شعار قسم مدونات

شهادات مول!

مدونات - شهادة جامعة تخرج
لا تختلف الجامعات في جوهرها عن المدارس، بل هي مدارس كبيرة فحسب. من دخلها ضمن التخرج والشهادة وإن طال الزمن، ولا خوف على أحد من الفصل بسبب تدني المعدل، بوجود الوساطات والمحسوبيات والتدخلات وغيرها من المكملات الدراسية التي استشرت في الجامعات وحرفتها عن مهمتها الأساسية.
 
يفترض في الجامعات أن تكون محركات تغيير وتطوير، وأن تقود حركة الوعي والإصلاح في مجتمعاتها في كافة المجالات والميادين الثقافية والفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والرياضية والفنية وحتى الاقتصادية والصناعية والتجارية، لأن نخبة العقول فيها تتولى مهمة تدريس وتأهيل قادة المستقبل وصانعيه، ولكن الجامعات اكتفت بأداء مهمة متواضعة لا تختلف عن مهمة المدارس إن لم تفسدها في بعض الأحيان.
 
معظم الجامعات عبارة عن جزر معزولة في مجتمعاتها، لا تقدم أي إسهام حقيقي، وتغيب عن الفعل الثقافي والفكري والعلمي وغيره، إلا بالحد الأدنى الشكلي لغايات إعلامية وتسويقية ودعائية لا أثر فعليًا لها على أرض الواقع. نعم قد يشارك بعض أساتذة الجامعات في نشاطات هنا وهناك، ولكن معظمها عن طريق روابط وهيئات لا علاقة لها بالجامعات، كأن يكون الدكتور عضوًا في اتحاد الكتاب أو أحد الأحزاب أو الجمعيات أو المراكز وغيرها.
 

تعاني الجامعات للأسف مما تعاني منه المدارس، ولكن بصورة مكبرة وصارخة أحيانًا، فالمعلم غير المؤهل، يقابله في الجامعات دكتور لم يُدرِّس من قبل، ولم يخضع لأية دورات تدريبية أو تأهيلية

لا تقاس الجامعات بحجم خريجيها وكم الشهادات التي تمنحها، فهذه تحصيل حاصل، وأقل ما يجب، ولكن تكمن أهمية الجامعات بما تصنعه من وعي حقيقي، ومساهمة فعلية نوعية في تنمية المجتمعات ورفع مستواها في جميع المجالات، وحركة بحث علمي فاعل يستشرف حاجات المجتمعات ويعمل على ردم الفجوات، بل إن الأصل أن تكون الجامعات هي القائدة والرائدة والمبادرة لكل شيء، وأن تكون بيوت خبرة تلجأ إليها الحكومات والمؤسسات من أجل تنفيذ أفكارها ومشاريعها وتوصياتها، وحل مشكلاتها، والاستعانة بنصائحها ومشورتها.

على أرض الواقع، الجامعات تنوء بمشكلاتها وترهلها وضعفها وفشلها، ودلائل ذلك ضعف الخريجين، وقلة بضاعتهم من العلم والفكر والثقافة، والعنف الجامعي، وشراء العلامات، أو الحصول عليها بالوساطات أو التدخلات، وفقر النتاج البحثي وعدم جدواه، ناهيك عن تفشي السرقات العلمية من قبل الطلبة وهيئة التدريس، والأدهى والأمر انتشار المكاتب والمؤسسات التي تتولى إنجاز البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه نيابة عن الطالب مقابل مبلغ معلوم، فما على الطالب إلا أن يناقش فقط، ويقابل ذلك لجان مناقشة لا تلتفت في كثير من الأحيان إلا للهامش ولا تتدخل في المتن، لأنها غير متمكنة في تخصصاتها أو لا علاقة لها بموضوع البحث أو الرسالة.
 
ثم إن حركة البحث الجامعي بالإضافة إلى تواضعها وضعفها، فإنها لا توفر للطلبة بنكًا للعناوين والموضوعات الضرورية لردم الفجوات العلمية والبحثية، بل تترك الحبل على غاربه، ولذا تتكرر موضوعات الرسائل الجامعية، وتضيع الجهود سدى، والأصل أن يكون للجامعات خطة بحثية بالتعاون مع الجامعات الأخرى داخل الوطن وخارجه؛ لدراسة موضوعات تستحق الدراسة والبحث، لغايات معرفية وعلمية وتنموية، وبهذا تتجنب التكرار ودراسة المدروس وبحث المبحوث، بل المقتول بحثًا ودراسة.
 
وما يؤسف له أن المكتبات الجامعية لا يدخلها الطلبة إلا من أجل واجب جامعي أو الثرثرة، أما المختبرات والمشاغل فهي للمقررات فقط، ولا تفتح أبوابها للراغبين في الاستزادة وتطوير مهاراتهم، ولا يوجد في معظم الجامعات أنشطة تعنى بتنمية شخصية الطالب وفكره ومهاراته الحياتية، وتأهيله للمستقبل، بل التركيز الأساسي على حقن المعلومات، وحصد العلامات، وإنهاء المقررات، وكل ذلك ينعكس سلبًا على خريجيها من خواء فكري، وفقر ثقافي، وضعف علمي، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، وخوض غمار العمل والحياة، وهذا يؤدي بالضرورة إلى ضخ المجتمع والسوق بأرقام تضاف إلى القطيع، دون أن يكون لها تأثير فاعل في تنمية المجتمع وتطوره.
 

لعل الشهادة الجامعية هي المنتج الوحيد للجامعات، ولذا لا حرج أن قلنا أن الجامعات هي مول أو بلازا للشهادات
لعل الشهادة الجامعية هي المنتج الوحيد للجامعات، ولذا لا حرج أن قلنا أن الجامعات هي مول أو بلازا للشهادات

إن مستوى الجامعات العربية متواضع جدًا عالميًا، وهذا ما تثبته التصانيف الجامعية المعتمدة، التي تستبعد الجامعات العربية من القوائم الأفضل عالميًا، وبالكاد تتواجد بعض الجامعات العربية في المائة السادسة وما بعدها، وهذا يدل على خلل واضح ومؤلم في أداء الجامعات العربية، وفشلها في تحقيق الأهداف المرجوة لها كجامعات، وخاصة في مجال البحث والمشاريع الريادية، ومدى أثرها ومساهمتها في التغيير.

 
وتعاني الجامعات للأسف مما تعاني منه المدارس، ولكن بصورة مكبرة وصارخة أحيانًا، فالمعلم غير المؤهل، يقابله في الجامعات دكتور لم يُدرِّس من قبل، ولم يخضع لأية دورات تدريبية أو تأهيلية، وضعف الإمكانات يتضخم في الجامعات ويعرقل عملية التدريس أو يشوهها على أقل تقدير، بالإضافة إلى الصلاحيات المعطاة لأستاذ الجامعة في تحديد الكتاب أو المرجع المقرر ومنح العلامات التي تتعرض لسوء الاستغلال في كثير من الحالات، وكذلك ضعف كثير من المقررات الدراسية، وعدم مواكبتها للتطور المتسارع، وعدم موائمة بعض التخصصات لحاجة المجتمع والسوق.
 
لا نقلل بالطبع من جهود الجامعات، وإخلاص الأساتذة، ولكنها جهود ضائعة أو غير مجدية، وإذا كانت المدخلات خاطئة أو ذات جودة متدنية، فإن المخرجات ستكون معيبة ومضروبة بالضرورة، فنحن لا نريد خريجين يلتحقون بسوق العمل لتسيير الأعمال، بل المطلوب أن تخرج الجامعات عقولًا متحركة متحفزة مبدعة ترفع من شأن مجتمعاتها بأفكارها ومشاريعها ومبادراتها وتميزها، وأن تكون لها بصمة واضحة في كل مجال.
 
في المحصلة، الجامعات العربية هي مول كبير للشهادات الجامعية، يدخلها الطالب بما معه من علامات ونقود، يختار البضاعة (التخصص) حسب رغبته أو علاماته أو نقوده أو نفوذه، ويقضي بضع سنين، ثم يستلم شهادته ليتخرج وجلًا خائفًا تائهًا غير واثق من نفسه وقدراته وعلمه. ولعل الشهادة الجامعية هي المنتج الوحيد للجامعات، ولذا لا حرج أن قلنا أن الجامعات هي مول أو بلازا للشهادات، مع التأكيد أن الساحة العربية لا تخلو من جامعات متميزة، تبذل جهدها لتكون مختلفة عن السائد، ووجود أساتذة نوعيين، وخريجين مبدعين، ولكنها حالات فردية، وخروج عن المسار المرسوم، ولا تشكل نهجًا أو تيارًا يُمكن الركون إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.