شعار قسم مدونات

رهانات الحياة الخاسرة..

blogs - street life
إن الحياة هي تجربة ثرية جدا، كما تعلم الأمر لا ينتهي بمجرد أنك كبرت أو نضجت، أنه شيء يستمر معك حتى آخر يوم في حياتك القصيرة؛ نعم إنها أقصر من ساعة تقضيها مع أحد الأصدقاء، لكنها متعبة وطويلة، أطول من ساعة تقضيها في قاعة انتظار مبنى الضمان الاجتماعي؛ وهذا ما أريد التحدث عنه تحديدا؛ التناقض والنسبية، أنا وأنت نعلم أن حياتنا مليئة بالتناقضات، الأحداث، الأشخاص، الأيام، وحتى أنت لو دققت في نفسك سترى أنك في اليوم الواحد تناقض نفسك عشرات المرات، هذا يجعلني أتحدث عن التوازن لكنني لست على عجلة من أمري.

 

وعلى أي حال فأنا أريد أن أطيل الحديث في التناقض والنسبية لأنه الشيء الذي يهمنا في الوقت الحالي، فالأشخاص مثلا يريدون النجاح والسعادة ولكنهم لا يبحثون عنها، ماذا؟ انتظر أن يمطر سقف غرفتك نجاح وحب؟ بالطبع أنا وأنت نعرف أن ذلك لن يحدث ولذلك قررت أنا قبل قرابة السنة أن أخرج من غرفتي بحثا عن النجاح، أوتعلم ماذا؟ لقد حققته، لكنك تعلم الآن أن هذه الجملة خاطئة بكل معاييرها.

 

إن كل شيء هو خارج عن إرادتنا، تجعلنا الحياة نفهم الأمور في غير أوانها، تضع الفرص في غير مكانها، تجعلنا نثق بالأشخاص الخطأ

فالنجاح ليس نقطة وصول ولكنه عمل مستمر، وهذا ما أعنيه، المرء يبحث في نجاحه عن الراحة والتقدير والرغد وكل شيء جميل، لكنه لن يستمر إذا لم تعمل لأجله كل يوم، ولكن من أين لك أن تستمد شغف كل يوم وماذا لو ظهرت لك مثبطات في هذه الحياة، ما الشيء الذي سيجعلك في كل يوم تستيقظ وتذهب إلى العمل كأنك ذاهب إلى موعد غرامي، أليس هذا ما يذكرونه في مؤلفات التنمية البشرية؟ 

ماذا لو أنك ذهبت لموعدك ورأيت أحدهم اقتحم الموعد وأفسده؟ ماذا لو تأخرت عن الموعد بسبب أزمة سير؟ ماذا لو تم الاعتذار لك عن الموعد لأجل غير مسمى؟ أنت تعرف جيدا ما أعنيه الآن، أو بشكل آخر ماذا لو أن الحياة ناقضتك بكل شيء؟ الاف الاحتمالات ستواجهها في كل يوم وعشرات التناقضات تلاحقك، إنها لن تتركك تهنئ بأي شيء أنها ستلاحقك، وإلى الأبد.  

تلك التناقضات رغم سوئها ستبقى أفضل بكثير وأكثر هوانا من النسبية، كما تعلم تلك النسبية التي تجعل للأشياء قيمة، للأوقات، للمواقف، للأشخاص، وهذه مشكلة كبيرة قد تجعلك تتورط بمصائب، إنها تماما كالمقامرة، تضع مبلغ من المال وترمي النرد، إنك تعلم ان الحياة هي بالفعل قاعة روليت كبيرة وجميعنا مقامرون ولكن، رغم أن الجميع مقتنع بأن المقامرة هي إحدى ألعاب الحظ، لكنني اعتبرها فن متقن يربح فيها الأذكياء.

 

أن تعرف أي طاولة تختار وعلى ماذا تراهن، أتعلم؟ عليك أن تختار حتى الجمهور الذي سيصفق لك عندما تربح، عليك تحديدا أن تعرف كيف تكون ملك المكان، كيف تكون الإنسان الذي لا يخسر، الإنسان الذي يشتري الحظ بأكمله ويضعه على طاولة النرد، وعليك تحديدا أن تكون مستعد لمفترق طرق، مفترق طرق سيقودك إليه كل تلك الأموال وكل ذلك الجمهور، مفترق طرق حيث ستجد بنهايته أن ذلك النرد يقامر على حياتك، على حياتك بأكملها.

لربما أنك الان غير سعيد بلقب مقامر، لكن يؤسفني أن أخبرك ان الأمر خارج عن سيطرتك، هل تركت كل المغزى الذي أصبو إليه وبدأت تعقد حاجبيك عند مصطلح قاعة روليت ومقامرة؟ وهذا ما أريد أن أخبرك به أصلا، تلك القيمة النسبية التي نعطيها للأشياء، حتى أنها خارجة عن إرادتنا، أنا أعلم أنك الآن تسأل نفسك لم المغزى لم يستحوذ على اهتمامك كما استحوذت على اهتمامك تلك المصطلحات؟ وهذا ما يضايقني تحديدا.

 

إن كل شيء هو خارج عن إرادتنا، تماما كما أرغمتك أن تقرأ المغزى من كلامي في هذه الفقرة رغم أنني كنت أتحدث في صلبه بالفقرة التي سبقتها، وهذا تحديدا ما تفعله بنا هذه الحياة الغريبة، إنها تجعلنا نفهم الأمور في غير أوانها، تضع الفرص في غير مكانها، تجعلنا نثق بالأشخاص الخطأ، والمشكلة أنها تقنعك كل مرة بمراهنة ضخمة، فتراك منحت كل الفرص، كل الوقت، كل المشاعر، وفي النهاية ماذا تجد؟

 

تجد أنك خسرت كل الرهان، تجد قاعة الروليت فارغة تماما من أي صدى، الجميع صفق لك في بداية اللعبة، لكن عندما بدأت تخسر تركوك لتعيش خسارتك وحيدا، في قاعة مليئة بطاولات النرد، في كل خطوة تمشيها نحو باب الخروج تجد طاولة تذكرك بخسارتك، التناقض والنسبية؛ قوانين تحكم حياتنا رغم تعقيدها، لكنني أخبرك بشيء أخير، لا تتوقف عن الرهان، لأنك في يوم من الأيام ستصل إلى رهان، إما ان تربح خلاله الحياة بأكملها، وإما ان تخسرها للأبد، لكن الأمر يستحق المغامرة، أليس كذلك؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.