شعار قسم مدونات

هل أحرق العرب مكتبة الإسكندرية القديمة؟!

blogs مكتبة الأسكندرية
عرفنا في المقال السابق بأن مكتبة الأسكندرية القديمة العظيمة قد اختفت واندثرت بعد الحريق الذي تعرضت له على يد يوليوس قيصر عام 48 ق.م، ومن ثمّ أصبحت المكتبة الصغرى هي المكتبة الرئيسية، ولكنها تعرضت هي أيضاً للتدمير بشكل نهائي عام 391م على يد أسقف الإسكندرية البطريرك "ثيوفليس الإسكندراني" الذي دمر المعبد بشكل كامل باعتباره معبداً وثنياً، وذلك بعد موافقة من الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول. 

ولم يكن هذا الأمر بالغريب على الأباطرة الرومان ومعاونيهم من المتعصبين الذين شنوا حرباً على الكتب والعلوم القديمة ليس فقط في الإسكندرية ولكن في جميع أرجاء الإمبراطورية، ففي عام 364 قيل إن الإمبراطور جوفيان (363 – 364 م) قام بإحراق مكتبة معبد تراجانوم في أنطاكيا، وليس من قبيل الصدفة أن المؤرخ الوثني اميانوس مارقللينوس في الوقت ذاته يتحدث عن أناس في روما "كرهوا العلم كراهية السم" بل قال أيضاً: "إن هناك مكتبات قد أغلقت إلى الأبد كالقبور"، بل ويسجل المؤرخ "أوروسيوس" عندما زار الإسكندرية عام 415 كلماته الحزينة: "كانت هناك خزائن للكتب في معابد كنا قد رأيناها، ويقولون إن رجالاً منا قاموا بإفراغها من محتوياتها، وهذه حقيقة لا تقبل الشك"!! هكذا يقول أوروسيوس. 

هل أحرق العرب مكتبة الإسكندرية؟

تذكر كتب التاريخ بأن العرب المسلمين الذين جاءوا مصر فاتحين؛ قد اهتموا بالعلم والعلماء وأنشأوا العديد من المكتبات؛ منها دار الحكمة بالقاهرة التي احتوت على 150.000 كتاب، وهذا رد كافٍ وقوي على الذين ادعوا قيام العرب بحرق المكتبة، فقد زعموا بأن عمرو بن العاص أحرق المكتبة بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهي قصة يُنكرها البحث العلمي الموضوعي؛ فبالإضافة إلى ما ذكرناه من قيام يوليوس قيصر بحرق المكتبة الأم وقيام البطريرك ثيوفليس بحرق المكتبة الصغرى، فلم يتهم أحد من الكتاب المعاصرين أو المؤرخين الثقات اللاحقين للفتح الاسلامي كاليعقوبي والبلاذري والطبري والكندي وابن الأثير والسيوطي وغيرهم؛ لم يتهم أحدٌ منهم عمرو بن العاص ولا عمر بن الخطاب بحرق المكتبة.

عُرف عن العرب حرصهم على كتب العلوم والفنون؛ فهم الذين أخرجوا كتب اليونان من مخابئها بعد أن كانت عند غيرهم هرطقة وضلالاً

ولكن أول من اتهم العرب المسلمين بحرق المكتبة هو عبداللطيف البغدادي في القرن الثاني عشر الميلادي حين قال في كتابه: "الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهَدة والحوادِث المُعايَنة بأرض مصر"؛ والتي نقَلها عنه المؤرِّخ والطبيب العربي جمال الدين القفطي في كتابه "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" وكلاهما في القرن الثاني عشر الميلادي؛ "إنه هو الرواق الذي كان يدرس فيه ارسطوطاليس، وأنه دار العلم التي بناها الإسكندر وفيها كانت خزانة الكتب التي حرقها عمرو بن العاص بإذن عمر بن الخطاب"!، ولم يذكرا لزعمهما دليلاً ولا مرجعاً.

والتقط هذا الخبر بعدهما المؤرخ أبو الفرج بن العبري فنماه وأذاعه، وجعله أسطورة منمقة دون أن يكون له أساس، حيث قال: "إن رجلاً من أهل الإسكندرية يسميه العرب "حنا الأجرومي" طلب إلى عمرو ابن العاص أن يعطيه ما في المكتبة من المخطوطات فكتب عمرو إلى الخليفة يستأذنه في هذا، فرد عليه عمر بقوله: أما ما ذكرت من أمر الكتب؛ فاذا كان ما جاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا به وإذا خالف فلا إرب لنا فيه واحرقها، فلما جاء هذا الكتاب إلى عمرو بن العاص أمر بالكتب؛ فوزعت على حمامات المدينة البالغ عددها أربعة آلاف حمام لتوقد بها فمازالوا يوقدون بها ستة أشهر"!.

ومما ينفي هذا الزعم أن حنا الأجرومي الذي ادعت الرواية مقابلته لعمرو بن العاص بشأن الحادثة، كان قد مات قبل دخول العرب مصر بثلاثين عاماً على الأقل!، كما أنه قد عُرف عن العرب حرصهم على كتب العلوم والفنون؛ فهم الذين أخرجوا كتب اليونان من مخابئها بعد أن كانت عند غيرهم هرطقة وضلالاً. بل أن هناك مستشرقين أنصفوا العرب؛ مثل إرفنج وكريستون وفلين وغيرهم حينما ذكروا أن ما أشيع عن حرق المسلمين للمكتبة هو أمر لم يكن له وجود لدى الباحثين قبل نقل كتاب "مختصر الدول" إلى اللاتينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.