شعار قسم مدونات

كيف تؤثر طبيعتنا الاجتماعية على مواجهتنا لضغوطات الحياة؟

blogs أصدقاء

لطالما وُصِف الأشخاص الاجتماعيين بأنهم الأقدر على مواجهة منعطفات وإرهاصات وضغوطات الحياة، بمختلف ألوانها ومنحنياتها بأساليبهم وخبراتهم الحياتية، وإن كان ذلك على حساب أغلى ما يملكون ووقتهم وما تربوا عليه منذ نشأتهم، هؤلاء أنفسهم لا يستطيعون العيش ضمن أجواء معزولة، تمنعهم عن ممارسة طبيعتهم في التواصل والتشاور مع الآخرين، والبوح بما يفكرون فيه لأشخاص قريبين منهم أو من ضمن دائرتهم الاجتماعية.

من يتصل بك مراراً وتكراراً وفي أوقاتٍ متأخرة من الليل ليطمئن عليك، ويستمع لأخبارك وتفاصيل يومك عليك أن تسعى جاهداً لأن لا تخسره، فخسارة مثل هؤلاء الأشخاص هي الخسارة الحقيقية في زمننا هذا، زمن التكنولوجيا والإنترنت والرسائل القصيرة. فكم سمعنا أو قلنا أننا نرتاح نفسياً لهذا الشخص أو ذاك، دون أي تواصل مسبق جمعنا به فقط لأن أرواحنا تلاقت بصمت رهيب ودون أي تدخل مباشر منا، وكأن طبائع البشر لا تنسجم مع بعضها عبثاً، هناك عناصر خفية ومعايير تتحكم بمحبتنا وقبولنا للآخرين شئنا أم أبينا. قضاء أوقات فراغنا خارج البيت مع الأشخاص الذين تنطبق عليهم شروط قبولهم روحياً معنا، لا يحتاج للكثير من التعقيد لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويرفض العزلة المطلقة تلقائياً، حتى أن حديثنا وآلية فتح النقاش من أسهل الأمور التي بإمكاننا ممارستها مع من نحب، وضمن دائرة الأشخاص الاجتماعيين الذين نحن جزء أصيل منهم.

ابتسامة ورونق الشخص الاجتماعي هي عادة كأي عادة أخرى كالنوم والأكل والشرب، غير قابلة للتصنع أو النفاق، فهي كابتسامة طفلٍ يلعب في أحضان أمه لا يرتجي مصلحة ولا غاية منها. من هواياتنا تكوين الصداقات وكسب الأشخاص الذين تتفق طبيعتهم مع طبيعتنا شكلاً ومضموناً، وهذا كله بأبسط مواقف الحياة كأن تكون مسافراً في إحدى المطارات، ورأيت أحد الأشخاص يحتاج لمساعدة وقمت بسؤاله والاستفسار عن ما يحتاجه، فنمت العلاقة بينكما في دقائق معدودة، وتطورت فيما بعد للخروج معاً وقضاء وقت ما في إحدى الأماكن المفضلة لديكم، هذه المواقف والتكوينات ليست صعبة ولا مصطنعة، لأنها متأصلة فينا وهي إحدى عناصر شخصيتنا وغير قابلة للتقليد وقس ذلك على جميع تعاملاتنا مع الآخرين.

الروتين الممل والهدوء المميت من ألد أعدائنا، ولا تتفق هذه العادات مع عاداتنا وتقاليدنا، ليس عبثاً وإنما طبيعة بشرية راسخة فينا لا يمكن المجاملة فيها
الروتين الممل والهدوء المميت من ألد أعدائنا، ولا تتفق هذه العادات مع عاداتنا وتقاليدنا، ليس عبثاً وإنما طبيعة بشرية راسخة فينا لا يمكن المجاملة فيها
 

روح المبادرة وحب الآخرين من طبيعة الشخص الاجتماعي حتى وإن تم تفسيرها عكس ذلك من قبل البعض، لأن الروح الاجتماعية ترفض الهدوء اللحظي والاكتفاء بالمراقبة والتأمل حتى في أبسط الأمور والمواقف. نسأل أنفسنا أحياناً بشأن قرارات مندفعة تم اتخاذها مسبقاً، لما كل هذا الاندفاع ألهذه الدرجة نحب المبادرة ومساعدة الآخرين، أم أن الموضوع خارج عن إرادتنا ونطيل التفكير والتأمل بهذا السؤال دون الوصول لإجابة واضحة، لأن تكرار السؤال نفسه يوصلنا لحقيقة، أن طبيعتنا هكذا واضحة ولا تقبل الانصياع لأوامر العقل والتروي في اتخاذ القرارات. 

تفضيل قضاء الوقت مع الآخرين على وقت العمل والأمور الهامة هو سيناريو اجتماعي لا يمكن تجاهله علماً أنه في تصنيف الأوقات يعتبر وقت العمل من الأوقات المقدسة بالنسبة للكثيرين وإضاعة الوقت مع الأصدقاء يعتبر مزعجاً إلا في الطبيعة الاجتماعية فالعكس صحيح هذا الحال ليس نابعاً من عدم المسؤولية وإنما من متطلبات الشخصية الاجتماعية. عدم الشعور بالوقت عند الاجتماع بالأصدقاء، وتبادل الأحاديث ليس إهداراً للوقت، بل إشباع لرغباتنا الاجتماعية المتعطشة لمثل هذه اللحظات، وتبادل للأفكار يصعب علينا البوح بها لأشخاص آخرين خارج هذه الدائرة التي تميزت بكل أنواع الإيجابية، وحب الاستماع للآخرين ومعرفة تفاصيل حياتهم، ليس فضولاً فحسب بل لإتاحة الفرصة أمام هذه الطبيعة البشرية، لتقديم المزيد من العون والمساعدة لكل من يحتاجها.

الروتين الممل والهدوء المميت من ألد أعدائنا، ولا تتفق هذه العادات مع عاداتنا وتقاليدنا، ليس عبثاً وإنما طبيعة بشرية راسخة فينا لا يمكن المجاملة فيها، وإن جاملنا وأظهرنا عكس ذلك تبقى تعابير وجهنا مخالفة لما نظهره .فسبحان الذي جعل الإنسان جوهر كامن بحد ذاته، وزرع فيه محبة الآخرين لأنها محصلة لحب الله حينها يصبح الإنسان في قمة الإنسانية والرحمة بالقدر الذي يعمل ويجتهد فيه من أجل رعاية ومحبة أخيه الإنسان وهنا تكمن الطبيعة الاجتماعية الإنسانية المحبة لله.