شعار قسم مدونات

هكذا تعشق الهند عودة المجد العثماني

مدونات - أردوغان بالهند

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما تسكع العالم الإسلامي في حالة من الذعر والقلق، وعاش المسلمون تشرذما وضياعا، أيام الصراعات العالمية المسلسلة للحرية والاستقلال في زوايا الكون، فضاء لا يشم منه إلا نيران الرصاصة، نبعت في الهند حركة ذات شعبية واسعة شكلت ضغطة كبيرة على ناصية الاحتلال البريطاني، وأصبحت كابوسا أمام أحلام الاستعمار، انطلقت احتجاجا على الاحتلال وتكاتفا مع الأمة الإسلامية، إنها حركة الخلافة الإسلامية التي ظهرت في الفترة ما بين 1919-1924 قادها الشقيقان محمد علي وشوكت علي، بمشاركة من زعماء وقادة تنتمي إلى شتى الأحزاب وخلفيات فكرية متعددة أمثال مهاتما غاندي وأبي الكلام آزاد، وحسرت موهاني، تضامنت مع الخلافة العثمانية، الآيلة إلى السقوط والانحطاط، والتي ظلت كلمة جامعة لزوايا كوكب الأمة المتفرقة، الخيط الوحيد الذي جمع شرقي الأرض وغربيها.

 

 انطلقت هذه الحركة لحماية الخلافة وسدانة المقدسات الإسلامية من مخالب الاحتلال والتدخلات العسكرية الأجنبية، نظمت مؤتمرات خلافة عملاقة في عواصم شمال الهند، ربما هي الأكبر والأوسع من نوعها في تلك الفترة، لأن العرب كانوا يسعون وراء الخلافة ويهرولون إثر الوطنية والعروبة الصاخبة، طالبت فيها الاحتلال البريطاني للوقف من العدوان وعدم المس بسوء في المآثر الإسلامية، بل كانت تشدد موقفها من التحفظ على سلطنة تركيا بوصف الخليفة وإبقائها على ناصية الأمة إلى الأبد، لأنها فاجأت بمحاولات أتاتورك لتدمير الخلافة وتحليتها بعقد العلمانية والفكرة المتحررة، حتى بنى دولة على أنقاض العثمانية العملاقة، وفي نفس اللحظة أكد مؤتمر الخلافة خلال كلمات أبي الكلام آزاد "إن هدف هذه المؤسسة هو تنظيم وقيادة الأمة الإسلامية في الطريق الصحيح لإقامة العدل وتحقيق السلام ونشر كلمة الله في العالم.

 

أردوعان لا نرى فيه رجلا سياسيا يتمثل رئيس بلدة أو جمهورية، بل نرى فيه روح التاريخ الذي ضيعناه على حين غفلة من أهلنا، نحس فيه نبضة دفاقة التحمت بأفكار نجم الدين أربكان

ومن أجل كل ذلك كان من الضروري جداً للخليفة أن يمتلك السلطة الدنيوية "فلا مجال للشك عنده للصراحة" إنه بدون إمام فإن حياة المسلمين تحت الخطر، حتى يسلط عليهم الذل والهوان"، هكذا ثار الشعب الهندي بروحها ودمائها للتحفظ على ثروة الخلافة الثمينة، ولم يحجبهم بعد الأوطان ولا موج البحار للسد من هذا الهدف النبيل، لقد آلمتهم كل محاولة شنيعة تودي بخلافة الأمة الإسلامية وكل خطط ترسم لتفريق وحدتها، ووقفوا مجدا وإباء مع كل أمل ينبثق لحماية الدين وعودة الخلافة، وصفقوا لأدني حركة تهدف إحياء الخلافة ونصبها على مكانتها السامية، لأن الشعب لم يعتبروا الخلافة مسألة سياسية أو قضية اقتصادية، ولم يتورطوا في أخطبوط الوطنية بل رأوها كفرض ديني لازم، حتى استجاب لها المسلمون وتهاطلوا عليها أفواجا.
   

 فكانت لكيرالا كسائر الولايات مكانة سامقة في بلورة هذه الحركة، صخبت شوارعها وقراها تضامنا مع الخليفة وأدانت كمال أتاتورك وارتزاقه من وكالة الصهاينة، حتى شهدت الهند اعتصامات كبيرة تهتف لوحدة الأمة انضمت إليها الآلاف من شتى المذاهب، يصدحون بقصائد شاعر الشرق وفيلسوف الإسلام محمد إقبال، قصائد تضرم حماستهم وتأخذ بيديهم إلى تاريخ مشرق، كلمات تضرب في طبلة آذانهم لكي لا تنقطع جذورهم من أصالة الدين وسط ضجات الوطنية والنعرات القومية، فإن هدفهم الواحد عودة الخلافة وإقامة الدين على كعبيه.

  
أما هذا الشعار الذي عنونته هو عبارة عن الأمل الوثيق الذي يداعبه كل من يرجو عودة المجد العثماني، عودة التاريخ التليد الذي يدهدهه الزمان في حناياه، مستمدا من تراثه الزاخر بالبطولات والفتوحات التي أججت نار الأعداء شبرا بشبر، فإن أردوعان لا نرى فيه رجلا سياسيا يتمثل رئيس بلدة أو جمهورية، بل نرى فيه روح التاريخ الذي ضيعناه على حين غفلة من أهلنا، نحس فيه نبضة دفاقة التحمت بأفكار نجم الدين أربكان، ورسائل النورسي التي خرجت من بين القضبان والأسلاك الضيقة، إنه الرجل الذي ينير لنا دربا تناسينا عنه في ماضينا الغافل، ويتحفنا بتصريحاته الضاربة في وجه الخونة بينما تعلقت الأنظمة العربية أو الدمى السياسية بلعاب القوات الكبرى وتجولوا في باريس أو تل أبيب أو واشنطن أكثر من مسقط رأسهم، هنا نتحمس لتصريحاته وقرارته الصادمة، بل وقفات صامدة كفى لنا فخرا وكبرياء من هذه الرؤوس المنحنية والهامات الراكعة، نراها في القنوات يمنة وشمالا، لقد سئمنا من هذه المناظر الوقحة وانتظرنا لبعث وأمل من بين هذه الضوضاء.

 

إنه أردوغان، الذي يعرف متى يسدد ضرباته، له وطأة راسخة في أغوار بورصة وفي مرمرة وأنقرة، وقونيا وأناضو
إنه أردوغان، الذي يعرف متى يسدد ضرباته، له وطأة راسخة في أغوار بورصة وفي مرمرة وأنقرة، وقونيا وأناضو
   

نعم ندعو لدوامه وتمام نيته، لقد بحثنا عن رجل يضيئ أرواحنا، ويشق الطريق فوق ركام التاريخ،، فوق الذكريات المقدسة المعجونة بالحنين والالتياع، لقد بحثنا عنه في العالم العربي، فما وجدنا فيه إلا هرما مفندا أو ملكا ضليلا، ثم بحثنا في إفريقيا فرأينا الديمقراطية سجينة والحرية مرهونة والعدالة أسيرة، ثم بحثنا عنه في أوروبا، حتى وجدنا من مريضها ممرضة، ومن دائها دواء، هكذا أفاض أردوغان كرامته وهمته على أهالينا في الهند، صنعنا له لائحات وملصقات في جدراننا وشوارعنا كما صنعنا لابن قاسم صنما مقدسا لحسن قيادته وعدل نظامه في القرن الثامن من الهجرة، ونشتاق من بعد الأميال لعودة المجد العثماني، والفتح الرباني، ونرى رايات الخلافة خفاقة في كل واد، ونسرح في خيالات تنبنتها ذكريات فتح أسوار القسطنطينية. وخيول عاديات فوق قبرص والفرنسا.
دوام لا تمام.

  

شاهدنا خلال الوسائل التواصلية معركة شديدة بين وسمين تمام ودوام، استنباطا من قولته الشهيرة "إذا قال الشعب لي يوما تمام سأتنحى" وهل انقلب هذا الوسم على ضده أم أفاض له قوة وطاقة من جديد حتى يطلق حملة شعواء على معارضيه، أو سبب هذا لتوحيد معارضيه حتى يكسر شوكتهم في صفعة عثمانية؟ فتلك أمور سياسية لا دخل لي فيها، لكن أسجل هذه بكل نبضتي وإحساسي لدوام هذا الرجل الصامد، الذي أبت له الانقلابات العسكرية والاغتيالات المرتزقة، حقا لقد بحثت عنه سيرة ومسيرة، لهجا ونهجا، سلكا وخلقا، إنه الذي غير وجه تركيا وأنقذها وكانت على شفا جرف هار، حينما صار تراثها موؤودا تحت أعين الأمة، وحن ترابها حنين الطيور إلى أوكارها، فإنه حاضن مدينة إسطنبول وحامي تراثها، وحارس جمالها، حتى انبهرنا بروعة جمالها فأنشدنا جميعا في مدارسنا " لا بد إسطنبول وإن طال السفر"، وتعلمنا عن سكة حديد الحجاز الذي لو تحقق لكان جسرا متينا يتادل عليه رسائل المحبة والغرام.

  

"يا الله يا رحمن احفظ لنا أردوغان" لهذه الدعوات المرتفعة من أرجاء العالم الإسلامي أبعاد عميقة، وأصداء رنانة، تعكس فيها طموحات المظلومين، وأصوات البائسين والمشردين

فإنه أردوغان، الذي يعرف متى يسدد ضرباته، له وطأة راسخة في أغوار بورصة وفي مرمرة وأنقرة، وقونيا وأناضول، لقد عرفته وهادها وجبالها، وربته أحلامها وأشواقها، سيظل هو بطلا مغوارا مشيته أربكانية وحليته عثمانية، وستبقى الاغتيالات فاشلة محبطة وستكسر شوكتها تحت ضوء الصدق وشفافية الحقيقة.

  
وفي ليلة تموز 15، ليلة تسعى تركيا لنسيانها حينها حاول بعض من ضباط القوات المسلحة التركية لانقلاب عسكري على أردوغان، وفشل ضمن ساعات محدودة، بل ظن البعض أن أردوغان سيسقط بقلعته وحلمه لكن لم تتحقق تلك الأماني، وانتفض الرئيس من غباره وطار كالعنقاء، وحقق أمامهم مسلسلات أرطغرل تماما، وفي تلك الليلة المشؤومة، أطول ليلة عرفتها تركيا كنا نخاف من سقوط قلعتنا الأخيرة وأملنا الباقي أمام هؤلاء الخونة والعملاء المرتزقة التي لا زالت تصطاد تاريخ تركيا منذ القرون، لكن تركيا سجلت في صفحاتها تاريخا من جديد، وقضى الشعب على الانقلاب وحتى لا يتجرأ أحد إلى الأبد، وبهذه الموقف أظهرت تركيا ثباتها وشدة اشتياقها إلى حفظ الديمقراطية والحرية والمستقبل مهما واجهتها الدبابات والمدرعات في طريق أمامها.

  
"يا الله يا رحمن احفظ لنا أردوغان" لهذه الدعوات المرتفعة من أرجاء العالم الإسلامي أبعاد عميقة، وأصداء رنانة، تعكس فيها طموحات المظلومين، وأصوات البائسين والمشردين، ارتفعت من حناجر الفقراء والملهوفين، في أنفاسهم اشتياق وحنين إلى ذاك القائد، يدعون لصحته وعافيته، وحفظه من كل الاغتيالات، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحاك ضد تركيا وقائدها البطل نجد أن المعارضين لا يهمهم سوى إسقاط أردوغان وإطفاء هالته بغض النظر عن الآثار بعيدة المدى ولا يمتلكون رؤية مضبوطة لإدارة تركيا حالة إسقاطه، كما كانت الأعداء يفعلون نفس الفعال خلاف السلطان عبد الحميد، حتى تأخروا للتعرف على الحقيقة وحجم الخيانة التي تورطوا فيها على مدى السنين، فتركيا الحديثة نسخة من ماضيها الفاخر، إنها دخلت مرحلة مهمة في حياتها، لو اختزلناها سنقول إنها حرب الصدق مع الخيانة، حرب الإخلاص مع النفاق، وسيعود التاريخ بنفسه وروحه، سيعض الظالم على يديه، وستشرق الشمس في فلق الحرية بأشعة الكرامة والمجد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.