شعار قسم مدونات

التحالف العربي.. افتعال الحروب للتحكم بالشعوب!

مدونات - السعودية في اليمن

حدد العالم اللغوي نعوم تشومسكي عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب، لن نستطرد في شرح هذه الاستراتيجيات وسنكتفي في هذا المقال بالوقوف على استراتيجية واحدة، هذه الاستراتيجية هي (اخلق المشكلة ثم وفر الحل) تسمى هذه الاستراتيجية (المشكلة-ردة الفعل-الحل) هذه الاستراتيجية تعني افتعال المشكلات والأزمات للشعب ممن هم في السلطة لتمرير قرارات معينة قد لا تحظى بالقبول من قبل الشعب إلا بعد اختلاق المشكلات وافتعال الأزمات التي تستدعي ردة فعل الشعب، فعلى سبيل المثال كما أورد تشومسكي: "دع العنف ينتشر في المناطق الحضارية أو قم بالتحضير لهجمات دموية، مما يجعل الجمهور هو الذي يطالب السلطة باتخاذ إجراءات وقوانين وسياسات أمنية تَحُد من حريته، أو اختلق أزمةً اقتصادية للقبول بحل ضروري، يجعل الناس يغضون الطرف عن حقوقهم الاجتماعية وتردي الخدمات العامة باعتبار ذلك الحل شر لا بد منه".

 

خلق صالح في فترة حكمه مشكلة الحوثي في الشمال، وخلق مشكلة الانفصال في الجنوب، وخلق للانفصاليين في الجنوب مشكلة القاعدة. مشكلة الوجود الحوثي رباها حتى كبرت وترعرت ثم خاض معها ستة حروب هزلية؛ كل هذه الأزمات التي خلقها صالح للشعب كان الهدف منها أن يدرك الشعب أن صالح هو الحل، وأن رحيله وعائلته من السلطة يعني استفحال هذه المشكلات، والذهاب باليمن نحو المجهول، جاءت ثورة فبراير لتضع حدًا لصانع المشكلات، ومفتعل الأزمات، فحل المشكلة يتطلب القضاء على أسبابها، ولحل مشاكل اليمن كان لا بد من خروج صالح من المشهد السياسي.

 

فشلت الدولتان في تنفيذ أجنداتها في اليمن، وعدم تحقق أهدافها في بسط النفوذ، والسيطرة على الشعب اليمني، وسلب سيادته، واستقلاليته يعني الاستمرار في صنع المشكلات لهذا الشعب كي يبقى في حالة اللااستقرار

أدركت دول الجوار أن ثورة فبراير ستشكل مخرجًا لليمن فتدخلت حينها، ولم يكن تدخلها من أجل انقاذ اليمن ولا لتأخذ بيد الشعب اليمني إلى بر الأمان، بل لتبقيه في وحل مشاكله كي تتمكن من التحكم بمستقبل هذا البلد السياسي والاستئثار بخيراته وفرض ما تريده فيما يتعلق بشأن هذا البلد. سلم صالح الراية للتحالف وكان التحالف شر خلف لشر سلف. تسلم التحالف كل ما صنعه صالح من المشكلات للشعب اليمني، ولم يكن هدف التحالف حل هذه المشكلات بل استغلالها لتمرير أجندته الخاصة، حاول التحالف صنع مشكلات تختلف نوعًا ما عن مشاكل صالح التي صنعها للشعب.

 

توقع التحالف أن المبادرة الخليجية التي تقدم بها ستصبح مشكلة ولن تنجح، بل لن يقبل بها الشعب غير أنها نجحت وقبل بها كل الأطراف، وقدموا التنازلات من أجل اليمن، ظل التحالف يراهن على فشل الحوار وبقاء الأزمة غير أن شيئًا لم يكن؛ نجح مؤتمر الحوار الوطني وخرج المتحاورون بكل ما من شأنه حلحلة مشاكل اليمن من جنوبه إلى شماله، لم يرق ذلك لدول الجوار وفي مقدمتها الإمارات فراهنت على خلق مشكلة الدستور غير أن كل الأطراف توافقت على الدستور الذي صيغ في "أبو ظبي"، حرصًا منهم على اليمن، فأدركت دول الجوار حينها أنها خسرت الرهان وأن اليمن في طريقة للتعافي والنهوض.

 

بعد ذلك عادت الإمارات والسعودية لبضاعة صالح، الحوثيين والحراك. كان لا بد من استخدام هذه البضاعة، بعد فشل محاولاتهم في استمرار الأزمة ووصول الأطراف اليمنية لحل يفضي باليمن إلى بر الأمان، وجدوا في بضاعة صالح المطية الأسهل ركوبًا لتنفيذ أجنداتهم، وقد تم لهم ذلك من بوابة مشكلة الحوثي التي صنعها صالح للشعب سابقًا، فعادوا إليها وعملوا على تطويرها ومن ثم استغلالها لتمرير مخططاتهم بحق الشعب اليمني؛ جعلت الإمارات والسعودية من الحوثي مشكلة عصية على الحل، اكتوى الشعب اليمني بهذه المشكلة التي طورتها دول الجوار فبدأ الشعب يبحث عن الحل بعد أن خلقت الإمارات والسعودية المشكلة للشعب اليمني وأدركت أن الشعب يبحث عن الحل حينها وفرت الحل لهذه المشكلة، تدخلت بعاصفة الحزم لتحل مشكلة الحوثي في اليمن ظنًا منها أن الشعب اليمني وحكومته قد أصبح مهيئاً لتمرير اجنداتهم فيه مقابل حل مشكلة الحوثي، رحب بهم الشعب اليمني لحل المشكلة غير أنه لم يسمح لهذه الدولتين بتمرير مخططاتهما، فأدركت دول التحالف أن تدخلها بعاصفة الحزم لحل المشكلة التي عملت على تطويرها لم تنجح في جعل الشعب اليمني يخضع لما يريدون ويسمح بتمرير أهدافهم في اليمن، حينها عمدت الإمارات والسعودية لخلق مشاكل أخرى وافتعال أزمات لا حدود لها حتى يخضع الشعب اليمني وقيادته السياسية ويرضى بالحلول التي تريدها دولة الإمارات والسعودية مقابل وضع حد للمشاكل والأزمات التي أرهقت كاهل الشعب اليمني وقضت على الدولة.

  

مظاهرات شعبية في سقطرى رافضة للوجود الإماراتي (الجزيرة)
مظاهرات شعبية في سقطرى رافضة للوجود الإماراتي (الجزيرة)

 

عمدت الإمارات والسعودية لخلق مشاكل أخرى وافتعال أزمات متعددة كي تكون ردة الفعل الشعبي والجماهيري هي الرضا بالحلول التي تريدها هاتان الدولتان. تسلّمت الإمارات جنوب اليمن وبدأت باستخدام المشكلة الثانية، الحراك الجنوبي، أنشأت جيشًا خارج إطار الشرعية ثم منعت الحكومة من العودة إلى المناطق المحررة، لم تفلح بعد في تنفيذ ما تريد ثم قررت خلق مزيد من المشكلات فحاصرت الحكومة ماليًا، ومنعت المرتبات على الجيش الوطني وعلى الشعب اليمني كي تشكل ضغطًا شعبيًا وجماهيريًا على الحكومة الشرعية حتى ترضخ لما تريده هاتان الدولتان غير أن شيئًا لم يكن.

 

كل المشكلات والأزمات التي صنعتها الإمارات والسعودية ظنًا منهما أنها ستؤدي إلى خلق ردة فعل من شأنها الرضى بالحلول التي تريدها تلك الدولتان لم تفلح. وكانت الصدمة ما حصل مؤخرًا بسقطرى من رفض أبنائها للسيطرة الإماراتية وخروجهم في مظاهرات حاشدة تدعم الحكومة وترفض التواجد الإماراتي مرردةً شعارات (بالروح بالدم نفديك يا يمن) ورافعةً شعار (أحلامنا في دولتنا).

 

فشلت الدولتان في تنفيذ أجنداتها في اليمن، وعدم تحقق أهدافها في بسط النفوذ، والسيطرة على الشعب اليمني، وسلب سيادته، واستقلاليته يعني الاستمرار في صنع المشكلات لهذا الشعب كي يبقى في حالة اللااستقرار وذلك لإضعافه حتى تتمكن من السيطرة عليه مستقبلاً أو تضمن بقاء هيمنتها وبسط نفوذها على ثرى هذا الوطن الطاهر؛ ستواصل هذه الدولتان صناعة المشكلات وافتعال الأزمات للشعب اليمني، فالحوثي ستتصالحان معه لاحقاً فهم لا يريدون القضاء عليه وإنما تحجيم دوره. قطع ذراع إيران في اليمن أصبح أسطوانة مشروخة ملّها الشعب اليمني فمن يدعم بشار ومن خلفه إيران في سوريا، ومن سلم العراق لإيران لن تكون لديه أي مشكلة في تسليم اليمن لإيران أيضًا. مشكلة الحراك أيضًا سيتم تفعليها وسيتم دعم انفصال الجنوب وستغذى القاعدة ويُدعم جناح طارق وتُنشأ كيانات وتُدعم فصائل، وسيتم جعل الشعب اليمني في فوضى وقتل واقتتال لسنوات طويلة كما حصل في الصومال.

  

الله غالب، الله غالب "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ"

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان