شعار قسم مدونات

المُزايدون العرب.. بين الإتهامات المُرسلة وعجائب التنظير!

blogs تركيا وفلسطين

عندما قامت إيفانكا ترمب بافتتاح مقر السفارة الأمريكية الجديد في القدس في الذكرى السبعين لتأسيس كيان الصهاينةِ الغاصب، وما تزامن مع هذه الخطوة الكاشفة لعوراتِ نفوسِنا ووهنِ قلوبِنا وهشاشة عزيمتنا وخيانة رئاستنا، ما تزامن معها من قتلٍ لأبرياء مدنيين عُزّل خَرجوا في مسيراتٍ حاشدة تطالب بحقهم الدائم في العودة إلى ديارهم التي أُرغم آباءهم وأجدادهم على الفرار منها حتى لا تلحق بهم المجازر الصهيونية التي صُممت لإخافتهم.

 

خرجوا من ديارهم انتظارا لقدومِ الجيش العربي الذي ما عاد حتى الآن لفلسطين وقد خرج منها يجرُ أذيالَ الخيباتِ عام 48، ومنذ ذلك الحين وهو يعوض فحولته الضائعة وكرامته المُهدرة في التفنن في قتلنا وقمعِنا والانقضاض على ثرواتنا واستباحة أعراضنا، حاولت الكتابة حينها بلغةٍ عاطفيةٍ لتجييش المشاعر العربية واستدعاء ميراث الأجداد، ولكن وجدتُ من يعلم أو تذكر ربما أني أكتب من اسطنبول ليرسل إلى قائلا: ولماذا تتحدث إلينا نحنُ، وجه حديثك لأردوغان؟ 

وعندما طلبت تركيا مغادرة السفير الإسرائيلي، وقام أردوغان بطلب عقد قمة إسلامية طارئة لم يحضرها من زعماء أمتنا سوى ربع العشر أو أقل من الذين احتشدوا في قمة ترمب-سلمان بالرياض، عدت بحديثي إلى ذلك الشخص الذي سألني عن موقف أردوغان والحق أقول ببعض الفخر والتباهي أستعرض ردة فعله المتقدمة نسبيا عن باقي حكام الدول الإسلامية، فأجابني بكبرٍ قائلا: وهل هذا يكفي، لماذا لا يعلن الجهاد ويذهب بجيوشه لتحرير فلسطين، ألا تعتبروه خليفتكم؟ 

هؤلاء المُزايدون العرب يجدون بل يخلقون للتخاذل ألف ألف تبرير، ويحاصرون الخيانة الساطعة بآلاف الأسئلة للتشكيك، هم في واقع الأمر سهام تطلق دوما في ظهور الفرسان الشرفاء

حاولت أن أشرح له أنه ليس هكذا تورد الإبل، وأن الرجل -بخلاف أن أحد بالطبع لا يعتبره خليفة المسلمين- مقبلٌ على انتخاباتٍ رئاسيةٍ حساسة ومعقدة، وأن الغرب يتربصُ به، والصحف الغربية تعتبره عدوها الأول الذي يسعى لإعادة إحياء نهضة المسلمين في أوروبا، وربما العالم، عندها حوّل هذا الشخص الذي أحاوره حديثه بالكامل لتوجيه اللوم للمكلومين في فلسطين بزعم أنهم من باعوا أرضهم لليهود، وأنهم وحدهم يتحملون مسؤولية كل ما حدث، وأن مصر ضحت بما يكفي من أجل القضية.

حاولت أن أخبره بأن السلطات المصرية شريك في حصار غزة، ورغم هذا الحصار الجائر استطاعت حماس المُناضلة إقامة ورش لتصنيع الصواريخ وابتكار سلاح الأنفاق، وصدّت عدوان الصهاينة الهمجي مرات ومرات، آخرهم عام 2014 وحينها صمدت غزة 33 يوما في حين أن سيناء في عهد عبد الناصر لم تصمد سوى ستة أيام او أقل، فماذا لو قامت مصر فقط بتقديم الدعم باسم الإسلام والعروبة للمقاومة في غزة، اكاد أُجزم أنّهم ربما ينجحون في إنتاج الطائرات المقاتلة، أو يتوسعون في إنتاج الطائرات بدون طيار في أقل تقدير.

عندها قام محاوري هذا بتغيير دفة الحوار للمرة الثالثة برشاقة كراقصة بالية محترفة، وكانت حجته هذه المرة أن حماس جزء من جماعة الإخوان حتى ولو ادعى خالد مشعل فك الارتباط مع الجماعة التي هي أصل الشرور والآثام ومنبع الإرهاب والتطرف وهي التي أفسدت الدنيا والدين، ولولا ظهورها عام 1928 لكنا قد وصلنا إلى القمر وزحل وربما استعدنا الكتب التي أغرقها التتار في نهر دجلة، بالطبع كما يعتقد محاوري.

ولكني اكتشفت من هذا السجال الطويل الممتد، أن العرب في سنوات الهزيمة والتراجع فقط احترفوا فن المزايدة على بعضهم البعض والإتجار في الشعارات، وإلقاء التهم والتبعات، وأن هذا الذي أرهقني جدلا في واقع الأمر غير مستعد للمشاركة في حدودها الدنيا، ولو اقتصرت مشاركته على وقفه سلمية يحمل فيها لافته مكتوب عليها (القدس عربية) لن يفعل، حتى ولو كان مكان الوقفة حجرة نومه.

هؤلاء يجدون بل يخلقون للتخاذل ألف ألف تبرير، ويحاصرون الخيانة الساطعة بآلاف الأسئلة للتشكيك، هم في واقع الأمر سهام تطلق دوما في ظهور الفرسان الشرفاء، من اختاروا طريق النضال، يعرفون كيف يشوهون سيرتهم، ويصرفون ضعاف النفوس عن دربهم، وسلاحهم الأكيد، إما المزايدة أو التنظير، ليبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للسيسي أو نتانياهو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.