شعار قسم مدونات

تعز.. مدينة الوجع اليمني!

blogs اليمن تعز

"تَعز" المدينة اليمنية التي تُنعت بالحَالمة، هي أول مَا تقع عَيناك عليه عِندما تنظر في خارطة اليمن للمرة الأولى، بموقعها الجغرافي المتوسط والمُتداخل مع البيئة السياسية اليمنية منذُ عُرفت كمدينة، ضمن نطاقها الجغرافي يوجد ميناء المخأ، والذي عُرفَ قديماً بـ موكا، وأحد أهم المضائق البحرية العالمية "باب المندب" وإليها ينتمي الكثير مِـنْ رموز الثورة وحركات التحرير اليمنية بشطريها الشمالي والجنوبي.

 

المدينة التي لا تتسع لأبنائها، فحيثما تسير بقدمك داخل الوَطن وخارجه تَجد أثراً لقدمٍ تعزية مَرت مِـنْ هناك، أو يَداً حالمة لا تزال تبني وتُعمِّر، مُذيبة لكل الفوارق الاجتماعية في بيئة قبلية معقدة. عِندما تَقرأ عن تَعز المدينة التي صنعت جزء كبير مِـنْ التاريخ اليمني، يتبادر إلى ذهنك سؤال عن الدور الذي تؤديه هذه المدينة في الأزمة اليمنية الحالية. وعليه نجيب هنا.

تَعز الثورة

بحكم إرثها الثوري الضخم، سواء في الشطر الشمالي، فقد كانت الحضانة للكثير مِـنْ حركات التحرير ضد الحكم الملكي الأمامي، أو في الشطر الجنوبي ودور أبنائها في الثورة ضد الاستعمار البريطاني. ذلك الماضي الذي لَــمْ يترك للمواطن التعزي في الحاضر خيارات كثيرة، فمع اندلاع ثورات الربيع العربي، عادت تَعز لنهجها الثوري، حيث سجلت أول شرارة للثورة ضد النظام الحاكم في العام ٢٠١١ فيها، وفي شوارعها انتصبت أول خَيمةٍ ودوى أول شعار، وعلى ترابها سَقطت أولى التضحيات، وعلى مدى عُمر الثورة كانت تَعز هي الترمومتر الذي يقاس به الزخم الثوري للنظام الحاكم، قبل المؤيدين، مِـنْ خلالها كانت الثورة ترسم مسارتها، وتحدد خيارتها.

 

فيها تشكلت أول نواة مقاومة شعبية، لتحسم بعد ذلك كُــل جُغرافيا الوَطن التي لَــمْ تطأها قدم الانتفاشة الحوثية أمرها بالمواجهة، وبإمكانيتها المحدودة والبسيطة جابهت ترسانة عسكرية ضخمة

وعليها ايضاً جرب النظام أساليبه ومحاولاته المتكررة في إجهاض الثورة، ففيها أحرق أول ميدان، وانطلقت أول مواجهة عسكرية، لكن قدر الصمود الذي كَتبته على نفسها بقيَّ صامداً. لينتصر بعدها الحُلمِ اليمني الباحث عن فَجرٍ للتغيير.

تَعز والثورة المُضادة

لأن فصول الثورة المُضادة، لا تكتب على الصفحات التي قامت بها الثورة الأم، كان نصيب تَعز مِـنْ تركة الانتقام يقابل مَا قدمته للثورةِ. فالمدينة التي كانت تتوشح بالمَدَنيةِ وتعمل مِـنْ أجل تنشأتهِ كمستقبل لشكل الدولة القادمة، لَــمْ يكن أمامها سوى مقارعة المشروع الانتقامي ومواجهته بأدواتها المدنية والعسكرية عِندما تطلب الأمر ذلك. حيث وقف شبابها أمام آلة الحرب الحوثية عِندما خانتها كُــل التشكيلات العسكرية الموجودة ضمن نطاقها الجغرافي، والتي أعدها النظام السابق لهذه اللحظة الفارقة.

 

فيها تشكلت أول نواة مقاومة شعبية، لتحسم بعد ذلك كُـل جُغرافيا الوَطن التي لَــمْ تطأها قدم الانتفاشة الحوثية أمرها بالمواجهة، وبإمكانيتها المحدودة والبسيطة جابهت ترسانة عسكرية ضخمة، وسلبت منها قرار الحرب أو التهدئة. حتى بعد إعلان التحالف العربي عن نفسه ودخوله خط المواجهة المباشرة مع المليشيا الانقلابية، لَــمْ يتغير الكثير لديها، ضلت تقدم التضحيات، وتدفع ثمن مواقفها الثابتة دون أن تتزحزح قيد أنملة.

تَعز وفصول الخذلان

ظهرت الفوارق العسكرية التي دفع بها التحالف العربي في محافظات الجنوب، بدأ مسلسل التقهقر الحوثي في مناطق متفرقة، حتى وصل إلى أطراف صَنعاء وصعدة شمالاً، وإلى حدودها جنوباً، وامتد للشريط الساحلي للغرب منها ايضاً، لكنه غاب تماماً عنها، لتكتشف حينها أنها تواجه مشروعاً سياسياً يضاف إلى صلف المليشيا التي توغل فيها قتلاً وتخنقها حصاراً، حتى مِـنْ أسطوانات الأوكسجين، وبدأ مسلسل تهريب الحياة إلى المدينة مِـنْ خلال طرقٍ وعرةٍ وبجهدٍ شعبي، لكن ذلك لَـمْ يغير مِـنْ المعادلة العسكرية والسياسية على الأرض شيئاً.

 

وضلت تَعز بؤرة الاستنزاف الأولى للمليشيا، وسَط غياب واضح لدور الدولة اليمنية، أو شركائها في التحالف العربي، المدينة التي طبع الدمار على وَجهها، وشهدت أبشع المجازر بحق المَدنيين والإعلاميين ونشاطي المجتمع المدني، وجبهة المواجهة الوحيدة التي لا يزال به المَدنيين عرضة للموت، والجُوعِ معاً، لكن كُــل هذه المشاهدات لَــمْ تغير مِـنْ نهجها المقاوم، حتى بعد دمج فصائل مقاومتها، وتأسيس ألوية عسكرية تندرج تحت مؤسسة الجيش الوطني.

لــنْ تغير القوى العابثة في تَعز مِـنْ نهجها، طالما أن المدينة لَــمْ تقبل بالمشروع الصغير الذي يعرض عليها كُــل يوم تارة بالفوضى، وأخرى بالمساومة مقابل الدعم العسكري وخطط التحرير الوهمية
لــنْ تغير القوى العابثة في تَعز مِـنْ نهجها، طالما أن المدينة لَــمْ تقبل بالمشروع الصغير الذي يعرض عليها كُــل يوم تارة بالفوضى، وأخرى بالمساومة مقابل الدعم العسكري وخطط التحرير الوهمية
 
تَعز والمشروع الإماراتي

بعد عامين مِـنْ ولادة التحالف العربي بأهدافه المعلنة، طفى على السطح ملامح المشروع الإماراتي الخاص، وبدأت نواياه واضحة تارة بالابتزاز، وصولاً إلى دعم فصائل محددة تنحدر بولائها للإمارات، خارج إطار الدولة، وبدأ شبح الإبعاد يطال قيادات مدنية وعسكرية، وتغييب الدولة، إسوةً بما يحدث في مدينة عَدن وباقي المناطق التي تحررت بموجب ولائها للمشروع الإمارات.

 

ولَــمْ يَنتهي الأمر عند ذلك، فقد وَجدت المدينة نفسها في مواجهة مباشرة مع فرق المَوت المشبوهة، وبدأ نزيف الدم في شوارعها، ولَــمْ يستثنى منه العسكريين وأئمة المساجد وبعض الرموز الاجتماعية المؤثرة، في بادرة معلنة لصبغ المدينة ومقاومتها الشريفة بصبغة الجماعات الدينية المتشددة، مع مشاهد تمثيلية وتقارير استخباراتية موجهة.

مُستقبل الحُلمِ في تعز

لــنْ تغير القوى العابثة في تَعز مِـنْ نهجها، طالما أن المدينة لَــمْ تقبل بالمشروع الصغير الذي يعرض عليها كُــل يوم تارة بالفوضى، وأخرى بالمساومة مقابل الدعم العسكري وخطط التحرير الوهمية التي لطالما وضعت قيادتها العسكرية أمام الأمر الواقع، تلك المغامرات التي كان مِـنْ شأنها أن تسقط حالة الاتزان الذي تسود على العمليات العسكرية في جبهات الرِيفِ والمدينة، وتخلق حالة مِـنْ عدم الثقة بين القيادة العسكرية والأفراد ناهيك عن أحداث شرخٍ كبير بينها وبين الحاضنة الاجتماعية التي كانت أحد أهم عوامل قوتها.

 

لــنْ تتخلى الإمارات عن مشروعها الإقليمي في القضاء على التيارات الإسلامية ذَاتَ الطابع السياسي، والتي تمثل تَعز أهم مواطن قوته في اليمن، مما يجعل المدينة عُرضة لمزيد مِـنْ الفوضى والعبث في الأيام القادمة، وعلى المدى البعيد، وقريباً سيتم تحزيم المدينة بمليشيا، سوء كان ذلك بطرقٍ مباشرة أو غير مباشرة أسوة بباقي المناطق. لذا يتوجب على المدينة لاستعداد لما هو قادم، فالمشروع الإماراتي سوء رديفٍ للمشروع الحوثي الذي تقاومه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.