شعار قسم مدونات

العرب.. حالهم ونهضتهم القادمة

مدونات - الشباب

في هذه الآونة الشَّديدة الحساسيَّة والحَرَج ومع ما نمرُّ به من المصائبِ المتلاحِقة السَّريعة التي تعصف بأمّّتنا العربية، كان لا بُدَّ من وقوفٍ هادئٍ للعقل والفكْر، وفي هذا الوقوف نستطيع أن نستعرض بعض الفئات الموجودة في مجتمعنا العربيّ وسبب تغيّره وتقلُّباتِ أبنائه، كما سأطرحُ ما الذي يمكن أنْ يُرى من خيارات من أجل النُّهوض بهذا المجتمع:

 

فمن هذه الفئات وأخطرها على المجتمع هم بعضٌ ممَّنْ يُنسَبونَ إلى فئة "المُثقَّفين" وإلى "رجال الدِّين" الذين وقفوا إلى جانب الطُّغاةِ المستبدِّين وأعانوهم على ظُلمهم وقهرهم الشُّعوبَ والاستيلاء على مُقدَّارات الأوطان وخيراتها ونهب ثرواتها، إذْ إنَّ أمثال هؤلاء لا يستحقُّونَ منَّا حتَّى ولو بُرهةً للتَّأمُّلِ أو التَّفكُرِ فيما يفعلوه من آثام، وفي توصيفهم يقول مالك بن نبي: "أَلَا قاتلَ اللَّهُ الجهل، الجهل الذي يُلبسه أصحابه ثوبَ العِلْم، فإنَّ هذا النَّوع من العِلْم أخطر على المجتمع من جهل العَوَام لأنَّ جهل العوام بيِّنٌ ظاهر يَسهلُ علاجُه، أمَّا الأول هو متخفٍّ في غرور المتعلِّمين".

 

وفي أعقاب الأحداث الأخيرة التي طالت المنطقة العربية -بشكلٍ عام- تغيَّرت الثقافة المُجتَمَعيَّة ونَحَتْ منحًى آخرَ، فغدا الآخرُ هو العدوُّ وبدأت النَّظَرات تتحوَّل من كون المجتمع يقوم على ثقافة النسيج الواحد، كما ظهرتْ نَزعات أخرى تهيب بأصحاب الرَّأي الموافق والمذهب المُشتَرَك أن ينكفؤوا على أنفسهم منحازين إلى بعضهم البعض رافضين الآخر داعين للابتعاد عنه، وهو الآخر الشبيه سابقاً، حتى أنَّ بعضهم ذهب ودعا إلى أكثر من ذلك، فقد نادى بإلغاء الآخر بطرقٍ عديدة: إمَّا قتله وإمَّا تهجيره وإمَّا نفيه وإمَّأ إجباره على ترك عقيدته أو مذهبه أو دينه أو تغيير مُعتَقَداته، وكلُّ ذلك كان بالترهيب لا بالترغيب طبعاً، لأنّ التهجير والنفي وتغيير المعتقدات وترك العقيدة لا يكون إلّا ترهيباً مباشراً حازماً علنيَّاً، وفي وصفِ هذه الثُّلَّةِ من المطبِّلِينَ المُهلِّلين يقول الشَّاعر مهنَّد كامل في مُطَوَّلته "القتيل": 

  

ها أنتَ تكتبُ في مديحِ القاتلينَ..
قصائداً
وتُجيبُ مثلَ البوقِ.. وحدكَ
مَنْ بربّك.. هزَّ ذيلكَ.. أو
رآكَ ليسألكْ؟!
ما أنتَ إلا كلبُ قافلةٍ تسيرُ
وعندما..
ستملُّ منكَ.. سترتدي
كفّيكَ حتّى تقتُلكْ

  

نحتاج إلى إعادة تدوير وعي هذا الشعب وهذا إنَّما يتطلَّبُ وقتاً ربَّما يكون طويلاً فيتبدَّل هذا الجيل ليأتي جيلٌ جديدٌ واعٍ قد تشرَّبَ روح الثورة والمطالَبة بوطنه واسترداد حرّيّته

ولعلَّ السَّبب الأكبر الذي يؤثِّر في هذا التغيُّر الثقافيّ، هو المتغيّر السياسيّ الذي يفرض هيمنته ويسعى بعض أفراده إلى تشويه ثقافة الآخر للوصول إلى مُبتغاه من إبادته وإنهائه الاختلاف والخِلاف، إضافة إلى غياب الوعي الثقافي بغياب رؤوس الثقافة الحقيقيِّين وطبقة المتعلِّمين المُّنَزَّهِين عن عبوديَّةِ الطُّغاة المستبدِّين الذين اضطرُّوا للهروب من بلادهم واللجوء إلى بلاد تستطيع تأمين الحماية والأمان والجوّ العلميّ المناسب لهم، أو قضوا نحبهم في الأحداث الدامية التي شهدتها بلادهم.

 

وما بين احتياج العرب كشعب بكلّيته حاليَّاً لصدمةٍ كبرى أو هزّةٍ عنيفة توقظه من سباته وتفتحُ له أُفُقاً جديداً كالتي حدثت بعد الثورة التونسية على نظام "بن علي" عام 2011، وما بين احتياجه لإعادةِ تدويرِ وعيه الذي ما فتئ وعاد إلى قوقعته القديمة بسبب الثورات المضادَّة ومعايشته وقوف العالم ضدَّ نضاله وكفاحه لاسترداد أوطانه وبالتالي كرامته وحريته وحقوقه، نجد أنفسنا أمام خياريَن:

 

أوّلهما بات من الصَّعبِ تحقُّقه، فالصدمة الكبرى أو الهزَّة العنيفة على الرَّغم من أنَّهما لا يستهلكان وقتاً قد يمتدُّ لعقود، إلَّا أنَّهما أصبح من المُستَبعَد تحقّقهما بسبب اليأس الذي أصاب هذا الشعب العربي لِمَا يمرُّ بالمنطقة، ولكن هناك دائماً ضوءٌ في آخرِ النَّفق، هذا الضوء إنَّما يتمثَّل بانتصار الثَّورة السُّورية الذي سيجعل من هذه الصَّدمة المُستبعَدة واقعاً قريباً.

 

أمَّا ثاني هذَين الخيارَين فيتمثَّلُ بإعادة تدوير وعي هذا الشعب وهذا إنَّما يتطلَّبُ وقتاً ربَّما يكون طويلاً فيتبدَّل هذا الجيل ليأتي جيلٌ جديدٌ واعٍ قد تشرَّبَ روح الثورة والمطالَبة بوطنه واسترداد حرّيّته وكرامته وحقوقه المسلوبة، وتحقيق هذا الخَيار الثاني لا يقل صعوبة عن الخَيار الأول، إذ يتطلَّب تحقيقه بيئةً مناسبةً ومُربِّين أكفَّاء وجيلاً مُتقبِّلاً لهذا الوعي والفتح الفكريّ الجديد.

 

فهل يمكن أنْ يكون هناك خياراتٌ أخرى أيسرُ تحقيقاً ممَّا ذُكِر؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.