شعار قسم مدونات

لماذا لا تحترم شعوبنا القانون؟

blogs قانون

القانون.. ذلك الإطار الشامل الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض من جهة وبينهم وبين مؤسسات الدولة من جهة أخرى والذي ابتكره الإنسان أول مرة لتنظيم المجتمعات بعد أن أضحت الضرورة ملحة لذلك مع تطورها السريع والمطرد، فبدأ بسيطا بساطتها ثم تطور شيئا فشيئا مواكبة لهذا التطور.

ولا شك أن تطور وتحظر المجتمعات يقاس -من بين ما يقاس به- بمدى تطبيق القانون فيها واحترام الشعوب في هذه المجتمعات للقوانين التي تؤطرها، وهو المعطى الذي نراه حاضرا بقوة في بلاد الغرب، حيث القانون هو الإطار التنظيمي الذي يحتكم له الجميع والذي لا أحد فوقه مهما بلغت مكانته في هذا المجتمع.

لكن وصول المجتمعات الغربية إلى هذا المستوى المتقدم من احترام القانون لم يأت مصادفة، فهو ليس فقط نتيجة سنوات طويلة من التربية وغرس القيم الأخلاقية في كل فرد من أفراد هذه المجتمعات منذ نعومة أظفاره، لكنه كذلك نتيجة إرادة راسخة لدى مسؤولي هذه الدول، حيث يتساوى الجميع أمام القانون، وتتلاشى تحت قبة العدالة كل الفوارق الاجتماعية والطبقية. كما أن مؤسسات حماية وتطبيق القانون تقوم بعملها على أكمل وجه، وتحظى باحترام وثقة الجميع، فيما تمت ترقية الصحافة لتصبح بمثابة سلطة جديدة تتمتع بقدسية وحصانة كبيرتين وتتقاسم نفوذها المعنوي مع السلطات الثلاث وتفضح كل تلاعب أو زيغ عن صراط القانون المستقيم.

إعادة الثقة للمواطن العربي في القانون تبدو مهمة صعبة جدا وتحتاج عملا قاعديا يمتد لسنوات وربما لعقود أطول، والأهم من ذلك أنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية من سياسيينا وحكامنا

أما في عالمنا العربي فإن المواطن يعرف تمام المعرفة أن تعابير إنشائية من قبيل "الجميع سواسية أمام القانون" أو "لا أحد فوق القانون" هي مجرد شعارات فارغة من أي معنى حقيقي. فهذا المواطن يرى كيف أن هذا القانون يطبق على فئة دون أخرى، وأنه هناك فعلا من هم فوق القانون، وأن هذا الأخير يده مغلولة حينما يتعلق الأمر بمسؤولين أو أصحاب مال وسلطة.

إن معطى كهذا يرسخ في عقل ووعي المواطن العربي قناعة مفادها أن الالتزام بالقانون هو نوع منن أنواع الضعف وقلة الحيلة، وأن الذكي الحذق هو الذي لا يلتزم بأي قانون، وبالتالي فإن الحذاقة والذكاء تقتضي مرواغته وتجاوزه ما أمكن، وفي نفس الوقت تجنب الوقوع في مشاكل مع السلطات نتيجة لذلك، فترى الفرد يحترم القانون ما دام مراقبا، فإن زالت هذه المراقبة عاد إلى هواه من عدم الالتزام بأي ضوابط. ومن أبسط ما يمكن التدليل به على ذلك في الحياة العادية أن الكثيرين لا يتوقفون في الإشارة الحمراء مثلا إلا إذا شاهدوا شرطي المرور، كما أن الغالبية لا تحترم دورها في الطابور في أي مؤسسة حكومية وتتحايل على القوانين البسيطة.

وحتى إن سلط عليهم سيف القانون فإنهم يبحثون عن وسيلة ما لتجاوزه سواء عن طريق واسطة أو رشوة، إدراكا منهم بأن ذلك أمر ممكن بل وجار به العمل. ورغم كل المحاولات التي تبدلها ظاهريا الكثير من الدول العربية من أجل فرض احترام القانون في مجتمعاتنا بكل وسائل الترغيب والترهيب الممكنة والتي يتم الترويج لها على نطاق واسع على أنها إصلاحات جوهرية عميقة، إلا أن كل تلك المحاولات تذهب سدى، لأنها محض سياسات ترقيعية لا ترقى إلى مستوى السياسات المتكاملة المبنية على رؤية واضحة ومحددة.

إن إعادة الثقة للمواطن العربي في القانون تبدو مهمة صعبة جدا وتحتاج عملا قاعديا يمتد لسنوات وربما لعقود أطول، والأهم من ذلك أنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية من سياسيينا وحكامنا، لأن المجتمعات التي لا يسود فيها القانون بشكل كامل لن تتقدم أبدا، وكما يعلم الجميع فإن تقدم ورخاء المجتمعات يعود في النهاية بالنفع على جميع أفرادها.

وإلى أن يأتي ذلك الوقت فإن دور المؤثرين والمثقفين في دولنا العربية هو دور لا غنى عنه في ترسيخ قيم القانون والدفاع عنها، لذلك فإنهم لا يجب أن يألوا جهدا في ذلك خصوصا في أوساط الشباب والصغار الذين هم دعامة مجتمعاتنا العربية في المستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.