قال الإمام الشافعي رحمه الله "لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات"، زينة الأخلاق الفاضلة أن نعفو عن بعضنا البعض ليعم الخير بيننا وتتفسح المحبة في أرجائنا ويرضى الله علينا، فالرجل المثالي الصادق هو من يكون شعاره العفو في هذه الدنيا والرجل الماكر الخبيث هو من يكون سلاحه في الحياة الكره والانتقام، فبالعفو نُوقف نزيف الدماء ونُضمد الجراح ونقهر الأقراح ونقيم الأفراح، فلنسامح إن العمر قصير والحياة هي لله العزيز الخبير فاليوم قد أرحل أنا وغداً ربما أنت لكن رحيلنا سيبقى مثقلاً بأجيج الصراع والشحناء وأنين الحقد والبغضاء، دعونا نكبح نار الفتنة ونبدد الصراع بيننا ونحقق الإنسانية الجامعة فهذا الوجود منقضي وهذا الزمن عابر، وكوكبنا معياره الاضمحلال في لمح البصر بمشيئة الله عز وجل ولا يبقى للإنسان بعد رحيله سوى أعماله الطيبة وسمعته النقية الصافية صفاء دمع العيون، التسامحُ يجعل العقول تسمو والفكر يستنير فيستقيمُ الإنسان في جميع نواحي حياته وتبقى قيمته راسخة حتى بعد مماته، أيعقل نحن البشر نطلب العفو من الخالق عز وجل ونحن بالأساس لا نعفو.
بالعفو تنبثقُ مواطن المحبة وتنبلجُ مروج الألفة والصداقة، إن الله خلق عباده وبث فيهم الرحمة وهي صفة من صفاته لتسير الحياة وقال لهم إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي، والرحمة بخلق الله لا تأتي إلا بالعفو عند المقدرة على كل من طلب التوبة والرحمة والتسامح، فإذا ربنا عز وجل قبل التوبة والعفو على عباده فنحن ماذا إذن أمام الله إذا لم نقبل التوبة والعفو، فمن عفى وأصلح فأجره على الله، أيها القارئ الكريم إذا سامحت أخاك المسلم تكون بذلك قد عاملته بأخلاق وتحسب لك يوم القيامة.
العفو صفة نبيلة وهي التجاوز عن الذنب والخطأ وترك العقاب، والله يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ″اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عني″ |
إن العفو نبراسُ هذه الأمة ومنبعُ سعادتها واستمرار وجودها فإذا كانت بيننا عداوة يجب أن نعمل على اضمحلالها لأنها إذا انتشرت في المجتمع ستخربُ قيمه وتفسد أخلاقه، أحياناً كنا نسمع عن شخص قتل صديقه أو جاره بحجة أن بينهما أموال وهناك من قتل شقيقه من أجل الميراث، أيعقل أن تقتل أخاك المسلم من أجل مبلغ من المال، ألهذه الدرجة أرواحُ البشر رخيصة لدى البعض من الناس! مهما بلغت العداوة بينك وبين شخص آخر حتى ولو أن هذا الإنسان طعنك في ظهرك أو ظلمك وربما سلبك حقك لا تصل بك الدرجة إلى قتله، بل هناك عدالة وقانون والأكثر من هذا كله توجد عدالة إلهية خالدة لذلك فوكل أمرك لله عز وجل، ومن جهة أخرى إذا جاءك شخص يطلب منك السماح فأعفو عنه دون تردد ليس لأنك خائف منه بل لأنك أقوى منه بكثير، وأنت تعلم أن هذا الفعل سيقربك من الله عز وجل وكن على يقين بأن التسامح صفة من صفات الأقوياء.
وخير مثال على ذلك ما جاء في القرآن الكريم في قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمر الأيام ويهب الله ليوسف عليه السلام المُلك والحكم ويصبح له القوة والشأن والسلطان بعد أن صار وزيراً لملك مصر، وجاء إليه إخوته ودخلوا عليه يطلبون الحبوب والطعام لقومهم، لم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرفهم يوسف الصديق بنفسه فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم وينتقم منهم، لما فعلوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن الفضيل والصفح الراقي الجميل وقال لهم ″لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
العبرة التي نستخلصها من هذه القصة الرائعة هي عظمة أخلاق نبي الله يوسف الصديق عليه السلام وإيمانه القوي بأن الله غفور رحيم، فرغم كل ما صنعوا به من ظلم وقهر إلا أنه قابلهم بالحسنى وعفى عنهم، إن العفو صفة نبيلة وهي التجاوز عن الذنب والخطأ وترك العقاب، والله يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ″اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عني″، إن الله يحب العفو لذلك فلنسامح ونعفو عن بعضنا البعض، وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع ويعود اليه المسيء معتذراً، لذلك يقول الله تعالى ″ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ″، ولا يظن الإنسان أن العفو هو تعبير عن ضعفه لذلك يقول أحمد الشقيري ″قد يرى البعض أن التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة، لكنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام، وأن الصمت أقوى من أي كلام″، والدكتور إبراهيم الفقي يقول أيضاً ″إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين″.
أيها الأخ اصفح الصفح الجميل وقل يا رب، أنت أيها الزوج الفاضل المؤمن التقي إذا أخطأت زوجتك فأعفو عنها وسامحها وعلمها الصواب ولا تقسو عليها لأنها تبقى في نهاية المطاف إنسانة من لحم ودم وضعيفة بالنظر إليك فكل البشر خطاؤون، أنت أيها الشاب اليافع الرزين إذا كان والدك قاسياً معك عندما كنت طفلاً صغيراً فلا تحمل بغضاً في ذاتك ولا تشحن قلبك كرهاً له بل عليك أن تنسى كل شيء لأنه مهما طال الزمن وتغيرت الأحوال يبقى والدك تاجاً فوق رأسك عليك باحترامه وطاعته وكسب رضاه فهو عمود الأسرة والقلب النابض لها، أنا أعرف جيداً أنه أحياناً يصعب على المرء أن يسامح شخصاً أساء إليه وهذا راجع إلى طبيعة وقساوة الإساءة الموجهة إليه.
لكن يجب أن نتغلب على تلك الذات السلبية ونضع العفو صمام أمان لها لأن المسامح كريم، صحيح أنه من الصعب أن تُرسخ فكرة العفو والتسامح في بعض العقول المتحجرة بأي شكل من الأشكال، فأن تغير مجرى النهر أسهل من أن تغير الإنسان، وليس من الصواب أن يبقى المرء حاقداً ويفكر دائما في الانتقام وردة الفعل السلبية فهذا خراب للإنسانية وإبادة للنفس البشرية، فنحن أمة محمد نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، من أخلاقنا الإسلامية العفو عند المقدرة والرأفة بكل الناس، وتذكروا قول الله عز وجل في سورة الأعراف "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ″ صدق الله العظيم، فأفضل شيء يقدمه الإنسان في حياته هو العفو لأنه نصف السعادة، ويستطيع أن يحارب عدوه بالتسامح ولا يعتريه الإحساس بالندم من ذلك أبداً، فأشرف الثأر العفو، وكما قال جواهر لالا نهرو ″النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح".