شعار قسم مدونات

عرب الأداء لا النتيجة!

مدونات - خسارة السعودية أمام روسيا كأس العالم 2018

نُتَابِعُ خلال هذه الأيام كأس العالم في روسيا بعيون عربية وهذا لمشاركة أربع دول في هذه المنافسة العالمية، تواجد عربي مميز لمنتخبات تتراوح بين القوية، والمتواضعة التي خدمها الحظ وقذفها في أعلى الترتيب مِمَّا جعلها تتأهل دون جهد يحسب لها، ولا نتيجة تذكر في سجلها، مصر تونس المغرب والسعودية، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر الهزيمة تجمعهم عند نتائج المباريات الأولى، منتخبات تحلم بحفر اسمها على تاريخ الكرة العربية في المحافل الدولية لكنها بعد كُلِّ خسارة تثني على الأداء وتتنكر للهزيمة.

  

 خسر المنتخب السعودية أمام المنتخب الروسي بخماسية نظيفة، جعلتنا نمني النفس برؤية حارس مرمى المنتخب المنافس لمرة واحدة، لحقتها مصر بخسارة أمام الأوروغواي بهدف قاتل في الدقائق الأخيرة، ومطالب بإقحام صلاح حتى لو كان مشلولا فكل الأحلام في كعبه، لم نهدئ إلا لساعات، فجاء المنتخب المغربي ليؤكد التَّنَبُّؤَاتِ بهدف لصفر أمام المنتخب الإيراني، هدف برأسية مغربية جعلنا نستسلم للواقع المر، عَلَّقْنَا الآمال على نسور قرطاج، ووشحنا الأدعية بتونس الخضرا، فكان للإنجليز كلمتهم في إجهاض كل الأمنيات، أربع منتخبات ، تسع أهداف تمزق شباك مرمانا، هدف يتيم نحمله بين أحضاننا، وما زال البعض يَتَغَنَّى بِالتَّشْرِيفِ وَالأَدَاءِ.

  

لَنْ يُتَوِّجُ منتخب عربي بكأس العالم، ما دام الاختصاص مُغَيَّبًا، وَمُهَمَّشًا، ما دمنا نتغنى بالماضي، وَنَتَنَكَّرُ لمصيبة الحاضر، لن نصنع منتخبا قويا، ما دامت الدول العربية تُصَوِّتُ لأمريكا، وتقف ضد المغرب

تستنزف الرياضة مِيزَانِيَّةً ضَخْمَةً في كل دولة عربية، يخصص لها غلاف مالي يتعدى الصحة والتعليم، وتحتل المرتبة الأولى في العقول والقلوب، ومع كل ذلك تبقى المنتخبات العربية تصعد بشق الأنفس، وتعود بحقائب لم تفتح، فور الصعود إلى كأس العالم بعد كل أربع سنوات، يعود المنتخب من الدور الأول فتستقبله السلطات والإعلام "يُكَيِّفُنَا شَرَفٌ عَزَفَ النَّشِيدُ الوَطَنِيُّ"، نتحدث عن الأداء عند الخسارة، وفي مجال رياضي ككرة القدم، لم تعد العارضة تمنع القوي، ولم يعد الحظ خطة المدربين، يبقى العمل والإصرار الجزء الأكبر من الفوز، والمحفز الوحيد لِلتَّأَهُّل ولما لا الفوز بالكأس.

  
لم تصل أوروبا لهذا المستوى العالي في رياضة تجمع الملايين حولها، بخطط من المقهى، ومدربين من البلاطوهات، ولاعبين من الشارع، لقد نجحوا في حصد الثمار الآن لأنهم جعلوا من الكرة المستديرة عِلْمًا يُدَرِّسُ، وَعَائِدًا يَذُرُّ عليهم بالمال، بمنتخبات تتأهل بسهولة، وتحجز مَقْعَدًا عند كل حدث، بمراكز متطورة وإمكانيات ضخمة، بملاعب مجهزة وأرضيات منمقمة، جعلوا من الكرة التي نلعبها بمجموعة أكياس، لعبة فكر وذكاء، لا لعبة حظ ودعاء، لقد فهموا الدرس جيدا، وعكفوا عن مداواة المرض، فاليوم ليس بالغريب خماسيتهم وثلاثيتهم في مرمنا.

  
نَحْنُ الشُّعُوبُ الَّتِي يُشْبِعُهَا التَّشْرِيفُ حتى لو كان عَلَمًا عَرَبِيًّا في مباراة لا تعنينا، شعوب تعاني من قزم الأحلام والطموح، تُخَطِّطُ خططا لسنة واحدة، لا تبني للزمن البعيد، تصنع منتخبا لكأس إفريقيا آو أسيا وفور انتهاء الدورة، تقيل المدرب وتطرد نصف اللاعبين، وَكُلَّمَا اِقْتَرَبَت مناسبة قارية أو عالمية سارعت لجمع ما يطول يدها دون استراتيجية أو تفكير، لا يمكننا أن نعيش الواقع وحتى الأطلال المذكورة أعلاه، كانت مجرد حوادث فرح صدمتنا في عز الافتخار والاعتزاز بالعروبة والوطن، فاليوم خروجنا من الدور الأول ليس بالمفاجئة، بل بقائنا في ظل هذا المستوى العالي نصر سيفتح مختبراتهم ليناقشوا فشلهم في دحرنا، نحن الَّذِينَ يسعدنا الظهور، والمرور، ونناقش الأداء وسوء الحظ.

  
لَنْ يُتَوِّجُ منتخب عربي بكأس العالم، ما دام الاختصاص مُغَيَّبًا، وَمُهَمَّشًا، ما دمنا نتغنى بالماضي، وَنَتَنَكَّرُ لمصيبة الحاضر، لن نصنع منتخبا قويا، ما دامت الدول العربية تُصَوِّتُ لأمريكا، وتقف ضد المغرب، تُشَجِّعُ أوروغواي وَتَسُبُّ مصر، تُصَفِّقُ للإنجليز، وَتَفْرَحُ لخسارة تونس، ما دمنا نستبيح تعب الآخرين، نسرق البث، ونفتخر بالقرصنة، نحترم الأجنبي، ونحتقر ابن البلد الكفء، نُهَمِّشُ المحلي، ونستنجد بالأوروبي، نُهْمِلُ العشب ونتذكره صبيحة المباراة، نُكَسِّرُ الكراسي في الملعب، ونرشق الأمن، نحلل في الشوارع وننقلها على القنوات، علينا التَّوَقُّفُ عن ممارسة كرة القدم، إلى أن نبني الإنسان العربي من جديد، وَنُكَنِّسُ هذا الخراب الأَخْلَاقِيَّ وَالعَمَلِيَّ وَالعِلْمِيَّ مِنْ النُّفُوسِ، يومها فقط سَنُحَقِّقُ كأس العالم بنكهة عَرَبِيَّةٍ طال اِنْتِظَارُهَا، وَهَرَّمْنَا من أجل بلوغها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.