شعار قسم مدونات

كيف شوّه النظام الجزائري قناة الجزيرة؟

blogs الجزيرة

في مقال لي على مدونات الجزيرة والذي حمل عنوان (ماذا خسر الشارع الجزائري من غلق مكتب الجزيرة)، والذي لاحظته أن أغلب التعليقات لسادة المتابعين لمدونات الجزيرة والذين كانوا من داخل الوطن مرحبة بقيام السلطات الجزائرية بهاته الخطوة حتى أولئك الذين لهم خلاف مع هذا النظام اتفقوا معه في هاته النقطة وشجعوا فكرة إغلاق مكتبها داخل الوطن.

إذاً: كيف علم هؤلاء السادة المشاهدين أن عمل قناة في بلد ما قد يكون على صورة فتنة تذهب بالبلد نحو خراب عظيم وحالة من فقدان الأمن؟ وكيف وصل هؤلاء السادة المشاهدين إلى نتيجة أن قناة ممكن أن تفعل كل ذلك أمام بلد كالجزائر؟ وهل الربيع العربي وأحداثه ما جعلهم يتخوفون من قناة كانت الرائدة في نقل كل أحداثه بحيث صار اسم الجزيرة مقرون بالربيع العربي؟ هل كانت بعض التعليقات ناتجة عن علم أصحابها بهشاشة النظام أمام الحقيقة والتي قد تؤدي إلى انتفاضة شعبية بعد إظهارها لرأي العام عبر هاته القناة؟ وهل كان تأثير الإعلام الداخلي من دور في إنشاء هاته المفاهيم حول الإعلام الحر الخارجي والذي ينقل الحقيقة أبعد من حدود البلدان؟ 

نستطيع أن نقول أن الحملة التي خاضها النظام الجزائري إعلاميا آتت أكلها ونجحت حتى زرع بعض المفاهيم المغلوطة حول بعض القنوات الحرة كالجزيرة والمغاربية وغيرهما، فمن المعلوم أن النظام الجزائري لم يدخر جهدا في طمس الحقيقة وفي تكوين توجه عام يلتقي وأياه في نفس النقطة، والذي ساعدته في ذلك بعض العوامل الداخلية والخارجية في ترويج مفاهيمه حول هاته المحطات الإعلامية الحرة، بحيث وجد عقولا مستعدة لتقبل وجهته حتى وإن كانت لا تمثل الحقيقة تخوفا من انزلاق قد يؤدي بالبلاد إلى حالة من فقدان الأمن، فعليه اختاروا نفس فكرته على حساب الحقيقة التي يؤمنون بها، ونذكر هنا بعض العوامل التي ساعدته في نشر توجهه.

العامل الأول: والذي جعل حملة النظام الإعلامية تنجح أمام قوة الإعلام العالمي الحر هي الأحداث الذي شهدتها المنطقة العربية والتي حملتها الثورات العربية ضد عديد من أنظمة الحكم، شاهد العالم كله هاته المجازر عبر شاشات القنوات العالمية، صور لمجازر إنسانية بشعة يعتذر المذيع قبل إذاعة المشاهد من فظاعتها وجرمها اللاأخلاقي، منها تكون لدى الجمهور تخوف كبير عن ما تنتجه هاته الثورات من مجازر وفقدان للأمن واقتتال لا نهاية له بين الفرقاء.

غلق مكتب الجزيرة في حد ذاته كان عاملا في تشويه صورة القناة والقنوات التي تنقل الحقيقة وإفساح المجال لإعلامه التابع له فقط لنشر توجهاته ونظرياته التي يؤمن بها
غلق مكتب الجزيرة في حد ذاته كان عاملا في تشويه صورة القناة والقنوات التي تنقل الحقيقة وإفساح المجال لإعلامه التابع له فقط لنشر توجهاته ونظرياته التي يؤمن بها
 

استطاع النظام توظيف هاته الأحداث المؤسفة لمصلحته بتخويف الشارع بمآل سوريا وليبيا وربط اسباب هاته الثورات بالحملة الاخبارية التي تذيعها هاته القنوات بعينها فشكل لدى المفهوم العام أن إشعال شرارت هاته الثورات كان للإعلام الحر دور كبير فيها فعليه كان اللوم الأكبر ومنه كان التخوف وعليه رسمت أسوء صورة بقدر فظاعة المشاهد المذاعة عبرها.

العامل الثاني: الاستثمار في إنشاء درجة وعي تساعد على توجيه الرأي العام حسب نظرته، استطاعت السلطة أن تلعب على وتر درجة الوعي لدى الشارع الجزائري بأشغاله عن ما يحدث خارج اهتماماته اليومية بتوفير لقمة عيشه والبحث عنها بدل البحث عن الحقيقة التي تهمه، فصار شغل الشارع الجزائري لا يتعدى أبعد من توفير احتياجاته الضرورية الخاصة به وهذا ما ساعد الاعلام التابع لسلطة من تعبئة الوعي الذي يعاني حالة فراغ من تلك الاهتمامات الكبرى حول مصير بلده، ووفر له هذا الإعلام جو داخلي منقح من كل تلك الاهتمامات المصيرية وبهذا نجح في إنشاء نفس الفكرة ونفس التوجه الذي يؤمن به تجاه هذا الإعلام الحر.

العامل الثالث: غلق مكتب الجزيرة في حد ذاته كان عاملا في تشويه صورة القناة والقنوات التي تنقل الحقيقة وإفساح المجال لإعلامه التابع له فقط لنشر توجهاته ونظرياته التي يؤمن بها، فعملت السلطات على التحكم في الإعلام الداخلي بمراقبته المشددة ولمواده التي يذيعها عبر برامجه، ولم يسمح إلا للإعلام الذي يحمل نفس النظرة التي توافقه، ووضع قوانين تجرم كل من يمس بهيبة السلطة ورموزها على حسب وصفه لها.

وهناك عوامل هامشية كانت مساعدة في توجيه الرأي العام حسب رؤيته ونظرته للأحداث التي استثمر فيها النظام بشكل دقيق وتم توظيفها بشكل محكم ومدروس مما ساعد على تسهيل المهمة، فالغالب أن النظام استطاع أن يستفيد بدرجة أكبر من الأحداث الحاصلة في العالم العربي بحيث لم يستنزف جهودا كبيرة ليتحصل على نتائج عظيمة في وقت قصير ومحدود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.