شعار قسم مدونات

عن قناة سوريا مع الحب والتمنيات بالتوفيق

مدونات - قناة سوريا

لن أتحدث كثيرا في هذه المقالة عن ايجابيات التلفزيون السوري الجديد الذي رأى النور في العاصمة التركية استنبول، لأنها كثيرة، ولأنها طبيعية لا تستدعي التدخل أو التعليق، باعتبار أنها تحصد ثمارها، بدء من برنامج مؤشر الحدث الإخباري وهو الناجح بامتياز، للمقدم والمعد اللذان حققا انسجاما كبيرا مع هدف البرنامج المباشر وهو التحليل السياسي، الضيوف والأسئلة القصيرة والعميقة والحوار الجريء على طريقة ماذا يريد المشاهد أن يعرف، اللغة الجسدية الجادة للمقدم، كل ما رأيته كان سياسيا وعلى قدر كبير من الأهمية تجاوز وتفوق على بعض ما بتنا نراه على فضائيات عربية مرموقة!

   

وأيضا برنامج لم الشمل بفقراته المنوعة وهو برنامج ضروري وهام للسوريين، وفقراته متنوعة تقدم وجبة خفيفة من التقارير والمتابعات، وهو ليس سهلا كما يخيّل للبعض، بل إنه من أصعب البرامج التي قد تفشل إذا تم إهمال أصغر التفاصيل، خصوصا وأن الجمهور قد يغير موجة القناة بسبب تقديم سيء لفقرة السوشيال ميديا مثلا، فالتسامح ليس أحد طباع هذا الجمهور. وربما نجد في برنامج صالون سياسي إيجابيات كثيرة، عدا الأخذ على المقدم عمر الشيخ إبراهيم أنه لم ينقل لنا تجربة خاضها كضيف شبه دائم في برنامج التاسعة مساء على قناة التاسعة التونسية وهي تجربة كانت لتكون عظيمة لو أنه قرر بذل المزيد من الجهد وعدم الاكتفاء بكلاسيكية الطرح التي سأمها السوريون والذي تملك القناة أصلا ثلاثة برامج أو فترات تشبهه وهي سوريا اليوم ومؤشر الحدث والصالون السياسي.

    
في الحلقات الأولى لبرنامج منعطف حاول مدير القناة ومقدم البرنامج أنس أزرق أن يكسر الروتين القاتل لهذا النوع من البرامج، وقد نجح وأتكلم هنا عن حلقة المصور عمار عبد ربه، بدأت الحلقة بمقدمة تعريفية عن الضيف كانت مبدعة وغير مسبوقة، وتخلل الحلقة الحوارية لقطات مساعدة تنسجم مع روح التلفزيون والحاجة إلى الصورة، لكن رغم كل ذلك كانت الحلقة طويلة ستصعب على ما أعتقد مهمة المعدين ومهمة أزرق في قادم الحلقات.

  

مشكلة البرامج الساخرة في القناة مأساوية
أصبح الإعلام فجأة تعدديا، لكن المفاجأة الكبرى أن مرحلة التعددية هذه التي نتكلم عنها يجمع الباحثون والمفكرون أنها تنازع، وتحل محلها مرحلة التفاعل الواقعي النشط

لا يمكن أن نتابع برنامجا لا هدف له!، وليس واضحا إن كان متعلقا بالكوميديا السوداء، أم بشيء آخر له علاقة بالسرد الخبري، لا بد لدى مشاهدتنا أي شيء على الشاشة أن نميز نحن الجمهور، بين التقديم وبين التمثيل، لا أن نقف حيارى، ونقضي وقتنا بالتساؤل ماذا يريد هذا الشخص أن يقول لنا، أو أن يخبرنا.

 

البرنامج الذي أتحدث عنه موجه إلى فئة معينة من الجمهور هم أولئك الذين يعتقدون أن العالم خانهم، وأن شرعة حقوق الإنسان كذبة يجب شتمها ليل نهار -وهذا ما تريده بعض الحكومات المارقة-، ويعزز الثقة لدى الجمهور، بأنه على حق، لكنه مهزوم ومظلوم، ويستعرض المظاهرات المناصرة للغوطة في أوروبا، ثم يتساءل عن الفائدة، وأن العالم يسمع لكنه متآمر على السوريين، انتهى وصف البرنامج، لكن جمهور هذا البرنامج أصبح أقلية، وهو موجود على الفيسبوك، وليس أمام شاشة القناة، أو في جامعته، أو عمله بدأ يشق طريقا جديدة، ويتحضر لإعمار بلاده، أو يحاول استعادة قوته، أو قرر أن يكون ناجيا قويا لا لاجئا ضعيفا، أو حتى هو موجود على الجبهات يقاوم، وربما نجد بين الزملاء الإعلاميين من يعتقد أن البرنامج المذكور جيد جدا لكن هذا فقط لأنه يخاطب عواطفهم ولا شيء آخر.

 

كان يقال في هندسة الإجماع التي كتب عنها الكثيرون كفرويد وإدوارد بيرنيز ووالتن ليبمان إن الجماهير لا عقل لها، كما تحدث نعوم تشومسكي عن صناعة الإذعان، لكن هذه النظرية أصبحت محل تشكيك فالنتاج لم يعد واحدا، ولم يعد الجمهور المستهدف واحدا، بل أصبح هناك برامج متخصصة، ومن يتابعون الشاشة ليسوا على سوية واحدة من الجهل المدقع إلى الثقافة النخبة، فأصبح الإعلام فجأة تعدديا، لكن المفاجأة الكبرى أن مرحلة التعددية هذه التي نتكلم عنها يجمع الباحثون والمفكرون أنها تنازع، وتحل محلها مرحلة التفاعل الواقعي النشط، التي ستنهي مرحلة سيادة الإعلام الذي يوجه لمتلق ساكن غير فاعل، وستأتي بالجمهور ليشارك بصنع الخبر ويتفاعل معه ويختار حتى كيفية تشكيل رأي عام بنفسه.

 

أما بالنسبة للتقديم فإن أي محاولة تقليد ليسري فودة أو نزيه الأحدب أو غيرهم، أو حتى قطف وردة من كل بستان لهؤلاء، ستبوء بفشل ذريع، لأنه في الأصل التقليد يحول الإنسان لجسد بلا رأس، أو رأس همه الأول والأخير إرضاء نزوات نفسية معينة تقضي بالمقام الأول على المقلد نفسه، تتحول لغة جسده لأبجدية واضحة تتحدث عن إرضاء رغبة معينة بالشهرة، وربما تفصح أو تُفهم على أنها عداوة الشخصية لذاتها التي لا تملك نتاجا إبداعيا.

 

حين يعتقد المقدم أنه هو المادة وليس ما ينتجه، لا محالة سيفشل لأن نجاحه محاصر بين مقصلتي فوبيا الجمهور وفرح الشهرة، ومن هنا بحثت عن عفوية مذيعي الأخبار في القناة فلم أجدها

تحاول القناة تقديم برنامج ساخر، لكنها لم تفلح رغم أن لديها ثلاثة، أحد هذه البرامج يقف خلفه جيش من المعدين ورزمة كبيرة وربما مفتوحة من المال ليتم تقديمه من قبل شخص يعيش حالما في عالم السوشيال ميديا، ويعتقد أنه مهما قدم أو قال أو تحرك سيحصل على إعجابنا، فظهوره يكفي والناس تحبه هو لا ما ينتج. والصحيح أن على النجم -أتحدث عن النجم بكل ما تحمله الكلمة من معنى وشهرة- أن يؤمن أن المحتوى الذي يقدمه هو النجم، وليس شخصه أو ذاته، وهذا المحتوى لا بد وأن يعزز منظومة أخلاقية معينة لدى الجمهور، ولا بد للمقدم والمعد أن يتحلوا بمعايير وقيم تجعل من محتواهم نجما جيدا.

 

يجب أن نتذكر أن النجم باسم يوسف تخرج من كلية الطب عام 1998 وحصل على دكتوراه جراحة القلب والصدر من جامعة القاهرة، درس في مصر وألمانيا وأمريكا وبريطانيا، كل ذلك جعله ممتلئا بالخبرة الحياتية والاجتماعية والثقافية قبل أن يبدع في برنامج "البرنامج". الأهم من ذلك هو أن باسم يوسف اليوم يقدم برنامج يقدم باللغة الإنجليزية بالتعاون مع شركة "فيوجن" و يعرض على القناة الرقمية F-Comedy ويعرض رحلة باسم يوسف إلى الولايات المتحدة بهدف دراسة الديمقراطية ونقل التجربة إلي الشرق الأوسط، لنكتشف أن لدى "يوسف" هدف بعيد تماما عن الشهرة، هو فقط يعمل ويعمل ويعمل من أجله.

 

ماذا عن غرفة الأخبار؟

إن ألف باء الأخبار هو تنوعها، وفي نفس الوقت ترتيبها، وترابطها، فالخبر قصة، وبالتالي النشرة قصة. الثقافة والفكر والخلفية الصحفية، هي أشياء تملكها ستكون دائما تحت المجهر، ودون أن تشعر فإن هناك دائما من يراقبك ويراقب عملك، ويحرضك على المزيد من المعرفة والإلمام، وإلا ستواجه نفسك يوميا، وفي نفس الوقت فإن أخطاءك ستكون واضحة وسيذكرك الجميع بها، لذا فإن العقلية والنظرة الاجتماعية التي نملكها عن الصحافة والصحفي بأنها مهنة رفيعة كالطب والهندسة ليست صحيحة، العمل بالصحافة يحتاج جهدا كبيرا دون توقع مقابل، من هنا فإن الصحافة تكتسب احترام المجتمع كمهنة متاعب. من السهل جدا أن نكتب ما يريده الجمهور، ولكن من الصعب جدا أن نلم شمل فئات متصارعة ومتضاربة المصالح، بل هي مهمة أقرب إلى المستحيل في ظل حالة التقطب الشديد التي نعيشها، وبالتالي لا جرأة لا جمهور، وهذا أمر غاية في الصعوبة والتعقيد والدقة.

 

تبقى الأسئلة المطروحة في أي وسيلة إعلام حقيقية ضرورة حقيقية لا نجاح لأي مؤسسة بدون طرحها وبدون وضع إجابات عليها، من هو صاحب فكرة المؤسسة، ولماذا وجدت بالضبط، وكيف نوفق بين هدف الممول وبين هدف المؤسسة وماذا سأفعل لتستمر المؤسسة، من هو جمهوري وكيف أستطيع التواصل معه بشكل حقيقي، وتغيير رأيه في قضايا مصيرية؟. في غرف الأخبار التي تقدم محتوى جاد، النجومية والكاميرا، ليست ما يبحث عنها الإعلامي الجاد، وحين يعتقد المقدم أنه هو المادة وليس ما ينتجه، لا محالة سيفشل لأن نجاحه محاصر بين مقصلتي فوبيا الجمهور وفرح الشهرة، ومن هنا بحثت عن عفوية مذيعي الأخبار في القناة فلم أجدها. أجزم ولا أجامل أو أحاول أن أداوي، أن غالبية المقدمين في القناة الجديدة يملكون مقومات تسمح لهم بالنجاح، بشرط أن يغيروا ليس أدائهم، بل ما يدور في رؤوسهم.

 

لا أستعجل على القائمين بالقناة فمن الواضح أنهم ما زالوا في مرحلة التقديم وترتيب الأولويات، بل إن هذا المقال تذكير أننا نراقب، وأننا نريد الأفضل دائما، وأننا وجدنا ما يسرنا فتشجعنا ونطقنا، أعود وأذكر أن قناة الإم تي في اللبنانية مبدأيا خير مثال لما أحلم به دائما على المستوى السوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.