شعار قسم مدونات

نحن.. كندا.. والقنب الهندي

blogs كندا

تعتزم كندا هذا العام السماح باستهلاك القنب الهندي في أرجاء البلاد بشكل قانوني، وقد سبقتها في ذلك بعض الولايات الأمريكية التي تقول بعض الإحصائيات أن حوادث السير المميتة بسبب تناول هذا المخدر تضاعفت منذ السماح بذلك. وتقول بعض الأرقام أن الأطفال في سن الخامسة عشرة في كندا هم الأكثر استهلاكا للقنب الهندي في الغرب بشكل غير قانوني، وفي مفارقة عجيبة، فالأباء في مقبلات الأيام سيتناولونه بشكل علاني وقانوني في حين أن الأبناء سيضطرون لاستعماله خفية، ولا يستطيعون اقتناء حلوى بنكهة القنب عندما يرونها معروضة للبيع في المحلات التجارية وقد كتب عليها (فوق 18).

يعتبر بلوغ سن الثامنة عشرة حلم ينتظره الشباب الكندي بفارغ الصبر كي يحق لهم شراء السجائر والمشروبات الكحولية والقنب الهندي والانفصال عن الوالدين.. وهو السن الذي ينتظره تجار الخمور والسجائر كي يخلوا مسؤوليتهم القانونية أمام الدولة في تعاملهم مع زبنائهم، وهو السن أيضا الذي تعشقه الدولة والذي لا يسبب لها حرجا يذكر أمام مواطنيها الذين يدعونها للتعامل بصرامة أكبر مع أصحاب المحلات التجارية. سن (18) رقم قانوني ليس إلا.. ولا علاقة له لا من قريب أو بعيد بسيجارة تضر في سن السادسة عشرة ولا تضر في سن العشرين، إنه الرقم الأكثر نفاقا في المجتمعات الحديثة. وما يجعل الأمر أكثر جدلا هو أن القانون الجديد سيطبق في عهد الرئيس الليبيرالي الشاب جوستين ترودو الذي لا تفارقه الابتسامة التي يعشقها الشباب والذين سيحتفلون هذا العام بعيد ميلادهم الثامن عشر بكعكة بنكهة القنب الهندي.

وفي انتظار حق أولادنا من كعكة القنب يؤرقني سؤال: إلى متى ستظل الجالية المسلمة تتعامل مع السياسيين كمنتوج تختاره بحلوه ومره ولا يمكن تعديله (Personalisée)؟ لا شك أن الجالية المسلمة -فيما يبدو- تعيش أياما وردية مع الليبيراليين، لكن أليس من حقنا أن نسعى إلى ما هو أفضل؟ هل يمكن أن نرى جوستين ترودو رئيسا للوزراء بهذا التسامح وهذا الانفتاح على المهاجرين واللاجئين وجميع الجاليات والطوائف الدينية دون هذه القوانين المتعلقة بالقنب الهندي والإجهاض والقتل الرحيم والانتحار الميسر..؟

مسؤولية الجالية المسلمة كفاعل مهم في المجتمع الكندي لا يجب أن تقتصر على الانطواء على الذات وحماية أبناءها من هذا المخدر الجديد بل عليها أن تتعدى إلى حماية أبناء البلد جميعهم

هناك فئات عريضة من المجتمع الكندي تسأل أيضا نفس السؤال، كما توجد فئات أخرى تبارك لترودو كل شيء سوى ذهابه إلى المساجد لمباركة العيد للمسلمين. ما زال أمامنا كجالية مسلمة الكثير من العمل كي يسمع صوتنا في غير أيام الانتخابات ويكون لنا دور في صناعة القرارات الكبرى التي لها تأثير كبير على الأجيال القادمة.

 

ولفعل ذلك لا بد من التصرف كمواطنين نشارك في صناعة الحياة فكرا وعملا. إن أول من عليه أن يعترض على القانون الجديد المتعلق بالقنب الهندي هم نحن المسلمين انطلاقا من المواطنة الكاملة التي نتمتع بها. لا يمكن أن نعتبر تصويتنا لليبيراليين شيكا على بياض بل نحن شركاء معهم في بناء البلد ولا يمكن بحال من الأحوال أن نقبل بأي قانون يؤثر على أولادنا حتى وإن ادعى القانون تنظيمه بشكل صارم.

لا يمكن أن نقبل فقط بدور المندد الذي يستدعى من أجل شجب عمليات إرهابية ونستثنى من النقاش المجتمعي المتعلق بالقنب الهندي والإجهاض والقتل الرحيم ونسب الانتحار وحمل السلاح وقضايا البيئة والسمنة وساعات الانتظار في المستعجلات، لا يمكن أن نستمر فقط في دور الناطق باسم المسلمين ودور المندد الذي يستنكر كلما طلب منه ذلك.. إن هذه القضايا يجب أن تكون في صلب اهتماماتنا مع شركائنا في الوطن الذين يشاركوننا نفس التصورات أو من سنفتح معهم قنوات الحوار من أجل نقاش مستفيض حولها.

لا شك أن شخصية المهاجر المسلم والعربي بالخصوص تأثرت بشكل كبير بطبائع البلد الأم حيث لا يشارك في صناعة سياسة بلده لكن في دولة ككندا الأمر يختلف، فهناك فرص وظروف تسمح بالانخراط الإيجابي والفعال في صناعة القرار. رغم أن هناك بعض الحالات التي بدأت فعلا في الانخراط في العمل السياسي والجمعوي إلا أنها غير فعالة بالقياس مع عدد وكفاءة المهاجرين من الجالية المسلمة، وحتى هذه الحالات النادرة فإنها في الغالب لا تستدعى سوى للحديث عن التطرف والإرهاب ومشاكل الجالية المرتبطة بالدين.

إن مسؤولية الجالية المسلمة كفاعل مهم في المجتمع الكندي لا يجب أن تقتصر على الانطواء على الذات وحماية أبناءها من هذا المخدر الجديد بل عليها أن تتعدى إلى حماية أبناء البلد جميعهم، وهذا ليس ضربا من المثالية والدعاية الانتخابية بل لأن للمهاجر المسلم فعلا من الموروث الثقافي والديني ما يجعله يكون فعالا في النقاش المجتمعي سواء تعلق الأمر بالقنب الهندي أو قضايا الانتحار والتفكك الأسري أو أية قضية أخرى..

إن في ثقافتنا وديننا من حب الحياة وحفظ العقل ما يسمح لنا من أن نقدم للإنسانية كثيرا من الأشياء عبر باب ظاهرة الانتحار وتعاطي المخدرات، والذي من شأنه أن يغير نظرة الناس إلينا كمتهمين بتهم الإرهاب والتطرف التي ارتبطتت بنا وكرسناها بظهورنا الممل على قنوات الإعلام ندافع فيها عن أنفسنا حينا وفي بعض الأحيان هناك من يذهب بعيدا في تدخلاته حد التبرئ من ديننا. ربما كان تحفظ المحافظين الزائد تجاه قضايا معينة سببا في انهزامهم في صناديق الاقتراع وهو ما يجعلنا نتساءل، ألا يمكن أن يكون تحرر الليبيراليين أيضا سببا في خسارتهم في الانتخابات القادمة؟ لابد من ملاحظة هذا التقلبات السياسية والانتخابية، لكن الشيء المؤكد أن هناك مجتمع يتشكل وتوجهات جديدة تظهر وتترسخ في الوجدان الكندي.. وكجالية مسلمة عليها أن تعي هذا التحول وهذا التشكل الجديد.

 

فعندما نسمع في وسائل الإعلام أن فتاة في سن الثامنة عشرة تتوعد أمها بتقديم شكوى ضدها أمام الشرطة إذا منعتها من تناول القنب الهندي في غرفتها فلنكن كجالية مسلمة في صف الأم وفي صف التماسك الأسري الذي هو تماسك للمجتمع ككل والذي نشكل جزءا مهما منه ونسعى أن نكون فيه أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.