شعار قسم مدونات

تصفيق حاد لخطة الرئيس الإصلاحية!

BLOGS خطاب رئاسي
الإعلان عن مؤتمر صحافي هام للرئيس يتصدر نشرات الأخبار، ويتكرر عشرات المرات في الشريط الإخباري في كل القنوات الرسمية والخاصة، وتبارى المحللون السياسيون والاقتصاديون وحتى العسكريون بتوقع فحوى المؤتمر، وما يمكن أن يتضمنه أو يُسفر عنه. وأخذ المؤتمر المزمع أهمية قصوى؛ لحجم المدعوين لحضوره من سياسيين وبرلمانيين وسفراء دول وقادة أحزاب ونقابات ووجهاء وإعلاميين ومندوبي وسائل الإعلام والفضائيات المحلية والعالمية. افتتح المؤتمر الصحافي بحضور كبير، واصطفت عشرات الميكرفونات على المنصة؛ لنقل وقائع المؤتمر مباشرة إلى كل الفضائيات المدعوة. بعد وصلة تصفيق حارة وطويلة؛ ترحيبًا بالرئيس عند دخوله، بدأ حديثه قائلًا: تعلمون أن الإصلاح هو هاجسي منذ تشرفت بتحمل مسؤولية خدمة الشعب، وعاهدت نفسي أن أبذل جهدي في سبيل الإصلاح، ولن أتراجع عنه مهما كان الثمن والتضحيات. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي.


فكرت طويلًا، وجافاني النوم ليال لا حصر لها، وأنا أفكر في سبل التغيير للأفضل، ودرست برامج الإصلاح في بعض الدول التي نجحت في هذا السبيل، وأخيرًا وبفضل الله وحده توصلت إلى خطة غير مسبوقة. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي. تعلمون أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي الأساس، وكلما تواصل الطرفان أكثر، كان هذا أدعى للتقارب والتعاون والتفاهم. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي. الخطة التي ابتكرتها، هي في أن أتواصل مع الشعب بشكل مباشر دون حواجز، وكل في منطقته، فقد عزمت أن أمكث أسبوعًا في كل محافظة، أقصد أسبوعًا في المحافظة الأولى وأسبوعًا في العاصمة، ثم أسبوعًا في المحافظة الثانية وأسبوعًا في العاصمة، وهكذا حتى أنتهي من جميع المحافظات، ومن ثم أعيد الكرة من جديد. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي.

لدينا -كما تعلمون- خمس وعشرون محافظة، ولذا سيكون لكل محافظة زيارة واحدة كل سنة، وأسبوع واحد كاف لتفقد المحافظة، وتتبع أحوال سكانها، وتعرف مشاكلها واحتياجاتها، وسرعة اتخاذ القرارات فيما يتعلق بها من مشاريع وإجراءات. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي. إن هذه الخطة، في التقارب والتواصل بين الحاكم والمحكوم، غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وأظنها ستغير كثيرًا من النظريات والممارسات السياسية، وعلى المنظرين السياسيين إعادة النظر في كتبهم وطروحاتهم، فما ابتكرته سيخلخل كثيرًا من المفاهيم والمصطلحات في الأدب السياسي. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي. 

أيها السادة، لقد آن للغرب المتعجرف أن يتعلم منا كيف تكون خطط الإصلاح الحقيقية، وكيف تُساس الشعوب، وأنا لا أمانع أن تأخذ أي دولة خطتي الإصلاحية، فهذا شرف لي ولبلدي العظيم. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي. أشكر حضوركم الكريم، آملًا منكم الترويج لهذه الخطة العظيمة، وتوضيحها للمواطنين الأحبة، الذين نذرت نفسي لخدمتهم والسهر على راحتهم. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي.

أنهى الرئيس مؤتمره الصحفي قائلًا: الإصلاح يتطلب ثمنًا باهظًا، وجهدًا كبيرًا، ووقتًا طويلًا، فهل تريدون الإصلاح أم لا؟! فاهتزت القاعة بالهتاف للرئيس

سأل صحفي محلي متلهف: متى ستبدأ فخامتك بتنفيذ هذه الخطة العبقرية العظيمة؟ ابتسم الرئيس وقال: يا بني، لا تستعجل، صبرنا طويلًا، ولا بأس أن نصبر قليلًا، التنفيذ يحتاج إلى إعداد وتهيئة وترتيبات ليست سهلة. سأل صحفي غربي: سيادتك تستطيع أن تذلل الصعوبات وتبدأ فورًا، فخير البر عاجله. قلب الرئيس شفته السفلى وقال: لا أملك مصباح علاء الدين، فلا بد أولًا من إعداد مقرات للرئاسة في كل محافظة، وهذه المقرات بحاجة إلى موظفين وحراسة رئاسية دائمة، وسيارات مناسبة وقاعة اجتماعات خاصة مجهزة، وقاعة استقبال للوفود الأجنبية عند الضرورة، ولا بد من إعداد مطار صغير أيضًا.

سأل مندوب فضائية أجنبية: أي أن تنفيذ الخطة لن يرى النور قبل سنوات، وفترتك الرئاسية قد تنتهي قبل أن تبدأ! هز الرئيس رأسه وقال: أرجو أن نختصر الوقت، وسأوجه أوامري لتكثيف الجهود للبدء في بناء المقرات ومرافقها فورًا. أما فترتي الرئاسية فلا تقلق، فأنا على ثقة أنني سأفوز بفترة رئاسية أخرى، فثقتي بشعبي وثقته بي أكبر مما تتوقع. ارتفع هتاف ودوى تصفيق قوي.

سأل مندوب محطة محلية: ولكن سيدي الرئيس، فخامتك، اسمح لي، بعد إذنك، … الرئيس: تكلم يا بني، لا تتردد، هات ما عندك. تجرأ المندوب: سيدي الرئيس، إن بناء خمسة وعشرين مقرًا، يعني كلفة مالية ضخمة لا تتحملها ميزانية الدولة التي تعاني مديونية ثقيلة وعجزًا كبيرًا، وأنت خير من يعلم ما يعانيه الشعب من فقر وبطالة! اكفهر جو المؤتمر، وران سكون مشوب بالقلق والترقب، واشرأبت العيون إلى المندوب ثم إلى الرئيس الذي احمر وجهه، ثم ابتسم ابتسامة صفراء وقال: ما اسمك يا بني؟ تلجلج لسان المندوب وقال: رائد، رائد سليم، منANY، أقصد فضائية ANY.

الرئيس: احفظوا هذا الاسم جيدًا، لأنه سيكون شاهدًا على المستقبل. يا بني أنت تدرك، وجميع من في القاعة يدرك جيدًا أن طريق الإصلاح طويل ومكلف وشاق، وأنا على استعداد لأن أضحي بوقتي وجهدي واتنقل بين المحافظات، ولا أقل من أن يتحمل الشعب مسؤوليته ببناء المقرات، وليصبر، فثمار الصبر حلوة، أليس كذلك يا ابني رائد سليم؟! هز رائد سليم رأسه مرعوبًا. أنهى الرئيس مؤتمره الصحفي قائلًا: الإصلاح يتطلب ثمنًا باهظًا، وجهدًا كبيرًا، ووقتًا طويلًا، فهل تريدون الإصلاح أم لا؟! اهتزت القاعة بالهتاف للرئيس الذي غادر المكان وسط التصفيق المتواصل، وامسكت أيد قوية برائد سليم تقوده إلى غرفة جانبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.