شعار قسم مدونات

حين قالوا أننا أغبياء!

مدونات - رجل حزين

إنّها الكلمات مرّة أخرى، تلك التي تهدمُ أو تبني، تهدّ جداراً أو تُقيمه.. إنها المحاولات المقصودة وغير المقصودة، الأنفس الصّحيحة وتلك المريضة، وذاك المُتصلّب الذي يستمر في قول "لم آبه بكلامهم ولن أفعل"، قد انقضّ جداره يوماً ثمّ أقامه، معوجّاً أم مُستقيماً ؟ "هنا حطّنا الجمّال". إنّه التغاضي، التجاهل، الملل، المرحلة التي تُسمى بالمَلَكية.. من ناحية أخرى.

 

يضَعُنا المُجتمع في قوقعة الغباء لأننا لم نُدرك الأشياء بتمامها، لأننا فشلنا في اتمام الشيء من المرّة الأولى، يُقلصَ نموّنا في زاوية يتردد فيها "إنت غبي" تتشربُ النّفس الكلمات تغوص في اللاوعي ليجزم اعتقادنا أننا أغبياء حقّاً. نُترك حينها لشيءٍ لَسنا هو، لا بدائل.. ألقوا الكلمات وذهبوا. في الحقيقة لم يَثبُت حتّى الآن أنّ عُلماء ناسا قد وُلدوا عُلماءً من رحم أمّهاتهم، ولا حتّى بيل غيتس لم تولد معه شركة مايكروسفت، في الحقيقة كلّ أولئك.. لاعبو كرة القدم والسلة لم يولدوا بأقدام وأيادٍ ذهبية، لم تكُن تسديداتهم الأولى موفّقة كلّ أولئك لم يفهموا الأمور مرّة واحدة ولم ينجحوا من المرّة الأولى.. لقد تَلت المرات المرّات.

 
من ظن أنه بدون العمل يصل فهو متمنّ ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن ّ (على ابن أبى طالب) يَنظر البَعض منا إلى الآخر على أنه أقل منه ذكاءً لمجرد قصور معرفته في أمر مُعيّن نمتلك فيه سعة معلوماتية أكبر، وينقسم هؤلاء إلى قسمين: قسم يستمرّ في وضع الآخر تحت الاختبار لغاية الإحراج والضغط وآخر يكتفي بالحديث عن نفسه وتهميش الآخر.

 

في كلّ مرّة أخبرت فيها أحدهم أنه غبي قد قتلت فكرة وأغلقت درباً لم يبتدئ بعد، شيئاً أطفئته لربّما أراد يوماً أن يجعل مُحيطاً أو حيّزاً أفضل .الكون لا يقتصر عليك فقط وما تعلمّته لم يكن ملكك يوماً 

أمّا الأول يُعاني من عُقدة النّقص في أمر ما وهذا النّقص يتمّ تعبئته بالتّسلط على الآخرين ووضعهم كل مرّة تحت نفس عبارات التثبيط تحت مُسمى الواقعية وتسخيف ما يبدو لهم شغفاً أو جزءاً منهم. أما الثاني ترتفع لديه الـ "أنا" ويعتبر أعماله مُقدسة وكل ما يُخالفها إلى الجحيم وهذا يُعاني من عقدّة النقص أيضاً لكن تحت مفهوم النرجسية .في كلتا الحالتين فإنّ الصّنفين يحاولان سحب كل من يملك فكرة أو طريق مُثمر قد يطغى علو وجوده إلى دائرة انهزامية تُسمى "الغباء". 

 

إنّ كِلا هذين الصّنفين موجودان في البيت في المدرسة والشارع في الجامعة، قد يكونان رؤوساء عملك أو حتّى أصدقائك، لذا توقّف عن جعلهم يُغيرون مسار حياتك، لنتوقف جميعاً عن اخبار طالب أنه غبي، لنتوقف عن الصّعود على ظهور الآخرين بسحبهم إلى الهامش. علينا أن نفتح حواسّنا جيداً إلى هذا الكون لنشعر بحقيقة من يمنحنا الحقيقة، التّخلي عن مرآة أنفسنا في الأخرين أكذوبة، فالإنسان كائن تفاعلي يتأثر ويؤثر ووصولك إلى المرحلة التي تقول فيها: أنا لا أهتم بالآخرين هي نتاج أمرين: إمّا أنك تجاوزت عبارة "أنت غبي" وأدركت بالمحاولات أنك لست كذلك بعد أن وصلت لهدفك وشغفك. أو أن باطنك استسلم لماضيك مع هذه الكلمة فتحوّلت لكائن مُثبِّط يحمل عقدة نقص على الهيئات المذكورة أعلاه.

 

لذا فالكلمة كالفراشة، يقول محمود درويش:
"أثر الفراشة لا يُرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيّة غامض
يستدرج المعنى
ويرحل حين يتّضح السّبيل
هو خفّة الأبديّ في اليومي"

وهكذا في كلّ مرّة أخبرت فيها أحدهم أنه غبي قد قتلت فكرة وأغلقت درباً لم يبتدئ بعد، شيئاً أطفئته لربّما أراد يوماً أن يجعل مُحيطاً أو حيّزاً أفضل. الكون لا يقتصر عليك فقط وما تعلمّته لم يكن ملكك يوماً. فلماذا نستمرّ في اقتصاص أجنحة الآخرين ونعتهم بالغباء؟ ما الضرر أن نحاول فهم ما لا نفهمه؟ أن نحاول بطريقة بسيطة ايصال فكرة عظيمة؟ ماذا يعني أن يفهم أحدهم في الأدب والفنّ ولا يفهم في الهندسة والطّب وعلم الفلك أو العكس؟ هكذا تنام الشّعوب وتُنتهك بذرة الإبداع، الشّباب يغني أن لن يكلّ همّه، وكان المجتمع يُبيد، لقد كنّا قُصّر نظر ومحجوبي البصيرة حين سمحنا لأحدهم أن ينتَهك حُرمة عقولنا ويُخبرنا بأننا أغبياء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.