أحجار على رقعة الشطرنج، كتاب أحدث صدمة في نفوسٍ وأثار سخرية في نفوس أخرى.. يؤمن البعض الأول بنظرية المؤامرة وبمهارة اليهود في القبض على عجلة الاقتصاد نتيجة لمراباتهم واشتغالهم الكثيف في هذا المجال، ومثلت أحداث هذا الكتاب التفصيلية وإبرازها كحقائق صدمة لهؤلاء وكأنها عرّت غموضًا وأشبعت تساؤلات كانت مستحوذة على عقولهم. بينما البعض الآخر يصف أحداث الكتاب بالساذجة، بل وينعتون الكاتب بالمريض نفسيًا، إذ كيف يعقل أن تسيطر عائلة واحدة وهي "عائلة روتشيلد" على اقتصاد دول كبيرة كـ إنجلترا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد السوفيتي وتتلاعب بزعمائها كأحجار على رقعة شطرنج ولا يستطيع أحد أن يحرك ساكنًا وقفًا لهذا التسلّط والابتزاز؟!
يذكر المؤلف أن حركة النورانيين اليهود -وهو تعبير شيطاني يعني حملة النور- أسسوا مؤسسة روتشيلد، والتي بدورها سخرت كل إمكانياتها لنصرة اليهود في كل مكان بالضغط على الزعماء والحكومات اقتصاديًا. وأنها حققت ثروات طائلة من خلال القروض التي أقرضتها للدول المتحاربة خلال الحربين العالميتين، فهي كانت تمول دولتين متعاديتين في ذات الوقت، تخسر الدولتان وتجني روتشيلد ثمار الفوائد.
في عالم اليوم، أصبح الاقتصاد قوة غير عادية، من يمتلكها يستطيع أن يمتلك نواصي الدول وشعوبها، لذا صار حريّا بمن يريد لبلده وشعبه الكرامة أن يهتم باقتصادها ويرفع من مستواه |
ويقول أيضًا أن الحربين العالميتين كانتا ضمن مخطط اليهود بهدف سيطرتها على العالم. المخطط الذي استأجروا لأجل إعداده الفيلسوف الألماني وايزهاوبت عام 1776 وبعض مما قضى فيه أنه يجب العمل على ابتزاز أصحاب المناصب الحساسة بالمال والجنس لإخضاعهم، والسيطرة على أجهزة الإعلام والصحافة. ويحث على استقطاب كل المتفوقين في كل المجالات الأدبية والفنية والاقتصادية وغيرها.
وتطلب المخطط أيضًا إلغاء كل الحكومات الوطنية، وإلغاء مبدأ الإرث والملكيات الخاصة، والشعور الوطني وكل الأديان ليكون العالم مهيء لاستقبال أيدلوجية "عبدة الشيطان" ويصبح العالم موحدًا تحت سيطرتهم..
بل وأيضًا حاول جاهدًا إثبات تآمرهم- أي جماعة المرابون- في قلب الشعوب على حكوماتها مما أجج الثورة الإنجليزية التي انتهت بإعدام الملك تشارلز الأول عام 1649. والثورة الفرنسية عام 1789التي انتهت أيضًا بإعدام الملك والملكة نتيجة لتلك المؤامرات التي شوهت سمعتهما وبالغت في تخوينهما. كما أن الكتاب ربط كل الثورات مع بعضها، كالثورة الروسية عام 1917 والإسبانية عام 1936 واعتبرها مطبوخة في مطبخ واحد لتحقيق ذات الهدف.
ما الذي يمنعنا حقيقة من التعامل مع هذه المعلومات بموضوعية واعتبار؟ هل يعد ذلك نقصًا أو خسارة في شيء! خصوصًا وقد صرنا مدركين أن المال يمكن أن يُقيّد كل متحرك، ويُخضِع كل متجبر. فلو افترضنا حقيقة أن مؤسسة "روتشيلد" تتمتع بهذه القوة الاقتصادية التي تُمكِّنها من تمويل الدول والحروب العالمية، فهل يصعب عليها أن تحدث مثل هذا التأثير؟ ممكن جدًا أن تُجيش نصف العالم للعمل لمصلحتها، والحروب الاقتصادية، لا تحتاج إلى القوة أكثر مما تحتاج إلى الحِنكة والدهاء.
لا أطالب الآخرين في هذا المقال بتصديق الأخبار أي كان مصدرها. بل من العقل أن يتم التعامل مع الأخبار والأحداث بوعي وجدّية ونظرة ناقدة مُمحصة، في محاولة للخروج بثمار وفوائد في كلا الحالتين، صدقت هذه الأخبار أم لم تصدق. فإن صدقت فنعمة أن علمنا بها، وإن كذبت عرفنا أساليب الكاذبين، وتعرفنا على تحليلاتهم واستنتاجاتهم.
عوضًا من تسخيف محتوى الكتاب، لم لا تتعلم الحكومات وأصحاب الدولة من هذه الحقائق، حتى وإن كانت مزيفة..! على الأقل يجب أن تحفزها على الاهتمام بتطوير الموارد المحلية والعمل على هدف تحقيق استقلال اقتصادي يحفظ قوة الدولة ولا يقوّض قدراتها السياسية. لم لا يعي الشعب أن هناك تجارًا للحروب يستحيل أن يوقفوها بأنفسهم دون ضغوطات شعبية تجبرهم على ذلك. فتجار الحروب، الحروب نعيمهم وأحلامهم الوردية التي تحققت. وقوفها يعني وقوف تدفق الأموال إلى حساباتهم. هل يجب علينا دائمًا أن نُكذّب ونكذّب، دون أن نتعلّم حتى من الأكاذيب؟
في عالم اليوم، أصبح الاقتصاد قوة غير عادية، من يمتلكها يستطيع أن يمتلك نواصي الدول وشعوبها، لذا صار حريّا بمن يريد لبلده وشعبه الكرامة أن يهتم باقتصادها ويرفع من مستواه.. ويا ليت قومي يفهمون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.