شعار قسم مدونات

اجعل من رمضان نقطة البداية الحقيقيّة

blogs رمضان

جميلةٌ دائماً هي البدايات في كلِّ شيء ترانا نقبل عليها بحماسٍ وإصرارٍ لا مثيلَ له، إن كانت هذهِ البدايات بداياتُ عملٍ أو دراسةٍ أو سفر.. حتّى الزَّواج في بداياته قد يوضَعُ في هذه البوتقة، فأيَّاً كانت التَّسميات لا تَهم فقد تختلف من شخصٍ لآخر لكنَّ الحماسَ والعزيمةَ المُفرطة التي ترافق تلك البدايات متشابهة كثيراً بين النَّاس على اختلافِ ظُروفِهم.. وللأسف كان لشهرِ رمضان شهرُ الخيرِ والعبادة النَّصيب من هذا الاهتمام والحماس المنقوص إنْ صَحَّت التَّسمية.

 

فالكثيرُ منَّا لا زال يعاهدُ نفسَهُ ويقطعُ الوعودَ الوهميَّة بينهُ وبينَ الله على أن يكونَ رمضانُ هذا العام هو نقطةُ التَّحوُّلِ الإيجابيّةِ في حياتِه والتي سينقلبُ فيها نظامُهُ رأساً على عقب بمجرَّدِ رؤيةِ واحد رمضان على ورقة المفكَّرة، وبالفعل تجده قد تهيَّأَ لاستقبالهِ بصلاةٍ ودعاءٍ حار وقراءةِ قرآن وذكرٍ وقيامِ ليل وسننٍ رواتب وما أنْ يصلَ إلى منتصفِهِ حتَّى تراه قد فرَّطَ بشيءٍ من ركعاتِ التَّراويح فأنقصَ منها بدلَ أن يزيد ونامَ عن قيامِ الليل وبدأَ يتململ من قراءةِ القرآن فالجزءُ الذي قد يُتلى بعد كلِّ صلاة بتفكُّرٍ وتعمُّقٍ قد ينكمش ليصبحَ جزأً واحداً كاملَ اليوم ومع مرورِ الوقت قد ينطوي هذا المصحف حزيناً على نفسهِ لرمضانَ القادم.

دعونا نفكِّرُ قليلاً بهذا السّرِّ الذي يجعلنا نُسوِّفُ الأمورَ ونأجِلُها للغدِ الذي قد لا يكون بيدنا امتلاكُه فالتَّأجيل بحدِّ ذاته مشكلةٌ كبرى تضاهي بحجمِها العباداتَ التي قصَّرنا عنها وهذا يؤدي بالتَّدرجِ إلى فقدانِ الإحساس في وزنِ أغلاطنا بميزانها الصَّحيح وقد ننظرُ لهذا التَّقصير بشيءٍ من اللامبالاة حتّى نعتادَ عليه.. فمرحلةُ التَّعوُّد على تسويفِ العبادات هي من أصعبِ المراحل التي قد يصلُ إليها الشخص عافانا الله وإياكم مِن أن نصِلَ إليها لكنْ لكي ندرءَ عنَّا خطرَ الوقوعِ في مِصيَدَةِ اللامبالاة علينا أن نعُدَّ العُدّة لذلك.

أوَّلاً: علينا بمحاربةِ آفةِ الكسلِ والفتور
إنَّ من أكثر صفات المؤمنين جمالاً هي صفةُ الصّبر ففيها قد تحلّى عبادُ اللهِ الصّابرين على الضَّراءِ قبلَ السَّراء ولذلكَ اختصَّهم اللهُ سبحانَهُ وتعالى وجعلَ لهم يومَ القيامةِ باباً خاصاً بهم

يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً المنافقين "وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا" فإن كنت تقوم إلى صلاتك متراخياً كسولاً فتذكَّر هذه الآية الكريمة، كن أنت عونَ نفسك وتداركها قبلَ فواتِ الأوان ولا تكن ملولاً مشتركاً مع المنافقين في هذه الصِّفة وانفُض عن نفسِكَ غبارَ التَّقاعسِ والتَّراخي ولا تُكثِر من النّومِ فالنَّومُ الكثيرُ لا يؤدِّي إلَّا إلى المزيدِ مِن العَجزِ والكسل وذَكِّر نفسَك بقولِ المُصطفى عليه السّلام (مضى زمنُ النَّومِ يا خديجة) واتَّخِذ منها قاعدة وكن عبدالله الذّكي الذي يغتنمُ الفرصَ قبلَ فواتِها.

ثانياً: تبنَّى خُلُقَاً نبويَّاً

حتّى تَخرُج من رمضان وقد أصبحت صفةً من صفاتِك كالإيثار مثلاً ففضلُ الإيثار جميل جداً ليس على الذي يُؤثِر فقط وإنَّما على المجتمع الإسلامي كافّة فهذا العمل يعزِّزُ روابطَ الأُلفة والمحبّة بينَ النّاس وهو أعلى درجاتِ العطاء والتَّسامح ولا تنسى أن تجودَ ممَّا تحب لكي تنالَ بِرَّ الله فقد جاءَ في سورةِ الحشر قول الله تعالى واصفاً المُؤثِرين(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) فطوبى لمن تحلّى بهذهِ الصّفة وطوبى لعبدٍ أعطى أغلى ما يحب.

ثالثاً: الصَّبر

فإنَّ من أكثر صفات المؤمنين جمالاً هي صفةُ الصّبر ففيها قد تحلّى عبادُ اللهِ الصّابرين على الضَّراءِ قبلَ السَّراء ولذلكَ اختصَّهم اللهُ سبحانَهُ وتعالى وجعلَ لهم يومَ القيامةِ باباً خاصاً بهم يعبرون منه إلى جنَّاته وهو بابُ الصَّبر وقال حبيبنا أشرفُ الخَلقِ محدِّثا عن الصّبر: "الصّبرُ نصفُ الإيمان.. الإيمانُ نصفُ صبرٍ ونصفُ شكرٍ" وقال الله تعالى واصفاً الصّابرين (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). حاول دائماً التَّسلح بالصَّبر عندَ المواقف المُغضِبة واكظُم غَيظك ولا تستسلم للمطبّاتِ المُزعِجة التي تعترض سير يومِك حتّى تَخرج من رمضان وقد فزت بوسامِ الصَّبر العظيم.

جَرِّب أن تُقبِل على الله بقلبٍ مُحبٍّ له لا بقلبٍ خائفٍ أو طامعٍ بجنَّتِه اعبدهُ بلُغَةِ الحُب وتذكَّر كم مِنَ النِّعم التي تحيط بك والتي لا عَدَّ لها ولا حُسبان ستكتشف أنَّك فُطرت على حُبِّه
جَرِّب أن تُقبِل على الله بقلبٍ مُحبٍّ له لا بقلبٍ خائفٍ أو طامعٍ بجنَّتِه اعبدهُ بلُغَةِ الحُب وتذكَّر كم مِنَ النِّعم التي تحيط بك والتي لا عَدَّ لها ولا حُسبان ستكتشف أنَّك فُطرت على حُبِّه
 
رابعاً: كن صاحبَ همَّةٍ عالية

وبادر بفعلِ الخيرات وكن سبّاقاً بها اجعلها صوبَ عينينك كالأهدافِ التي تسعى إلى تحقيقها فأصحابُ الهمم لا شيء مستحيل معهم خصوصاً إذا كانوا متوكلين على الله فكيف إذا كان هذا العمل بحد ذاتِه خالصاً لمرضاةِ وجهِه سبحانَه جَلَّ في عُلاه.. يقول الدّكتور عائِض القرني في وصف أصحابِ الهمم: "صاحبُ الهمَّةِ ما يُهمُّهُ الحر ولا يخيفُه القَر ولا يقلِقُه المُر لأنَّه تدرَّع بالصّبر صاحبُ الهِمَّة يسبقُ الأمَّة إلى القِمَّة".. فاحجز لنفسِك مقعداً معهم وكن أنت مثلٌ يُحتذى به لكثيرٍ من شبابِ الإسلام.

خامساً: الدُّعاء

جَرِّب الدُّعاءَ أثناءَ السُّجود فرسولُنا الكريم يقول: "أقربُ ما يكون العبدُ لربِّه وهو ساجد تذلَّل للهِ بينَ يديه واسأله حاجَتُك بقلبٍ صادق واطلب منه الثَّباتَ بعدَ الهداية ولا تنسى أن يُصاحبَ ذلكَ الدُّعاءُ اليقين بأنَّ الله يسمَعُك وأنَّه سيستجيب، فقط ثِق بالله وتوكَّل عليه وتذكَّر قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فلا تخف وكن مطمئناً لأن الله قد تعهَّد لكَ صراحةً بالاستجابة.

سادساً: الحُب

جَرِّب أن تُقبِل على الله بقلبٍ مُحبٍّ له لا بقلبٍ خائفٍ أو طامعٍ بجنَّتِه اعبدهُ بلُغَةِ الحُب وتذكَّر كم مِنَ النِّعم التي تحيط بك والتي لا عَدَّ لها ولا حُسبان ستكتشف أنَّك فُطرت على حُبِّه وسَيصعُبُ عليك بعدها التَّقصيرَ بحقِّه لأنَّ المُحبَّ يَخشى على حبيبهِ الغضب والزَّعل أطلِق العنان لهذا الحُبِّ السّامي ودَع قلبُك يُنشد: عَرفتُ الهوى مُذ عَرَفتُ هواك وأغلقتُ قلبي على من عداك، عندها تلقائياً ستجدُ نوافذَ قلبك قد سُدَّت إلَّا عنه.

وفي الختام قُم وتعرَّض لنفحاتِ شهرِ الرَّحمة واربط حزامَ العزمِ واعقُد النِّيَّة واجعل روحكَ تتنقلُ كفراشةٍ بينَ آياتِ ربِّك وتذكَّر دائماً هي أيّامٌ معدودات فإن فاتك أوَّله لا تدعهُ يفتكَ بآخره وكما قال ابن الجوزي رحمه الله: "إنَّ الخيلَ إذا شارفت نهايةَ المِضمار بَذَلَت قُصارى جُهدها لتفوزَ بالسِّباق.. فلا تكن الخيلَ أفطنُ منك فإنَّما الأعمالُ بالخواتيم فإنَّك إذا لم تُحسِن الاستقبال لعلَّك تُحسِنُ الوداع".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.