شعار قسم مدونات

اللوبي الصهيوني بأمريكا.. من يحكم الآخر؟

مدونات - ترمب ونتنياهو
يعتقد الكثيرون أن أمريكا الباسطة ذراعيها على العالم بقواتها وقواعدها العسكرية وأساطيلها الحربية المنتشرة على طول البحار والمحيطات، أكيد، فهذا هو الواقع والظاهر أيضا، ويعتقدون أيضا أن الكيان الصهيوني هو صناعة أمريكية لخلق التوتر في الشرق الأوسط وردع كل ما من شأنه تهديد إمبراطورية أمريكا حول العالم، فهذا الأمر وارد أيضا، لكن الحقيقة التي لا يمكن أن يجادل فيها شخصان عارفان بخبايا العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن اللوبي الصهيوني المتواجد بأمريكا هو المتحكم في السياسات الأمريكية وخصوصا السياسة الخارجية.

 

قبل الخوض في موضوعنا لابد من الإشارة إلى أكثر شخصين خلقا الجدل في الساحة الأمريكية خلال السنوات العشر الأخيرة، وتحديدا من سنة 2007 بكتاب تحت عنوان اللوبي الصهيوني والسياسة الأمريكية الخارجية، وهما جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية وستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية، هذين الأستاذين اللذين يلخصان العلاقات الأمريكية الصهيونية بقولهما:

 

أهم خطوة سرعت بتنفيذه الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي اللقاء الذي ترأسه نتنياهو والذي تطرق فيه لوثائق مهمة وصور وأشرطة تظهر وتثبت السعي لامتلاك رؤوس نووية

ينبغي أن تحظى المصلحة القومية الأمريكية بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه وعلى امتداد الفترة الزمنية الماضية، ولا سيما منذ حرب يونيو من عام 1967 ظلت علاقة الولايات المتحدة بـ الكيان الصهيوني هي حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، وأدت المزاوجة بين سياسة الدعم المتواصل وغير المحدود من أمريكا للكيان الصهيوني، وبين السعي لنشر الديمقراطية في أرجاء المنطقة، إلى إلهاب مشاعر السخط في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي، وهددت أمن الولايات المتحدة. اللوبي الصهيوني هذا يشمل الكثير من أصحاب الشركات والمصانع العملاقة في أمريكا وذات رؤوس أموال ضخمة، والذي يزيد عن 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، ولعل أشهرهم على الساحة هي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية المعروفة اختصارا بـ آيباك وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، هدفها تحقيق الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني.

 

بخصوص التمويل الذي تقدمه أمريكا للكيان الصهيوني قدر في الحد الأدنى بما يقارب 90 مليار دولار خلال الخمسين سنة الماضية، والموجه أساسا لتقوية الآلة الحربية الصهيونية التي تبيد الفلسطينيين في مرئى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكنا، وبناء المستوطات وتحصينها بأحدث التكنولوجيات الممكنة والمطورة، ولا يكف هذا اللوبي الخطير المتمثل في جماعات الضغط في توجيه السياسات الأمريكية، فداخليا يمول حملات الترشح للكونغرس للعديد من النواب بملايين الدولارات وفي نفس الوقت هم الذين ينفدون أجندة اللوبي من خلال التصويت على قرارات تكون في صالحهم وفي صالح الكيان الصهيوني، ويذكر أن أي دولار ينفقه اللوبي للتأثير على نتائج الاقتراع الأمريكية، يحصل بموجبه الكيان الصهيوني بالمقابل على خمسين دولارا كمعونة لتمويل بناء المستوطنات وتسليحها، إنها صفقة مربحة جدا جدا.

  undefined

 

أما خارجيا فنعطي مثالا لسيطرة اللوبي على السياسات في أمريكا، بخصوص الحرب على العراق فقد كانت تحت ذريعة توفر صدام على أسلحة دمار شامل، والتي أكتشف لاحقا أنها مجرد أكذوبة حاول من خلالها الصهاينة استئصال قوة إقليمية تهدد بقاءها بأيادي أمريكية من خلال تصويت أزيد من 85 في المائة مقابل 15 في المائة فقط لصالح قرار خوض الحرب على العراق، فخرجت أمريكا بخسائر فادحة تجاوزت 300 مليار دولار وآلاف القتلى في صفوف جنودها، وربح الكيان زوال عدو قوي والذي استفاد منه كثيرا وخصوصا في تشييد أنبوبي نفطي ساهم في خفض فاتورة الكهرباء بنسبة 25 في المائة، ولا يتوانا المسؤولون الأمريكيون الموالون للصهيونية في زيارة الاحتلال الصهيوني لتقديم الولاء والطاعة والتصفيق لجرائمهم اليومية وتزكيتها، فلم يحدث يوما أن صوتت أمريكا في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين جرائم الكيان الصهيوني، بل العكس تكون بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار تأديبي ضده.

 

أما بخصوص التمويلات والمعونات التي تحصل عليها الدول الفقيرة وخصوصا الدول العربية بالتحديد، فالكيان الصهيوني من خلال دراعه الأمريكية أي اللوبي يتدخل في تحديد مقاييس المعونات الأمريكية المخصصة لهذه البلدان، وهذه المعونات ليست إلا رشاوي لإسكات الأنظمة العميلة وإبعادها عن القضايا الحساسة، وحشدها عند الحاجة، خصوصا في قضايا مرتبطة بالإرهاب ومحاربة التطرف وتشكيل تحالفات تخدم المصلحة التي يريدها الكيان بالدرجة الأولى.

 

ومن الدلائل أيضا التي تزكي نظرية تحكم اللوبي في مناحي السياسة الأمريكية، نعود لما قبل سنة 2001 بقليل حيث حصلت فوكس نيوز على مستندات سرية من محققين فيدراليين والتي كشف عنها كارل كاميرون تظهر اعتقال 140 جاسوس صهيوني بشأن تحقيق سري تناول التجسس الصهيوني في أمريكا، والغريب أن هذا الحادث لم ينشر في أي جريدة أو وسيلة إعلام إلكترونية، ولم يتطرق إليه أي نائب في الكونغرس أو حتى الرئيس الأمريكي أنذاك، واضح جدا أن اللوبي يسيطر على الإعلام بجميع أنواعه في أمريكا ولديه شبكات متفرعة من المدافعين عن السامية من محامين وأطباء وإعلاميين وأكاديميين ونقابيين وفصائل طلابية في مختلف الجامعات الأمريكية، فقد تطرقنا في البداية لأستاذين بارزين، فهؤلاء تم طردهما من مناصبهم كأساتذة جامعيين وتبرأت منهما الجامعة ومن كل أعمالهما، فتأثير اللوبي يا سادة لا يترك مجالا إلا وتغلغل فيه، وكل من يعادي السامية يجب عليه أن يدفع الثمن بأي وسيلة كانت.

 

تحركات ترامب وإعلانه القدس عاصمة أبدية للكيان ما هو إلا قرار اتخذ في عهد أوباما وفرض على ترامب
تحركات ترامب وإعلانه القدس عاصمة أبدية للكيان ما هو إلا قرار اتخذ في عهد أوباما وفرض على ترامب
 

سيستغرب القارئ لهذا المقال، ويقول إن الكيان الصهيوني لا يحتاج لتمويلات خارجية وهبات أمريكية لتمويل اقتصاده وبناء المستوطنات وتعزيز قدراته الدفاعية، بل هو مكتف ذاتيا في مختلف الجوانب ويعد من القوى الإقليمية حاليا في الشرق الأوسط. وأنا أقول، إن هذا الكيان الصهيوني غير قابل للحياة، نعم غير قابل للحياة دون تمويلات خارجية ودعم ضخمين، ونعود تحديدا لشهر يوليوز من سنة 2004 في افتتاحية بيان موجز لدائرة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي المعنون بـ الكيان الصهيوني المساعدة الخارجية الأمريكية، الاحتلال غير مكتفي ذاتيا على الصعيد الاقتصادي، ويعتمد على المساعدة الخارجية والاستدانة للحفاظ على اقتصاده، كل هذه التمويلات تساعد على تشجيع اليهود على الاستيطان في الأراضي المحتلة، وهذه التمويلات الضخمة المستقطبة من الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم جعلتها تحتل مراكز متقدمة في تصنيف حول المعايير الأعلى للحياة.

 

ولا شك أن تحركات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب المؤيد تماما لسياسة الكيان الصهيوني تظهر مدى تحيزه له، وإعلانه القدس عاصمة أبدية للكيان ما هو إلا قرار اتخذ في عهد أوباما وفرض على ترامب في عامه الأول وكان وراءه ذلك اللوبي الصهيوني المؤثر، ولا يتردد في الدفاع عنه في أي مناسبة أتيحت له بين رؤساء دول العالم، والجذير بالذكر هنا أن فوز ترامب برئاسة أمريكا وما شاب ذلك من خروقات والتدخل الروسي المفترض، وكذا توجيه وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في نتائج التصويت، وأذكر هنا فضيحة موقع فايسبوك الأخيرة، هناك معلومة مهمة وهي أن 60 في المائة من التمويل الذي يحصل عليه الحزب الديموقراطي و 35 في المائة للحزب الجمهوري مصدره اليهود الموالون للكيان الصهيوني، فهذا أمر عادي جدا ومسلمة للمتتبعين للشأن الدولي من علماء السياسة ومختصين في العلاقات الدولية.

 

وأدعم تحليلي هذا بحديث الساعة، أي الانسحاب الأمريكي من الاتفاق أو الصفقة مع إيران، هذا الانسحاب لم يأت من فراغ، ولعل أهم خطوة سرعت بتنفيذه هو اللقاء الذي ترأسه بنيامين نتنياهو والذي تطرق فيه لوثائق مهمة وصور وأشرطة تظهر وتثبت حسب قوله استمرار النشاطات النووية الإيرانية والسعي لامتلاك رؤوس نووية، ولمح نتنياهو إلى ضرورة معاقبة إيران، وهذا يظهر جليا أن هناك توجيها صريحا للإدارة الأمريكية من طرف الكيان بضرورة الإقدام على خطوة بشأن الاتفاق النووي وتسريع تنفيذها، وهذا ما وقع فعليا.

  

ملاحظة: كمبدأ أمشي عليه أكتب الكيان الصهيوني عوضا عن دولة …. لا أعترف بوجودها، فهذا احتلال، ويجب أن يقاوم حتى يستأصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.