شعار قسم مدونات

الفلسطينيون طلاب شهادة!

مدونات - فادي البطش

ما أجمل أن يكون للإنسان هدف نبيل في حياته، يعيش من أجله ويضحي بكل ما هو نفيس وغالي لتحقيقه؛ إخواننا وأخواتنا الفلسطينيون والفلسطينيات على مدى التاريخ يعطونا دروسا في الفداء والبطولة والتضحية والإيثار في مواجهة العدو الغاصب الذي لا يفوت أي فرصة للقضاء على كل من يحمل في قلبه مشروع بطولة مشرف في فلسطين أو في أي قطر عربي أو إسلامي.

 
الطفل الفلسطيني منذ نعومة أظافره يعرف من هو عدوه الحقيقي ويبدأ يُعد العدة لمواجهته حتى ولو بأبسط الإمكانيات – كالحجارة مثلا – فهو يتربى على ذلك، يتوقع أسْره أو اغتياله في أي وقت، الحياة عنده لها قيمة سامية، يقدم روحه فداءً لوطنه والقدس، يُستشهد أو يُعتقل دفاعا عن عرضه ودمه وماله ووطنه وحياته وعائلته وأرضه وحضارته ومقدساته وعقيدته: الطفلة عهد التميمي ليست منا ببعيد، وجنى جهاد، وغيرهن.
   
وتستمر سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب البارزين سواء على المستوى السياسي أو العلمي، إذ أن وجود علماء فلسطينيين يشكل للإسرائيليين خطرا على كيانهم، رغم كل ترسانات الأسلحة التي يمتلكونها، لكنهم جبناء أنذال لا يقاتلون إلا من وراء جدار كما قال الله سبحانه وتعالى "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ".

 

علينا مسؤولية دينية وأخلاقية تجاههم، فالقدس ليس للفلسطينيين فقط، القدس لكل المسلمين، والقضية هي القضية المركزية، لكن للأسف هناك أنظمة لم تعد القضية الفلسطينية في حساباتها

ورغم أن الآية الكريمة قد نزلت في يهود بني النضير، إلا أن اليهود في كل أصقاع الأرض وفي كل زمان متشابهون في بعض الصفات منها الجُبن والغدر ونقض العهد وغيرها، فسُلطات الاحتلال تسلك نفس النهج مع الفلسطينيين، فهي لا تقاتلهم وجها لوجه بل من الخلف أو من خلال الأسلحة الثقيلة جدا رغم أنهم (الفلسطينيون) عُزّل. هم يخافون الموت ويتمسكون بالحياة، أما الفلسطينيون فلا يهابون الموت مطلقا، في أي وقت ينتظرونه، بل ويستعدون ويعملون له من خلال رفع راية الجهاد والذود عن الوطن والأراضي المقدسة، كل أُمّ تنشأ مشروع شهيد، تتوقع فقدان ابنها أو زوجها أو أي من أفراد اسرتها في أي وقت، ولذا تتلقى نبأ استشهاده بكل صبر وشجاعة، وعلى وجهها ابتسامة رضا، تحتسبه عند الله شهيدا، ما أجمل تلك الأم الصابرة الشجاعة الباسلة!

  

منذ عدة أيام تم اغتيال فادي البطش، أستاذ الهندسة الكهربائية، في ماليزيا أثناء ذهابه لصلاة الفجر، حيث تلقى عدة رصاصات من أشخاص مجهولين كانوا يستقلون دراجة بخارية، حسب ما أفادت به السلطات في ماليزيا. البطش استشهد في الحال، نحتسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا، لم يجد من يسعفه، وأسرته اتهمت الموساد بشكل مباشر بأنه وراء اغتياله، ليس أول حادث ولن يكون الأخير وفقا لسياسة إسرائيل القذرة التي تعودت عليها منذ عقود. تستخدم كل الأسلحة الفتاكة من أجل التخلص من كل فلسطيني وعربي له شأن بارز في المجال العلمي أو السياسي أو غيره من المجالات الأخرى.

 

لم ولن تنتهي سلسلة الاغتيالات التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق العلماء والناشطين الفلسطينيين، وأيضا العلماء العرب، وستظل هذه الدائرة القذرة ما دام هناك صراع بين الحق والباطل، وما دامت سياسة إسرائيل القذرة وغير الإنسانية مستمرة ومادامت أنفاس الفلسطينيين بين ضلوعهم. حادث اغتيال البطش متشابهة مع حادث اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، الذي استُشهد في شهر مارس عام 2004 عندما كان عائدا من صلاة الفجر. قائمة الاغتيالات بحق الفلسطينيين والعرب طويلة وممتدة منذ عقود.

   undefined

  

الحادثان متشابهان في التوقيت حيث النقاء النفسي والروحي الذي يسيطر على الانسان حينما يتوجه بقلبه وعقله وجوارحه ملبيا نداء الحق للصلاة، لكنهما مختلفان في المكان وطريقة الاغتيال. لم يكن اغتيال البطش يحتاج إلى أسلحة ثقيلة مثل الشيخ ياسين، مجرد عدة رصاصات قامت بالدور، أما الشيخ ياسين فقد تم اغتياله – رغم كونه قعيدا يستخدم كرسيه المتحرك لكنه كان مزعجا وشرسا وأسدا جسورا – بيد الكيان الصهيوني الذي أطلق صواريخه للتخلص منه، اعتقد أنه قد قضى على المقاومة في غزة أو أي حراك في فلسطين، لكنه اكتشف بعد ذلك أن ياسين قد ربى جيلا بأكمله على نفس الدرب ونفس المبدأ، وهذا الجيل قد ربى جيلا آخر على نفس المبدأ، وهكذا.

 

السيدات في فلسطين يختلفن عن السيدات في مكان آخر، فهن يلدن من أجل المقاومة ومن أجل الدفع بأولادهن في صفوف الحراك الشعبي والوطني لتحرير الأرض وانهاء الاحتلال، لا يعبئن إذا فقدن أولادهن في صفوف الجهاد، لأنهن يؤمن بالقضية ويعرفن أن مقتل الابن "استشهاد" وسيجزيه الله على ذلك؛ فقتلاهن في الجنة إن شاء الله. الفلسطينيون يحاولون بكل ما لديهم من قوة مقاومة الاحتلال الغاصب بصدور عارية، وقلوب قوية وعيون شجاعة وعزيمة لا تهاب الموت. في آخر مقابلة تلفزيونية معه قال ياسين "إننا طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية". كفاح ونضال الشعب الفلسطيني لابد من مؤازرته ودعمه بكل السبل الممكنة – ماديا وسياسيا ودبلوماسيا ومعنويا ودعويا – من كل البلاد العربية والإسلامية على حد سواء، لا أن نقف موقف المتفرج نهلل ونصفق للمقاومة والمقاومين وفقط.

 

علينا مسؤولية دينية وأخلاقية تجاههم، فالقدس ليس للفلسطينيين فقط، القدس لكل المسلمين، والقضية هي القضية المركزية، لكن للأسف هناك أنظمة لم تعد القضية الفلسطينية في حساباتها، مجرد بيانات وشجب وإدانة في العلن بينما من وراء الكواليس تطبع تلك الأنظمة مع الكيان الصهيوني، وتبرم معه اتفاقيات مشينة ومريبة، الأمر الذي يشير إلى تواطؤ وخذلان تجاه القضية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.