شعار قسم مدونات

مسلسل "المهلب بن أبي صفرة".. كفى اعتداء على الأموات

مدونات - المهلب بن أبي صفرة
"كفى اعتداء على الأموات".. صرخة عُمان من الأعماق بعد تشويه تاريخ المهلب بن أبي صفرة

منذ وقت طويل ونحن نعلم أن الرجل المغوار الذي يضرب به المثل في الشهامة والشجاعة المهلب بن أبي صفرة عماني مائة بالمائة، حيث آثار هذه العائلة شاهدة على تاريخها العريق الذي لا يمكن أن يمحوَه الزمن مهما علقت به من شبهات من هنا وهناك، وقد عُرف عن عمان منذ قديم الزمان، أنها أنجبت العلماء والفقهاء والمغاوير الأفذاذ الذين يعتز بهم العالم ويشهد الكل لهم بالعلم والفقه والشجاعة والحِلم، ارتفع صيتُهم في السماء فكانوا دررا وجواهر يشعّ نورهم في الآفاق، فمن الإمام جابر بن زيد رضي الله عنه إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العين إلى ابن دريد صاحب الجمهرة إلى غيرهم ممن أضاؤوا عمان والعالم أجمع بعلومهم وشهامتهم وشجاعتهم وتجارتهم، كسبوا احترام العالم بأخلاقهم، وسطّروا تاريخا مجيدا يضاف إلى سلسلة تاريخ الأمجاد والعظماء.

ورغم أن كتب التاريخ على تنوّعها تُجمع على عمانيّة المهلب بن أبي صفرة إلا أننا نجد من يستولي على هذا التاريخ ليكتب تاريخا آخر جديدا يزعم فيه أن القائد الشجاع المهلب بن أبي صفرة ينتسب إليه، محاولا إرساء مغالطات تاريخية مهمة في أذهان الشعوب من خلال مسلسل يبثه في رمضان اسمه المهلب بن أبي صفرة، وقد استشعرت سلطنة عمان هذا الخطر والركوب على الحدث فأقامت ندوة عن هذه الشخصية يوم الأربعاء الموافق 9 مايو 2018م، شاركت فيها مجموعة من الباحثين من داخل السلطنة وخارجها، تعلن فيها أن المهلب بن أبي صفرة عماني، ولا أحد يجرؤ على تغيير التاريخ مهما استخدم من وسائل لتحقيق مآربه وقد صرح بذلك معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية لوكالة الأنباء العمانية " كفى اعتداء على الأموات".

ليس عدلا أن يجازى هذا البلد "عمان" بتشويه في تاريخه الموغل في القدم، وليس من الحكمة أن يقابل بالسيئة رغم أنه لم يصدر منه شيء فيه ضرر، بل بالعكس لا بد أن نحترمه ونعلي شأنه

وليست المرة الأولى التي تُقدم فيها دولة على سرقة التاريخ، فقد حدث ذلك غير مرة غير أن الذي نود أن نقوله أن من تعوّد على سرقة التاريخ تهتز مصداقيته أمام العالم، وتُشوّه سمعته لأنه يقترف جريمة في حق شعب له تاريخ عظيم وله سبق في العلم والمعرفة، وما الذي جعل هؤلاء يقولون إن المهلب بن أبي صفرة إماراتي، وما الذي يضيفه هذا الكلام إلى خزينة الماضي، بل إن الأجيال القادمة التي ستكتشف الحقيقة الدامغة ستلوم بشدة كل من سعى إلى تشويه تاريخ هذه العائلة العريقة، وتطالب المسؤولين بإعادة الاعتبار لمن هم أهل لهذا التاريخ الحقيقي، وبينما يشاهد الجمهور هذا المسلسل بصنع إماراتي في شهر رمضان يدرك الجميع أن هذه الشخصية لن تكون إماراتية لما تحمله من طبع عماني أصيل وشهامة وشجاعة تاريخية غير مسبوقة في التاريخ العالمي، ولمن سيشاهد هذا المسلسل على قناة الإمارات يعلم علم اليقين أن كل حيثياته مغلوطة تحتاج إلى تدقيق علمي، وربما تتعرض القناة إلى مساءلة قانونية قد يرفعها أرباب القانون لتغييرها مسار الحقيقة والتطاول على التاريخ العماني.

إن سلطنة عمان بلد التسامح والشهامة والشموخ والإباء، منذ استقرار مالك بن فهم فيها إلى عبد وجيفر ابني الجلندي إلى قيام الإمامة الأولى ثم الإمامة الثانية إلى قيام دولة البوسعيد وإلى تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد سارت على النهج نفسه ولم تغيّر منهجها في التعامل مع الآخر، حيث لم يثبت التاريخ أن عمان اعتدت على جيرانها أو على أي بلد آخر، بل كانت مثالا رائعا للأخلاق الحميدة ونشر القيم الأصيلة، أخلاقها تسبق أفعالها، وأفعالها تسبق أقوالها، وأقوالها دليل على نقاء سجيتها، لم تفكّر ولن تفكّر في أن تضرّ غيرها، أو أن تشوّه تاريخها أو أن تمس من كرامتها، وقد سار سلطانها اليوم السير الحسن على نهج أسلافه العظماء، فكانت علاقات عمان مع دول العالم علاقات راسخة يسدوها التفاهم والاحترام المتبادل، وقامت برسم حدودها مع دول الجوار على أساس من التفاهم والحب والتآلف، فكانت عمان ولا تزال في هذا العهد الزاهر وجهة مفضلة لكثير من الزائرين والسياح.

فليس عدلا أن يجازى هذا البلد بتشويه في تاريخه الموغل في القدم، وليس من الحكمة أن يقابل بالسيئة رغم أنه لم يصدر منه شيء فيه ضرر، بل بالعكس لا بد أن نحترمه ونعلي شأنه وندعو الآخرين إلى الحذو حذوه، فهو مثال ونموذج رائع وحيّ للصداقة والتسامح والسّلم وهي مفاهيم صادقت عليها سلطنة عمان وصادقتْها منذ قديم الزمن، ولا تزال شواهدها تحكي ريادتها في العلم والأخلاق والشهامة والكرم، وغيرها من الصفات التي لا يمكن أن يخبئها الزمن رغم المحن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.