شعار قسم مدونات

رسالة إلى سجين أعرفه وسجان لا أعرفه

مدونات - محمود حسين
هل مرت عليك حقا 500 يوم كاملة خلف قضبان السجون يا صديقي؟ وكيف تجرأ سجانك على ذلك؟ هل ربما لأنه لا يعرفك شخصيا؟ أم لأنه لا يكترث بك وبمن تركت خلفك من أهل وأصحاب وأحباب؟ بعد صداقة استمرت 30 عاما معك، هل يمكنني أن أتفهم موقف سجانك الذي أخذك من أهلك وأصحابك فلا هو أفرج عنك ولا هو قدمك إلى المحاكمة لعلنا نعرف الحق من الباطل. هل يمكنني أن ألتمس له العذر على أساس أنه لا يعرف محمود حسين حق المعرفة كما عرفناه؟
  

هل تسمح لي إذن أن أخاطب سجانك مثلما أخاطبك لعله يعرف عنك بعض ما نعرف؟
هل تذكر يا محمود عندما أتينا إلى جامعة القاهرة العريقة في ثمانينيات القرن الماضي، لندرس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ذائعة الصيت، وكان بعضنا قادما من الريف ويشعر ببعض التحفظ تجاه سكان العاصمة فكنت أنت القاسم المشترك بين الفريقين بما أنك تعيش في إحدى ضواحي العاصمة وجمعت بين طيبة أهل الريف ومدنية سكان العاصمة.

 

حتى الآن ما زلت أتساءل عن السر الذي جعلك في غضون شهور قليلة صديقا للجميع، نعم للجميع، وكيف أجمع كل هؤلاء الطلاب على الإعجاب بك والسعي لصداقتك؟ هل ستجيبني؟ إذن فلأنتهز الفرصة لأسألك أيضا من أين أتيت بكل هذا الوقت وهذه الطاقة لتكون من بين الطلاب المتفوقين، وتكون أيضا من أبرز الطلاب في مجال الأنشطة، فتصبح رقما مهما في مجال النشاط الاجتماعي والرحلات، وفي نفس الوقت تكون دينامو اللجنة الثقافية وتكون ممثلا ومخرجا للمسرحية التي دخلت بها الكلية مسابقة المسرح في الجامعة في ذلك الوقت "مجانين بكل فخر"؟

 

هل تعرف أيها السجان أن محمود لم يكن له انتماء سياسي غير وطنه؟ وأنه كان كالفراشة التي تحوم فتلتقط ما تشاء من رحيق وتعرض عما لا تشاء، كل ذلك في جو من الود كنا نحسده عليه

أضحك كثيرا كلما تذكرت ما حدث ليلة العرض في حضور جماهير الطلاب ولجنة التحكيم، عندما اكتشفت أن هناك دورا هامشيا لم تكن قد خصصت له ممثلا محددا، وفاجأتني أثناء العرض طالبا أن أسرع بارتداء ملابس الشخصية خلال دقائق كي أصعد على المسرح وأقوم بالدور، وعندما ترددت أخبرتني بحزم أنه لا مجال لغير ذلك فأنا الوحيد الذي يحفظ السيناريو من غير المشاركين في العرض بحكم أني كنت الصديق المقرب للمخرج وأحضر معه كل البروفات!

 

هل أسأل السجان هذه المرة؟ هل تعرف أيها السجان أن محمود كان محبا لكل معارفه وأيضا محبوبا منهم، وأنه كان يوزع وقته وخيراته على الجميع، فيجدونه جميعا وقت الحاجة، غير محجم ولا متردد ولا متحجج؟ ربما تقول لي أيها السجان إنه لا يعنيك أخلاق محمود أو حياته الشخصية، فما رأيك أن أحدثك عما تقصد وهو عمله؟ هل تعرف أنه كان يمد يد المساعدة للجميع، وأن العشرات من الإعلاميين المصريين تعلموا على يديه أو استفادوا من خبراته؟

 

هل تعرف أن محمود كان مهنيا خبيرا بمهنته ووفيا لمبادئها، وكان دائما حريصا على التوازن والموضوعية مع الاستفادة بكل هامش الحرية المتاح بل وزحزحته إن استطاع؟

 

دعني أقول لك أيها السجان إنك ستندهش حتما إذا بحثت في أرشيف المراسل التليفزيوني محمود حسين وشاهدت بعض تقاريره الميدانية ووقفت على ما فيها من مهنية وعرض للحقيقة وانحياز للإنسان! صدقني شاهد وأعدك أنك ستندهش، وربما تدرك خطأك ولو متأخرا.

  undefined

 

هل تعرف أيها السجان أن محمود لم يكن له انتماء سياسي غير وطنه؟ وأنه كان كالفراشة التي تحوم فتلتقط ما تشاء من رحيق وتعرض عما لا تشاء، كل ذلك في جو من الود كنا نحسده عليه، فهو يناقش دون تشنج، ويختلف دون تخوين، ولا تفارقه في كل الأحوال ابتسامته العذبة، ولم يخسر أحدا من أصحاب الآراء الأخرى رغم أن هذا أصبح من ديدن الحياة في مصر الحالية.

 

هل تعرف أيها السجان أن جلسة المقهى التي كانت تجمعنا كانت تشهد تراشقا بين من يؤيد السلطة ومن يساند المعارضة، بينما محمود لا يجد غضاضة في الإشادة بما يراه حقا من هذا أو ذاك، وفي انتقاد ما يراه خطأ من هذه الجهة أو وتلك.

 

لا أدري أيها السجان إن كنت ترتاح في نومك، وأنت تواصل سجن محمود على مدى 500 يوم دون الإفراج عنه أو حتى إحالته إلى محاكمة تكون له فيها فرصة الدفاع عن نفسه! وعندما تجلس بين أولادك ألا تفكر في أولاد محمود الذين حرمتهم منه لمجرد شبهات أو حتى اتهامات ما زالت مرسلة ولم تفصل فيها أي محكمة؟ هذا عن أولاده، فهل تعرف حال أمه المكلومة؟ وهل تعرف أن أباه أصيب بجلطة قبل أسابيع حزنا على ابنه المظلوم؟ إن لم تكن تعرف فها أنا قد أخبرتك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.