شعار قسم مدونات

كتب يجب أن تدرس (٣).. "الأب الغني والأب الفقير"

مدونات - الأب الغني والاب الفقير

يهتمّ الآباء بأبنائهم بمحورين: محورٌ مستقبليٌّ آجل والمحورُ اليوميّ، يكمن المحور اليومي في الطّعامِ، اللّباسِ، النّظافةِ… إلى آخره وليس هذا بحثنا، المنظور طويل المدى مثل التّعليم، الأخلاق، المبادئ والتّوجه السياسيّ… إلى آخره، التّعليم المدرسيّ والتّعليم الجامعيّ خاصةً هو الأكثر كلفةً والأكثر تنوّعاً لأنّه مرتبط بالمال، حيث أنّ المنظور العام والعقل اللاواعي يربط فوراً بين التّعليم الجيّد والوظيفة الجيّدة التي توفّر دخلاً أعلى وحياةً آمنةً وتقاعداً باكراً.
     
إنّنا في كلا المحورين لم نعلم أبناءنا عن المال، وحتى هؤلاء اللذين درسوا علوماً متعلقة بالأموال كالمحاسبة والاقتصاد فإنهم في الحقيقة يتعلّمون أدوات المال ولغة المال لكن لا يتعلّمون ثقافة المال وكيفيّة جمعه وإنمائه، وهنا تكمن حقيقة أنّ الأثرياء يعلمون أبنائهم عن المال بطريقة أخرى عمادها أن تعلّم المال يبدأ في المنزل، كيف؟ وماذا يتعلّمون؟ لماذا الأغنياء يزدادون غنىً؟ ما هو الفرق بيننا وبينهم؟ لماذا لسنا مثلهم؟ والكثير من الأسئلة.. لذلك أضع بين يديكم كتاب "الأب الغنيّ والأب الفقير" لكاتبه الثريّ روبرت تي. كيوساكى.
  

نشأ الكاتب في أسرةٍ متوسطة الدخل، وشاءت الأقدار أن يعيش في كنف أبوين أحدهما يمثّل الطّبقة الكادحة والمتوسطة ويعمل موظّفاً، والأب الثاني أصبح غنياً ويسبح عكس التّيار وعكس القناعات السّائدة، ليكتب لنا الكاتب هذا الكتاب بعد سنواتٍ من الحياة في كنفهما والاطّلاع على منظورهما وفلسفتيهما وبعد أن أصبح كاتبنا غنيّاً بالتجارب، والخبرات والمال أيضا (تقدر ثروته بثمانين مليون دولار)، ولينقل لنا عمق هاتين المدرستين: مدرسة الأب الغنيّ ومدرسة الأب الفقير، وطريقة تربية ورعاية هاتين الطّبقتين لأبنائهما. 
   

يفيدك كتاب "الأب الغني والأب الفقير" في بناء مشروعك الخاص والاستقلال الماليّ، ويحيطك علماً بكثيرٍ من العواقب والمشاكل التي قد تواجهك على المدى القريب والبعيد

الأب الفقير: يمثّل معظمنا ومعظم آبائنا، إنّها الطبقة التي تؤمن أنّ الدّراسة الجيّدة والجامعة العريقة ستؤمن وظيفةً بشكلٍ أسرع ودخلٍ جيد، والذين ينصحون أولادهم بالدراسة بجدٍّ كي يحصلوا على وظيفةٍ مرموقةٍ، وهم ذات العقليّة التي تتجنّبُ الحديثَ عن المال وأنّه رأسُ البلاءِ وليس مهمّاً وأنه فتنةٌ شيطانيّةٌ، لكن أهم ما يميّز هذه الطبقة أنها تعتقد وتؤمن أنّ جميع مشاكلها ستحل إذا ارتفعت أجورهم وأن أجورهم سترتفع إذا عملوا بجدٍّ أكثر. 
   
الأب الغنيّ: هي طبقة الأثرياء والذين يتقنون فنّ التعامل مع المال، يربّون أولادهم على أهميّة المال وكيفيّة تضخيمه، يعلّمونهم أنّ التّعليم الجيّد يمنحك فرصةً أكبر في شراء شركةٍ تدرّ عليك ربحاً، وأنّ التعليم القويّ يمنحك حكماً أفضل على حركة السوق وكيفيّة انتهاز الفرص، أهم ميزة لهذه الطبقة أنها تنوّع الدخل وتقلّل المصاريف.

  
يناقش الكتاب كلا الوالدين وطريقة تفكير الطبقتين والمآلات التي سيصل لها في نهاية المطاف، ويكشف الفرق بين تعامل هاتين العقليتين مع نفس المشكلة حيث تكون دافعاً لأحدهم وشمّاعةً للأعذار للآخر، وأنّ الخوف من الغد والميول للآمان هما ما يجعل الموظّف يبقى بنفس مستواه المادي أو يتدنّى في غالب الأحيان، وأنّ الشّجاعة والعمل المتواصل وحبّ التعلم وخوض المخاطر ما يتميّز به الثريّ.

يؤسّس الكاتب أيضاً لنظريّته ويدعمها بالأدلّة والأمثلة، ونظريّته كما ألخّصها تقوم على أنّ الأثرياء يعملون على زيادة الأصول لديهم وتقليل الخصوم، تنويع الدخل وتقليل الصرف، وبهذا تُبنى الثروات ويُحافظ عليها، وعلى النقيض يوضّح كيف أنّ الموظّف غالباً لا يملك سوى مصدر دخلٍ واحدٍ (المرتّب) وبنفس الوقت لديه الكثير من المصاريف والقروض.

  

أهمّ نقاط الكتاب

١- يتناول الكتاب بشكلٍ عميقٍ ماليّاً، نفسيّاً وحتى اجتماعيّاً آلية تفكير وحياة الموظّفين محدودي الدخل، ولماذا يعيشون في متاهةٍ لا تنتهي من الديون، حتى أنّه يوضّح لماذا عندما يزداد الدخل يزداد الدين، وستصادف عزيزي القارئ مصطلح (سباق الفأر) والذي سيشرحه الكاتب وسيبني عليه الكثير من الأمثلة. 

 
٢- يسلّط الكتاب الضوء على أهميّة الثّقافة الماليّة التي تحمي الناس من تغيرات السوق اليوميّة، فالسرعة هي صفة هذا القرن والسوق يجاري هذه السرعة، ثمّ في فصلٍ مختلفٍ يتحدث عن أهميّة السعي وراء التعلّم وأنّ الأثرياء يقضون حياتهم وجزءاً كبيراً من ثرواتهم خلف التعلّم واكتساب المهارات التي تساعدهم على حفظ هذه الثروات وإنمائها.

  undefined

 

٣- يفيدك الكتاب في بناء مشروعك الخاص والاستقلال الماليّ، ويحيطك علماً بكثيرٍ من العواقب والمشاكل التي قد تواجهك على المدى القريب والبعيد، كما أنّه يضع لك بعض الخطوات المبدئيّة والجادّة ويعمل على حلّ أكبر مشكلةٍ تواجهك في استقلالك الماليّ(الخوف).

 
٤- الضرائب وكيفيّة التعامل معها، وكيف يختلف التعامل الضريبيّ بين الأشخاص والشركات، الموظّفين والأثرياء، هذا القسم لم يكن مهمّاً في السّابق ولم يكن مؤثّراً في منطقتنا ولكن مع تغيّر القوانين وخاصّةً فرض ضرائب الربح والاستهلاك أصبح هذا القسم من الكتاب مهمّاً بل مهمّاً جداً.

  

ملاحظات وتحذيرات عن الكتاب

اعلم عزيزي القارئ أنّ الكاتب أمريكيٌّ-رأسمالي يختلف اختلافاً جذريّاً ثقافيّاً وسلوكيّاً في كثيرٍ من الجوانب عن مجتمعاتنا وأنّ الأمثلة والاستدلالات التي يسوقها هي وليدة حضارته ووطنه، لذلك كان لابدّ من كتابة بعض النّقاط والتي أخشى أن تؤثّر عليك في اللاوعي كما نصحني من أهداني الكتاب.
   
١- الكاتب يؤمن نوعاً ما أنّ الفقير هو المسبّب لفقره وأنّه يستحقّ ذلك لأنّه لم يكافح (من سياق الامثلة). 
٢- أن الغنيّ سيزداد غنىً والفقير سيزداد فقراً وأنّ هذا ما يستحقّه الاثنان. 
٣- لا يلقي الكاتب أي تبعيّاتٍ أخلاقيّةٍ أو دينيّةٍ (بطبيعة الحال) على الرّبا والاحتكار.
   
إنّ المال هو المحرّك الأول في معظم الأمور وهو المؤثّر الأول على استقرار الدول، وبسبب طبيعة المال التي غالباً لا يفقهها المهتمّون بالسياسة أو الذين يسيّرون حياة الناس تجد الدول مفلسةً أو تقع في ديونٍ وعجزٍ ماليٍّ وماهي إلاّ سنوات وتقع هذه الدول والحكومات تحت سيطرة الدول المدينة وتحت منشار الفوائد، هذا على مستوى الدول فما بالكم على مستوى الأفراد؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان