتهت وتحولت أرضها إلى رقعة شطرنج يتنافس عليها الكبار، حتى النظام السوري بات جندياً صغيراً على هذه الرقعة. واقع على الجميع التسليم به، وعلى من يواصلون المتاجرة بالثورة ويمتهنون بثّ أفكار اليأس والأسى والخيبة أن يقلعوا عن ذلك، وأن يبحثوا عن قضية أخرى يتاجرون بها، ويبرزوا من خلالها عضلاتهم الخطابية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.