شعار قسم مدونات

كيف استطاع "التوك شو" السوري مواجهة الاستبداد؟

blogs نور خانم
يرجع تاريخ أول عرض توك شو عربي إلى تسعينيات القرن الماضي حيث أراد وزير الإعلام المصري تقديم برنامج شامل منوع على غرار صباح الخير أميركا ومنذ ذلك الوقت بدأ تعطش المشاهد العربي لمثل هذا النوع من البرامج يثير اهتمام المنتجين والإعلاميين. ومع ازدياد إدمان المواطن العربي على متابعة الميديا بشكل عام وتسارع التطورات السياسية واتصال القضايا العربية الداخلية ببعضها وظهور طفرة الوعي السياسي الشعبي للعرب وجدت عروض التوك شو الساخرة فرصة للنمو والانتشار.

 

ووجد المبدعون الشباب مجالاً أوسع للنشاط لا يتطلب إمكانيات ضخمة أو تكاليف باهظة وخاصة ما كانت مقتصرة منها على العرض في قنوات يوتيوب أو صفحات فيس بوك المجانية وأخذت هذه العروض تتأثر بالتجارب الغربية مع الزمن وتدخل فنوناً جديدة تناسب جمهور الشباب العربي المكبوت والحنق والمتطلع نحو التحرر من القيود المفروضة عليه من قبل الطبقة التقليدية المحافظة في المجتمع فكثرت عروض النقد السياسي الساخر وأصبحت أداة لمواجهة الفساد والاستبداد ووسيلة لمقارعة الطغيان وأعوانه.

وإذا كانت مصر ولبنان سباقتان في هذا المجال إلا أن هذه الصناعة لم تكن حكراً عليهما حيث بدأ العديد من الإعلاميين العرب بالحذو حذوهم وخاصة السوريين الذين بدئوا يستيقظون من صدمة المجازر والتهجير القسري التي تسبب بها النظام وراحوا يبحثون في سبل مناصرة قضيتهم على كل الصعد وبالطبع في السياق السوري فإن من أهمها مواجهة سياسية التضليل الإعلامي الحكومية ومن هنا كانت ولادة عروض النقد السياسي الساخر في السورية. ولكن ما هي أهم سمات وخصائص هذه العروض وأهم ما ميزها عن مثيلاتها العربية:

وحدة الموضوع
يرتبط نجاح أي حلقة على قصر الوقت المخصص لها والذي يبلغ أحيانا دقائق لا أكثر وبمجرد الانتقال من اللقطات الخاطفة أو المقاطع القصيرة إلى الحلقات الطويلة تفقد هذه العروض عنصر التكثيف

حيث تعاني كثير من عروض النقد الساخر العربية من غياب لوحدة الموضوع فتجدها تجعل من الحلقة الواحدة إناءً تصب فيها ما توافق أو اختلف من المواضيع بلا انسجام أو ارتباط وتكون الحلقة عبارة عن إطار عام يحوي بقعاً مختلفة من ألوان المشهد الوطني يفتقد للتوجيه العام ويعجز عن تقديم رسائل واضحة ولكن كانت عروض النقد الساخر السورية متميزة في أغلبها بالمحافظة على وحدة موضوعية على مستوى الحلقة الواحدة أقل تقدير فضلاً عن بعض العروض التي كانت عبارة عن سلسلة طويلة من الحلقات ذات موضوع واحد فكأنها نافذة يراقب فريق العمل من خلالها المستجدات ويعلقون عليها.

النظرة التحليلية

تغلب الطريقة التحليلية والتأولية على هذه العروض بمعنى آخر إن هذه العروض تستنطق النوايا والخبايا وراء الأعمال أو التصريحات أو المواقف لتقدم للجمهور تفسيرات وإجابات حول بعض الأسئلة التاريخية التي واجهت المواطن السوري البسيط على مر السنوات الطويلة السابقة مثل الدور الاستخباراتي للمؤسسة الدينية الرسمية وأسباب النشاط الدرامي في رمضان وغيرها.

الرسالة

لابد أن هذه العروض نشأت في ظل الأحداث الاستثنائية التي تمر بها سورية منذ اندلاع أحداث ثورة 2011 هذه النشأة أثرت بشكل واضح على مضمون العروض وهيكليتها فقد أخذت أغلبها شكلاً يسمح لفريق الإعداد توجيه دعوته السياسية الواضحة في متن أو نهاية كل حلقة لتقريع النظام ومواجهته مما أكسب هذه العروض أهمية القضية مضافة إلى الأهمية الفنية الإعلامية ومن جهة أخرى فإن ذلك وقى العروض شر التجاهل التام من قبل الجمهور فالسوريون وهم السواد الأعظم لجمهور هذه العروض منقطعون منذ سنوات عن أي نشاط أو موضوع أو عمل لا يرتبط بالقضايا الساخنة التي يعيشونها سياسياً أو معيشياً أو اجتماعياً.

التكثيف

يرتبط نجاح أي حلقة من حلقات هذه العروض على قصر الوقت المخصص لها والذي يبلغ في بعض الأحيان دقائق لا أكثر وبمجرد الانتقال من اللقطات الخاطفة أو المقاطع القصيرة إلى الحلقات الطويلة تفقد هذه العروض عنصر التكثيف فيكثر فيها السرد والقص وتقل فيها الطرافة والجدة والمعاني وربما هذا يدل النقص العددي لفرق الإعداد لهذه العروض أو حداثة خبرتهم وأعتقد أننا سنلاحظ استطالة في هذه العروض بشكل تدريجي مع الزمن حيث ستمكن تلك الاستطالة هذه العروض من تغطية الأحداث بشكل أوسع وبصورة أدق.

الاقتصار في الغالب على المواقف السياسية

ورغم أني أجد من الطبيعي جداً أن تركز العروض على المتابعة السياسية كون القضية السورية هي قضية سياسية في أول الأمر وبقية القضايا تعتبر نتائج لها ولكن هذا لا يعني إهمال بقية الجوانب بشكل كامل أو حتى الاقتصار على المواقف السياسية في تقييم الظواهر الاجتماعية والفنية. حيث أن لكل ظاهرة جانب سياسي مسبب لها بلا شك ولكن هناك مساهمات أخرى مثل الممارسات الاجتماعية السيئة وأدوات التأقلم السلبية المجتمعية والفساد وغيرها وأظن أن الإحاطة بكل ظاهرة من كل جوانبها سوف يجذب جمهور إضافي لهذه العروض ويعطيها مصداقية أكبر في قدرتها على التحليل الواسع والعميق.

تنوع طرق العرض

لم تعد هذه العروض مجرد تعليق ساخر على صورة أو مقابلة أو تصريح أو تغريدة بل تطورت الوسائل المستخدمة إلى إدخال بعض المشاهد التمثيلية التي تحاكي الواقع في بعض عروضها وأحياناً استخدام اللباس الدلالي المناسب وأدخل بعضهم الفرق الشعبية إلى قاعة الأداء مباشرة وأظن أن أغلب المقدمين نجحوا في المبالغة بالتفاعل مع الأحداث والنصوص وإظهار ردات فعل أشبه بتمثيلية وهذا عامل مهم في إقناع المشاهد وكسر ملله ولكن بقيت الديكورات بسيطة جامدة لم تستطع مجاراة التطور السريع في بقية جوانب العرض.

المغالاة والمبالغة

كون هذه العروض تعتمد على سوق الأحداث ومن ثم القعود في موقع المتآمر الأكبر يجتهد فريق العمل لإيجاد تفسير لكل التفاصيل وبما أن الإنتاج الفني والدرامي يعتمد على مكونين أولاهما الرسالة السياسية أو الاجتماعية التي تسعى المؤسسة الرسمية إلى تقديمها عبر العمل الدرامي أو النشرة الإخبارية أو التقرير الصحفي أو المقابلة التلفزيونية لكنه هذه الرسالة تبقى جافة مقيتة لا جاذبية فيها لذلك يتم تغليفها بقشرة فنية بحتة يفترض أن تكون ذات محتوى جمالي تساعد على جذب المشاهد إلى المتابعة المستمرة لإنتاجات النظام لتشكل المكون الثاني للإنتاج الفني والدرامي ومن هنا برزت ظاهرة المبالغة النقدية في إيجاد تفسيرات لكل تفصيل مع العلم أن كثيراً من هذه التفاصيل جاء بلا أي معنى أو أي غرض وله دور وحيد هو تبطين الرسائل الأساسية وتحليتها لجعلها مستساغة من قبل الجمهور لذلك كان من الأولى ترك القشور والوقوف فقط على جوهر المواقف والتركيز عليها وبذلك تزداد ثقة المتابع بمنطقية الناقد.

المزامنة والمتابعة

إلى الآن بعض هذه العروض لا تزال غير قادرة على المتابعة الآنية للمجريات فتجد أنها تتحدث عن أحداث مضت وإن كان لا يزال المواطن السوري يعتبر أن فتح الدفاتر القديمة يحقق له نوعاً من أنواع الانتصار على نظام حرمه لمدة تتجاوز الأربعين عاماً من التعليق أو نقاش تلك الأحداث إلا أننا بنفس الوقت في ظل المحدودية الزمنية والعددية لهذه العروض من الأولى الوقوف على المستجدات كونها أكثر تأثيراً على السياق السوري اليوم وأكثر التصاقاً بهموم المواطن السوري ومن جانب آخر فقد نتج عن الرجوع إلى الأحداث السابقة ضيق في مساحة المتابعة والرصد فتكاد تجد المقدم يعلق على حدث واحد أو شخصية واحدة على غير المتوقع من هذه العروض التي يجب أن تعلق على كل الأحداث المتشابهة للشخص الواحد أو كل الأشخاص المتلاقين في موقف واحد. 

ولنا موعد آخر في الجزء الثاني من هذه المدونة لنتحدث حول ميزات أخرى اختصت بها العروض السياسية السورية الساخرة وما هي مآلات التطور المهني والمستقبلي لهذه العروض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البرامج والسلاسل المعنية بهذه الدراسة:
1- درامالالي. 
2- السيناريو. 
3- تجانس.
4- شلونكم.
5- نور خانم.
6- تيلي شو.
7- عروض متفرقة أخرى لا تختص باسم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.