مرحلة التعليم الجامعي هي بمثابة القارب الذي ينقذك من الغرق ليوصلك إلى بَرْ الأمان، من الضياع وعدم المعرفة إلى تطوير ذاتك وتكوين نفسك بشكل سليم ومتوازن واستنهاض حياة جديدة وعيش كريم، فعدم الوصول لهذه المرحلة لا يقتصر على مَنْ تَرَعْرَعَتْ في عقولهم فكرة أن هذه المرحلة ليست مُهِمَّة، بل هناك مَنْ ترنوا إليها عَينُه مِنْ مقاعد الدراسة الأولى وهو يبني آماله ويطمح إلى شُغْل مَنّصِبْ ومكانة علمية والنيل بوظيفة تؤمن عيش رَّغيد وكريم.
فمرحلة التعليم الجامعي تُعَبِّر عن نَقَلَة كاملة من المراهقة الى الرُشد والتي تحتاج إلى تكثيف القُدرات واستنهاضِها وكدح ذهني وبدني وهناك مَنْ لا يصل إليها بسبب مجموعة من المُعضِلات التي تعترضه وتمنعه من الوصول إليها .فالوضع المادي المُتَرَدي لدى البعض يُعْتَبَر عائقاً كبيراً أمامه يعيق وصوله وإكمال التعليم الجامعي مِمَّا يجعلهم يَتَحَيَّزون عن فكرة استكمال مخططاتهم لعدم استطاعتهم تأمين مُتطلبات التعليم الجامعي.
وقد نرى من يلجأ لتعلم مِهنةٍ ما، رغم وصوله إلى مرحلة التعليم الجامعي، فهناك من بنى وخطط ثم وجد نفسه وحيداً ضعيفاً لا سبيلَ له إلا التَعلُّمْ، لكن ليسَ في الجامعة، بَلْ تَعلُّمْ مِهنَة ما. عدمْ تأَقْلُمْ الفَرد مع التغيُّرات المحيطة بهِ، وترك منزله والابتعاد عن أهله، وتَسَلُلْ شعور الوحدة إليه، والدخول في أجواء علمية جديدة والتعايش مع مجتمع جديد، تكمُن بداخل هذه الأمور مشكلة اجتماعية تُعَثِّر الفرد من المحافظة على سَيْر حياته الدراسية والعلمية، فلا بُدَّ من الاعتصام والتَسَلُّح بالصبر والتَحَمُّل، فيجب كبح جِماح الضعف واليأس الداخلي وعدم الانهيار وفي محاولة مع الانسجام مع المجتمعات الأُخرى وبناء العلاقات والتعايش معها، فلا بُدّ من خوض حروب وتجارب لتحقيق الطموح والآمال.
التعليم الجامعي ليس بالمرحلة التي يأتي اليها الفرد دون ما يحمله في جعبته من مستوى علمي ومؤهلات علمية اكتنزها من السنوات السابقة وكافية لتؤهله للمرحلة الجامعية، فعدم الكدح في تطوير المستوى العلمي في السنوات السابقة ستكون مشكلته الشخصية التي يتحمل متاعبها ومشقاتها على عاتقه، قال المفكر والكاتب الأمريكي "ألفين توفلر" أن (الأُميُّون ليسوا هؤلاء الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، بل أولئك الذين يتوقفون عن التعلم).
فتلك انتكاسة كبيرة مؤثرة ومعول هدم في المجتمع ستعطي نتائج سلبية بلا أرباح، هناك مَنْ يسهوا عنها ولا يصحى إلا بعد فوات الأوان، عدم التفريط في الحرص على الإعداد النفسي للمرحلة الجامعية فهذا من المقومات التي ستساعد الفرد في التأقلم الفوري مع هذه المرحلة الجديدة والواجهة الأخرى لعلوم جديدة. التعليم الجامعي يوصل العديد من الرسائل السامية إلى المجتمع والتي تُركز على احترام المجتمع وتطويره ونمو الحضارة والثقافة والتواصل والحوار، ووسيلة للوصول إلى الإبداع والابتكار. ويعزز للفرد مكانة مرموقة في المجتمع وبالمقابل سيكون هذا الفرد مهماً في نفع المجتمع وتقدمه وكما قيل "طالب اليوم قائداً للغد".
فعلينا العمل في تكريس كل الجهود من أجل المساهمة في تنوير العقول والسبل إلى مرحلة التعليم الجامعي وأهميتها في المجتمع، وإبداء الآراء وطرح الحلول والأفكار والمساهمة لعدم التهاون والاستهانة بضرورة الوجود والوصول إلى مرحلة التعليم الجامعي وألَّا تكون هذه المرحلة نقطة توقف وحائط صد وحتمي بعد قطع شوط كبير من الحياة الدراسية، فكما قال نيلسون مانديلا (التعليم هو أقوى سلاح من الممكن استخدامه لتغيير العالم)، فالتعليم هدفه النهوض بالمجتمع الى أفضل مستوى تكنولوجي وصحي واقتصادي واجتماعي وثقافي وغيرها من المجالات، فلذلك يجب أن يرقى كل إنسان إلى مرحلة التعليم الجامعي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.