شعار قسم مدونات

إنها منشورات فيسبوكية وليست إلهية!

blogs لابتوب

حينما اجتمع أنيتو وميليتو ولفيون وهم كبار الشخصيات في أثينا، مقدمين شكوى للحاكم ضد سقراط بتهمة إفساد الشباب ومساعدتهم على الإلحاد سنة 399 قبل الميلاد، كان كل محبين سقراط في المدينة مندهشين من عدم تحمل كبار الشخصيات نقد سقراط وجداله في بعض المواضيع الحساسة، خصوصا بعد المسرحية التي غيرت الموازين في أثينا، كانت للكاتب المسرحي القديم أريستوفان بعنوان السحب، والتي قام سقراط بالمشاركة فيها، حيث أن نصائحه إلى شيخ ستربسياديس الذي غرق في الديون بسبب عائلته قائلا له: عليك يا شيخ أن تعمل كثيرا وتقتنع بالحياة البسيطة وان تقدم عبادتك إلى السحب لأنه مصدر المطر والرعد، لا الإله زيوس كما يعتقد عامة الناس.

 

ممكن هذا الحوار كان بمثابة صدمة عجلت في قيامة أثينا كلها بحكامها وشعبها على الفيلسوف سقراط، ممكن كانت بداية تمرد الكلمة الحقيقية على ديكتاتورية من أجل غرس الحرية، وهذا ما جعل الحاكم يقبل بالقضية المطروحة ويحولها إلى اللجنة العليا التي تتكون من 500 مواطن، ليموت سقراط في نهاية الأمر بسائل شوكران ابقع، أظن أن سقراط كان أول ضحية في سبيل النقد والكلمة الحرة، وأظن أن بداية حكم الناس على المفكر أو الكاتب أو الصحافي أو الفنان بدأت مند محكمة سقراط، اليوم تمر قرون على هذه المحكمة، إلا أنها أصبحت عادة يومية اجتماعية في الكون، وأصبحت عادة إلزامية عنيفة في العالم العربي المسلم، كما أن أصبحت عادة إجبارية جيدة في العالم الغربي، أردت أن أقدم بعض التفاصيل من المحكمة من أجل أن أصل إلى الهدف الحقيقي، وهو أن اللجنة العليا التي حول لها الحاكم قضية سقراط، هي نفسها موجودة في القرن الحديث بتغيير الأشخاص والزمان والمكان، لكن عددها مليار مسلم بدل من 500 مواطن.

 

الدكتور نجيب محفوظ رحمه الله الذي من أجل كتابته تعرض لمحاولة اغتيال بسبب رواية واقعية وليست خيالية قدم بها جانب مأساوي من واقعيات المجتمع المصري، فثم تحليل دمه بتكفيره

اليوم يسجل على الكاتب والصحافي والفنان والممثل والرئيس والوزير أي غلطة إملائية أو زلة فكرية، بل هناك قضايا عديدة في العالم العربي بدأت بمنشور فيسبوكي وانتهت بجريمة إرهابية، وكم من فرد اختفى من عالم الأضواء حينما هاجمته الناس وبدأوا في محاكمته عشوائيا على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الفكر طائشا ومجرما وعنيفا حينما فقد تدفق مياه الحكمة إليه، خصوصا أن كثرة الطوائف الدينية عجلت في انقراض فكرة احترام الأديان، والانحناء أمام الاختلاف الفكري، فأصبح كل مفكر معرض لتهميش والإهمال بسبب عقيدته الدينية، أو توجهه السياسي، أو ميوله الفكري، لم نعد أحرار في عقولنا لأننا سلمنها لنزاع ديني قديم له 15 قرن، ولم يعد الأمن والأمان لفكرنا بسبب تخاذل العرب عن قيمهم الدينية وابتعادهم عن الأعراف والتقاليد المجتمع، لم تعد لنا كلمة محورية بسيطة مناسبة للواقع وبعيدة عن الخيال بسبب تعلق العرب والمسلمون بعلمانية أوربا.

 

إذا تكلم الوزير بمعتقدات خاطئة بعيدة عن الشعب يجد هجوم وسخرية لا مثيل لها، وإذا لبست ممثلة شيء من الحضارة الغربية بسبب أفكارها العلمانية الجديدة هاجمها المتدينون، ودافع عنها العلمانيون ورحب بها الحداثيون، وإذا الصحافي كتب على صفحته الشخصية قناعته الفكرية حول موضوع من المواضيع الساحة السياسية، نزلت عليه الاتهامات مثل ينزل الغيث على أرض جوفاء، من خصوم طرف الموضوع، وممكن تصل إلى المحاكم وتتحول حياته إلى جحيم بسبب قناعة اعتقد أنها حرية شخصية فرديه له، إلا أن أقامت القيامة عليه وعلى عائلته وحياته كلها، أما الكاتب في العالم الإسلامي والذي يحمل في ثقافته الحرية والنقد، هو متهم يوميا بالإلحاد لجراءته على نقد التراث الديني، بل إن السجون العربية مليئة بالكتاب الذي جازفوا بحياتهم وعائلتهم من أجل نشر فكرتهم ولو كانت ضد الجحيم، لهذا الكاتب يعيش محاكمتين محكمة الشعب العشوائية، ومحكمة الدولة، إلا أنه يسجن في سجن واحد مليء بالأحرار، علينا أن نعترف أننا لا نملك طاقة إيجابية كافية من أجل نهش عقولنا، والسيطرة على ذاتنا الدينية العقائدية الطائفية، في سماح لأي كاتب أو صحافي أو أي شخص مهما كان، ليتكلم عن ما نؤمن به ونقدره ونحافظ عليه، ممكن المشكل في الحالة النفسية التي تعودا عليها المسلمون بسبب البيئة والمحيط العائلي أو الطائفي أو العقائدي.

 

الإشكالية التي يجب أن نطرحها، هل لنا القدرة الكافية لرضاء الناس كافة حول ما نكتب ونصمم من حروف، هل يمكن أن نستغني عن أفكارنا من أجل فئة على فئة، أم حان الوقت لفتح صفحة شهداء الكلمة لتضحية بأرواحنا من أجل فكرنا، إن طبيعة البشر أينما يكونوا تجد عملهم الوحيد هو انتظار زلات علمية أو فكرية حتى يبدؤون الهجوم على الناس، رغم أن ما نكتبه ليست منشورات إلهية دينية مقدسة، وإنما هي فيسبوكية ممكن تعدل، ممكن تحذف، ممكن تناقش، وأكيد ستموت بعد 24 ساعة من كتابتها.

ناهض حتر (الجزيرة)
ناهض حتر (الجزيرة)

أصبح نادرا جدا أن تجد بعض من الناس يناقشون الفكرة دون الهجوم على طبيعة الشخص وحياته الخاصة الشخصية، في الآونة الأخيرة كلما اشتعلت الساحة السياسية بحرب جديدة، تظهر فئة من الشعب تحاول جمع بعض أراء المفكرين والصحافيين، بل البعض صار ينادي النخبة المفكرة المثقفة لكي تدلي برأيها في هذه المشاكل السياسية، لكي يحددون موقفها، مثل مقتل الكاتب والمفكر الأردني ناهض حتر، بسبب رسم يعبر عن فكرة خاطئة اتجاه الإسلام لم يستطع من قتله أن يطبق على تعاليم الإسلام من التسامح والأخلاق، فقتله مباشرة بحجة أنه كافر، يعني الأمة بحاجة إلى تفكير وتخطيط وتقليد وابتكار، وليست بحاجة إلى تكفير وقتل وذبح، فقدنا شخص مثقف مثل الكاتب والرسام ناهض، وكانت لنا القدرة الكافية لمناقشته فكريا بأوسع نطاق ممكن. 

أو مثل الدكتور نجيب محفوظ رحمه الله الذي من أجل كتابته تعرض لمحاولة اغتيال بسبب رواية واقعية وليست خيالية قدم بها جانب مأساوي من واقعيات المجتمع المصري، فثم تحليل دمه بتكفيره وقتله والسبب على حسب ما ذكر الإعلام عن القاتل أنه تطاول على الذات الإلهية، وكأن الله سبحانه تعالى فوض البشر بعد خاتم أنبيائه، أو الكاتب سمير قصير الذي عارض النظام بأكمله في سوريا بمقالات جهنمية موثقة ساندت الفقراء والمساكين في سوريا، وأظهرت حقيقة النظام السوري، بسبب قناعته السياسية وموقفه ما يحدث في سوريا قتل بدم بارد جدا وكأنه لم يحدث شيء.

 

كما أن الكاتب العلماني فرج فودة رغم كل اختلاف الكبير بينه وبين رجال الدين، كان على الأزهر أن لا يسقط في فخ التكفير ويحاول حل القضية بطريقة سلمية أخرى، لأن مقتله بطريقة بشاعة على يد تكفيري من الجماعات المسلمة، كان تخالف الأعراف الدينية والعلمية والإنسانية. أيضا العالم الفكري فقد الكاتب حسين مروة اللبناني بسبب شيوعيته، والفكر الحديث من نقده لأدبيات صناعته أسلوب خاص بالكلام عن الفلسفة الإسلامية بإيعاز، فظن أهل الدين أنه خروج عن الإسلام، فقتلوه على فراش المرض في منزله، فكانت نهاية مأساوية مازال العالم يتذكرها، الكلام عن شهداء الفكر لن ينتهي أبدا، في مجتمع يرفض النقد والكلمة الحرة، لأن وعدة مفكرين سجلهم التاريخ على أنهم ضحية أفكارهم، واعتقادهم وحروفهم التي صممت من أجل العالم وما فيه.

  undefined

 

لهدا نحاول أن نبعث رسالة إلى العامة، أن الفيسبوك لم يوضع من أجل بسط العلم وإنما هو لدردشة وترفيه بنسبة 90 بالمائة، وأن الكاتب والمفكر والعالم هو بشر، ممكن يكتب أي شيء يشعر به، وتكون كتابته مرات منحرفة على العقيدة التي يمشي عليها أبناء جدلته، فلماذا تقوم القيامة عليه، ممكن نقاش صغير معه يعود على الخطأ كونه مثقف ويعرف أن الله خلق الصواب والخطأ، والإنسان لا يغدو في دهر كله على صواب طالما هو إنسان، أنا مع من يكون ضد من يفكر بالمساس في القرآن أو الأحاديث بطريقة عشوائية بدون علم، لكن المواجهة يجب أن تكون علمية نقدية فكرية وليست تكفيرية، ويكون شعار السلم الفكري هو نحن نناقش الناس لا نقلتهم أو نكفرهم.
 
الإسلام يتوافق مع الناقش الحضاري للأفكار، هناك عدة نصوص قرآنية كثيرة تدعو إلى الفكر والعقل وتفعيل العلم في كل نواحي الكون، وقد ثم توظيف في القرآن الكريم بدلا من لفظ الحضارة تعابير القلب، والبصيرة، والبصر، والسمع، والفؤاد ونحوها من مفاتيح المعرفة، مثل قول الله تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" وقوله سبحانه وتعالى "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، يعني المناقشة الفكرية من أجل المحاولة من أجل الوصول إلى نقطة هامة جميلة، هي حكمة قرآنية، ولغة إسلامية، وثقافة إنسانية، يجب أن نطلع عليه ونعرفها بل ممكن نحفظها من أجل تجسد قيم العلم على طريقة دينية محكمة، وعلى دائرة واقعية هامة في حياتنا اليومية، لأن كلما ما ينقصنا هو الواعي.