شعار قسم مدونات

العالم ولغة الأرواح..

blogs أصدقاء

يسرع الزمن في مسيرته وتسرع معه قوافلنا. علم البعض أن للعالم روحًا فحاول فهمها لكنه لم يستطع؛ لأنه فعلًا لم يحاول يومًا فهم كنه نفسه التي هي روح هذا العالم الواسع، انبهرنا بمن هم حولنا فحاولنا تقليدهم أو مقاربتهم لكننا للأسف نفشل في نهاية المطاف؛ لأننا ما وعينا أن كل شخصٍ منا له أسلوبه الخاص في الحياة يختلف عن أسلوب الأخر. كلٌ منا يسعى إلى تحقيق أسطورته الحقيقية عند انبهارنا بالأخرين لكننا حقًا لم نكترث يومًا أن نفكّ رموز الحياة وأن نتعلم لغتها الحقيقة ولم ننتبه أنه مع قليل من الصبر يمكننا تحويل الرمل ذهبًا والفحم الأسود إلى الألماس.

لم يدرك ذلك العابر أن الصحراء كانت في غابر الزمن بحرًا واسعًا وأنها برغم المناخ القاسي والمناظر الكئيبة التي تحمله إلا أنها تختزن بداخلها العديد من الأشياء الثمينة كالذهب والبترول وهذا إذا دلَّ فإنما يدل على أن ظروفنا المعيشية مهما قست علينا إلا أننا نحمل بداخلنا العديد من الأشياء التي من خلالها نستطيع أن نبهر العالم، كذلك لم نعِ بعد أننا تعساء مع من حولنا برغم النعم التي بداخلنا والتي تحفنا من جميع الجوانب؛ لأننا نريد أن نكون أولئك الآخرين في حين أن القانون ومقتضى العادة يقولا أننا لن نكون هم.

من يفهم لغة الحب يدرك أن هناك على الدوام روحًا في العالم تنتظر روحًا أخرى سواءً كانت صاحبة تلك الروح تعيش في الصحراء أم في أعماق المدن الكبرى

دومًا نخطئ الفهم في أمور حياتنا، فلم ندرك أن الحياة مجموعة إشارات ولم نعرف أن لغة الإشارات هي لغة المجهول، فبكاء الجنين بعد خروجه من رحم أمه يدل على الحياة، والفتوة تدل على القوة وظهور الشيب في الرأس يدل على اقتراب النهايات، وكل هذا إشارات بسيطة من الله تعالى لعباده في الأرض حتى يعرِّفهم ببعض ما جهلوه، لكننا للأسف برغم بساطة بعض رموز الحياة إلا أننا لم نكترث فكَّها وفهمها ولذا نجد أنفسنا نسرف في التخبط.

أعرف أن البعض حاول فهم كنه العالم في سطور الكتب، والبعض الأخر في براقة الذهب ونجد آخرون حاولوا فهمه في ظمئ الصحاري لكن كلًا منهم ينتهي من البحث وعلى وجهه مجموعة من الكلمات المتقطعة لا تحمل في مجملها سوى الحيرة والاندهاش. نحاول جاهدين أن نجمع الكثير والكثير لكي نشعر بالفخر فيحبنا من حولنا لكننا نتفاجأ في لحظة ما بأنهم لم يحبونا في حقيقة الأمر، حينها لا تسأل نفسك لماذا لم يحبوك ولكن اسأل نفسك "ماذا قدمت لهم حتى يحبونني؟". تعلم الكثير لغات متعددة حتى فهموا من في الشرق ومن في الغرب لكنهم لم يستطيعوا فهم لغة العالم الحقيقية التي جعلتهم يتخبطون كثيرًا. هل تريد معرفة تلك اللغة؟ إنها "لغة الحب".

إن من يفهم هذه اللغة يدرك أن هناك على الدوام روحًا في العالم تنتظر روحًا أخرى سواءً كانت صاحبة تلك الروح تعيش في الصحراء أم في أعماق المدن الكبرى. قد تشتاق الأم إلى روح ابنها المغترب، وقد تشتاق الزوجة إلى روح زوجها المتوفي وقد نشتاق حتى نحن إلى روحٍ لم نلتقيها من قبل فقط لشعورنا بالحاجة إلى حامل تلك الروح.

أيها الباحثُ عن لغةٍ يفهمك بها العالم من حولك! لابد أن تعلم أن لغة الحب هي تلك اللغة التي ذللت الحيوانات الضخمة لإنسانٍ ضعيف
أيها الباحثُ عن لغةٍ يفهمك بها العالم من حولك! لابد أن تعلم أن لغة الحب هي تلك اللغة التي ذللت الحيوانات الضخمة لإنسانٍ ضعيف
 

إن الأرواح عندما تعانق نظيرها تتكسر معها لغات العالم فتبقى تلك اللغة الكونية هي الوصل بينهم لتخبرهم أن الحب لغة الغرباء وأن الغرباء أرواحٌ لم يستطع الأخرون فهمهم. هناك من اختزل الحب ففهموه بطريقةٍ خاطئة ولم يعرفوا أن فهمهم الخاطئ ذلك أجبر أحدهم أن يقول لهم: "لا تختزلوا الحب على أنه أيادي متشابكة أو شفاهٌ ملتصقة؛ الحب أكبر من أن تختزله المسميات أو الشخصيات فسقفه عاليًا جدًا قد لا تصله أعين العابرين".

أيها الباحثُ عن لغةٍ يفهمك بها العالم من حولك! لابد أن تعلم أن لغة الحب هي تلك اللغة التي ذللت الحيوانات الضخمة لإنسانٍ ضعيف لو استخدم ذلك الحيوان جزءًا بسيطًا من قوته لحطم بها عظام ذلك الشخص الواقف أمامه بضربةٍ واحدة. قد نقف مع أنفسنا قليلًا فنتساءل: " لماذا لا نستخدم هذه اللغة؟" يجيب علينا ذلك الصوت الكامن في أعماقنا وهو يجلجل قائلًا: "لأن فرطك في حبك لنفسك أعماك عن استخدام هذه اللغة مع من هم حولك، وسؤالك بـ "لماذا" يدل على ذلك، وإلا كنت بدأت سؤال بـ كيف". 

ها نحن نطيل النظر بعيدًا هناك إلى ذلك الأفق البعيد فنتوقف قليلًا عن الركض لنجلس مع أنفسنا برهةً من الزمن لنكتشف حقًا بأننا أسرفنا في الركض وراء المجهول حتى أثقلنا كاهلنا وأتعبنا أجسامنا التي لم يعد لنا منها سوى حركات غير متزنة، نحاول أن نلتقي بأنفسنا بالتفكير قليلًا في هذه الحياة فلا نرى سوى أن الزمن يُسرِعُ في مسيْرَتهِ وتُسرِع معه قوافلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.