ما يقارب الشهر والنصف على بروز بوادر أزمة الفيسبوك المغربي التي ترمي بشرارات الاحتقان المجتمعي الذي تعيشه مختلف الشرائح وعلى كافة المستويات. فقد أسست خطوة المقاطعة، التي امتدت فروعها خارج هذا الفضاء الافتراضي لتلقي بثقلها على الواقع المعاش. وتفرض على شخصيات لا تتحدث مع المواطن إلا عن طريق المناسبات والميكروفونات الضخمة؛ وكأنها تتحدث عن اختراعات في المفاعل النووي.. لا لشيء سوى أنها تملك الثروة والبضاعة هذين المكونين جعلا من هذه الفئة القليلة -الكثيرة تفتقد أبسط مكونات الحوار الاجتماعي الجاد، ما جعلها تسقط في تصريحات كانت تسعى بها إلى ضرب فئة قليلة من الشعب المغربي وما كان لها اطلاع واسع أن المجتمع ككل معني بتصريحاتها.
إن الأزمة الحقيقية لهؤلاء أنهم غير واعين بما أحدثه الفيسبوك المغربي من تركمات للفشل في هيئة الاحزاب والساهرين على مصلحة المواطن من منتخبين عن طريق تداوله لجرائمهم الواضحة بالصوت والصورة وتغيرهم لمواقفهم تماشيا مع الظرفية التي يعيشونها، مما تراكم للمواطن المغربي أن المواقف ماهي إلا أدوار يتم التناوب عليها. خلال هذه المدة أيضا يختنق الفيسبوك المغربي من خلال وضعية التعليم بالمجتمع المغربي التي أسدلت ستار ظلامها الدامس على مختلف مكونات المدرسة التعليمية المغربية والتي وقع ضحيتها كل من الاستاذ والمتعلم على حد السواء. لقد تم تقزيم دور المعلم بالمجتمع المغربي وجعل من دوره حصرا على التعليم دون التربية من خلال سياسة القوانين المتوالية والتي قلصت من دور المعلم إلى جانب الأسرة في التربية.
واقعة أستاذ خريبكة لم يتم التعاطي معها بالشكل المطلوب وهذا راجع للقرارات الارتجالية منن طرف بعض الجهات التي تسعى إلى البروز ولم تنتظر فقط إلى أن يفرز الفيسبوك عما يخبئه |
إن المتتبع لقضايا التعليم بالمجتمع المغربي يلحظ أن نسبة الشغب ارتفعت بشكل مهول في المدرسة المغربية، جراء سن العديد من القوانين التي تدعمها مؤسسات المجتمع المدني والتي تبنت مند فترة طويلة لمشروع الإصلاح الوطني والذي استهدفت من خلاله المظهر الخارجي وتلميع صورته، هذا المشروع المرتبط بالتأسيس لترسانة قانونية تقلص وتجرم عنف الاستاذ نحو المتعلم وتغض الطرف على العنف المضاد؛ وذلك تماشيا مع رؤية المؤسسة التعليمية في اعتبار مصلحة المتعلم هي المصلحة الفضلى. هذا الطرح أخد من مجتمعات قطعت أشواط طويلة في ابتكار آليات التأطير والمصاحبة، وأبدعت في إيجاد النظريات المساعدة على إدماج الأطفال المنحرفين وبالتالي عملت على مفهوم التربية والتأسيس لمبدأ السلام والاحترام داخل جل الأوساط العمومية بالنسبة لهذه الدول.
إلا أن حالة المغرب اكتفت بتفعيل الجانب القانوني ومحاولته الفاشلة في تسريع وتيرة تخليص المؤسسة المغربية من شبح العنف دون التأني والسعي الجاد منها للعمل على مؤسسة الأسرة، هذه الأخيرة التي غيبت من لائحة مسببات العنف. ولعل واقعة استاذ خريبكة تضع الأصبع على فشل هذه المؤسسة سواء من خلال تورط التلميذة التي حملت أيضا مفهوم العنف وتجرعته بعد ما كان متدولا ومعروفا وحكرا على التلاميذ الذكور لينتقل بهذه الحمولة لصنف الإناث ما يجعل المتتبع للشأن التربوي بالمغرب يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا المعطى الذي تسبب عن طريق اعتبار أن الإناث أقل عنفا وهن الحلقة الأضعف وبالتالي يجب التدخل لزجر الأستاذ لكونه اعتدى على أنثى وليس على الذكر ولو كان الذكر لفتح تحقيق صريح حول ملابسات الحادث إلا أن الموضوع متعلق بتلميذة ما يطرح العديد من الشكوك التي ستكون منصفة لها ولن تضع تلك الجهات التي توجهت لزيارتها في منزلها أدنى شك أنها مظلومة وبالتالي وجب العدو إلى منزلها قبل أن تتحدث الجمعيات والمنظمات الحقوقية.
إن تعاطي المؤسسة المعنية مع هذه الواقعة إضافة شحنة أخرى للفيسبوك المغربي والذي تمثله نسبة عالية من نساء ورجال التعليم؛ هذا التعاطي السلبي والذي محركه الأساس الظهور بزي رونق وجذاب في الساحة الإعلامية وأن المؤسسة تولي العناية الخاصة للمتعلم وأنها تضع يد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بهذه الفئة هو ما أفرز هذا الاحتقان.
نحن هنا من خلال هذه القراءة لا نشرعن العنف وإنما دعوة منا لجمع كافة المعطيات للحكم على أي موضوع وعدم تصدير صورة ناقصة للمجتمع المغربي. فجل المجتمع المغربي يسكن الأن في الفيسبوك وسرعة انتشار المعلومة لا تعدو أقل من سرعة الضغط على لوحة الحروف على الهاتف. إن واقعة أستاذ خريبكة لم يتم التعاطي معها بالشكل المطلوب وهذا راجع للقرارات الارتجالية من طرف بعض الجهات التي تسعى إلى البروز ولم تنتظر فقط إلى أن يفرز الفيسبوك عما يخبئه ويمكن أن يساعد في فهم الوضع وعدم ظلم أي جهة من الجهات سواء الأستاذ أو التلميذة لكن للأسف تم العدو بسرعة الريح لأخذ الصور رفقة أسرة التلميذة والتسطير بسطر غليظ على عنوان: نحن حاضرون.
إن الارتجالية التي تتعاطى بها عدة جهات مسؤولة مع مختلف القضايا المجتمعية هي ما زادت من احتقان الفايسبوك المغربي الذي يهيئ على ما يبدو لاحتقان بالشارع وهو المعطى الوحيد التي تتجاوب معه هذه الجهات ولو كان هناك إلمام بالمتغيرات السريعة التي يعيشها العقل الجمعي المغربي لما كانت مثل هذه الأخطاء الفادحة لكن نعتقد أن هذا المعطى لن يتغير ما لم يعترف المسؤولين ان الفيسبوك لم يعد رقعة افتراضية زرقاء بقدر ما أصبح شارع كبير جدا يحوي الملايين وليس الآلاف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.