شعار قسم مدونات

في حضرة عاشق "عقربا" والقهوة.. وائل أبو هلال

blogs وائل أبو هلال

منذ لقائي الأول به أدركت كم هو عاشق لفلسطين ولكل ما يمت بالصلة لفلسطين وبالأخص قريته "عقربا" والتي كان غالبا ما يقرنها بصفتها المشهورة (والسبع حمايل).. ومنذ عرفته لا تكاد تخلو جلسة معه من ذكر فلسطين والهم الذي كان يحمله في قلبه وعقله اتجاهها.

من "عقربا" خرج صديقي وحبيبي بل أخي الأكبر (أبو إباء) كما تعودنا أن نناديه قبل أن يرزقه الله "يحيى" بعد ستٍّ من العرائس الوقورات الحسان خُلُقا.. خرج منها -مع أهله وأهل زوجته الصابرة العظيمة- عام ٦٧ صغيرا؛ لكن من تسنى له أن يسمع تفاصيل رحلة الخروج الأليمة هذه من فمه يشك أنه خرج منها رجلا ناضجا يتذكر كافة التفاصيل الغريبة والمثيرة، المحزنة المبكية والمضحكة في آن معا، فلا يستغرب أن يكون من نتاج حياته مادة ضخمة تتعلق بالمقاومة الفلسطينية لا أظن أن أيا من مراكز الدراسات تملك تفاصيل مثل تلك التي حوته والتي أتمنى أن ترى النور في يوم من الأيام، وكذلك الكتاب الذي صدر قبيل وفاته عن مسيرة الحركة الإسلامية في فلسطين الـ٤٨ والذي حوى مجموع شهاداتٍ حية لشيخ الأقصى رائد صلاح..

شخصٌ مثله كان يهتم بالتفاصيل وتفاصيل التفاصيل، يصف لك الأشياء بدقة متناهية وذاكرة ثاقبة، يملك من صفات القيادة ما تؤهله لقيادة أية مؤسسة للنجاح والتطور أو على الأقل لوضعها على سلم التغيير نحو الإيجابية والإنتاجية الفعالة، فقد كان -رحمه الله- حازما لكنه حنون، مفوِّضاً لكنه متابع حثيث، يعلّم فريقه كل شيء؛ حتى أنه علمني مرة كيف أصنع القهوة التي يعشقها عشقا قلما أجد واحدا يعشقها مثله، فأصبحنا نتناوب على صنعها لبعضنا البعض!

مثلُك لا يرحل -يا حبيبنا- وإن غاب جسده، مثلُك لا يُنسى ولا يُمحى أثره، مثلك تفخر "عقربا" وكل فلسطين به، وإن ودعناك فإنما نودعك على أمل اللقاء بك في جنات النعيم

في كل محطات حياته -التي عايشتها معه على الأقل- كان -رحمه الله- معطاءً شهماً، مضحيًّا مبادراً، ناصحاً أميناً، ودوداً رحيماً، متواضعاً سمحاً، مستمعاً بحرص، مشجّعاً مستنهضاً لمن حوله، حكيماً ذا بصيرة وبعد نظر، مفكراً خارجا عن المألوف، إذا ما تحدث أضاف بشكل مؤثر. كانت كتاباته وتدويناته -رحمه الله- في "الجزيرة" وغيرها تتسم بالبساطة والعمق وجزالة المعنى وقوة اللغة وجمال المفردات وتناسق العبارات، محبا للشعر خاصة الوطني منه.

 

آه يا "أبا يحي"… أتظنها سهلة علي أن أكتب: "رحمه الله"؟! أتظنه سهلٌ علي أن أودعك وقد قضيتَ بعيدا عن ناظري! عزائي أنني و"عقربا" في الهم سواء، فقد قضيتَ وأنت بعيدا عنها كذلك.. لكنها بانتظارك "أبا يحي".. بانتظارك أن تطل عليها من الجنة -بإذن الله- لتغني لها..

صباح الخير يا بلادي.. يا وردة نورت نيسان 
صباح الخير لجروحك .. يا دمّك زيّن الحيطان 

قد تفتقدك "عقربا"، لكن "يحيى" وأخواته سيرجعون لها، وسيروون لها كل القصص التي سردتها عليهم في حياتك وسترد عليهم: صدق "وائل"..  سيرجعون حتما لفلسطين التي أحببتها وأحبّتك، فنذرت عمرك منذ صباك لها واليوم وفيت النذر "أبا يحيى"؛ فقضيت وأنت في رحلة عمل لأجلها.. سيعودون لـ"عقربا" يقرأون على سهولها "في وداع الثائر الباسم" و " فلسطين أيقونة الأحرار" و"أشرق في ظلام اليأس مصباح"؛ فتطرب لأصواتهم الندية أوراق زيتونها، وكروم العنب فيها؛ كما كنت تطرب أنت عندما تسمع اسمها فأرى الفرح يتطاير من عينيك، وكأنك تُسائلها: متى اللقاء؟!

ولأنني كنت أعلم مقدار فرحك باسمها، فقد كنت أبادر بإرسال أي خبر أو صورة يتعلق بها لك عبر وسائل التواصل التي كانت متاحة بيننا، كان آخرها صورة ذلك الاستشهادي البطل ابن "عقربا" عبد الرحمن بني فضل.. أتذكُرْ؟! مثلُك لا يرحل -يا حبيبنا- وإن غاب جسده، مثلُك لا يُنسى ولا يُمحى أثره، مثلك تفخر "عقربا" وكل فلسطين به، وإن ودعناك فإنما نودعك على أمل اللقاء بك في جنات النعيم على مقعد صدق عند مليك مقتدر..  ختاما أبا يحيى.. أمانة.. تسلملي على فادي البطش!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان