شعار قسم مدونات

التعايش مع الفقر.. لماذا لا يستغل السودان ثرواته للنهوض؟

blogs الاقتصاد السوداني

الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان جراء سوء السياسات والترهل الوزاري والفساد الذي أعلنت الدولة الحرب عليه حمّل المواطن ما لا يقوى على حمله وزادت كُلفة المعيشة متمثَلة في ضروريات الحياة حتى بلغت أيّما مبلغ مع ندرة في السلع وما زال هذا الشعب الأبِّي جلِداً صابراً رغم المرارة التي يتجرعها وبالرغم من كل هذا يخرج عليه الساسة بين الفينة والأخرى بتصريحات تزيد نكدَه نكداً وأوجاعه ألماً.

 

أما آن للحكومة أن ترد الجميل لهذا الشعب وتقدِّر له هذا التحمل والصبر الجميل؟ أما آن للمواطن أن يستجم قليلاً من الرهق ومكابدة الغلاء وشظف العيش؟ أما آن الأوان أن تعود عائدات الذهب والمعادن الأخرى ولو بشيء قليل يحسه المواطن في يُسر المعيشة؟ أين ذهبت شعارات الإنقاذ في أوج مجدها عندما قالت: "إذا ربطتم حجراً على بطونكم فستجدونا نربط حجرين"..  أوَنسي هؤلاء: "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"؟ وهل نسوا أو نسي الشعب بناء دولة السودان العظمى؟ يا هؤلاء أنزلوا من أبراجكم وتقاسموا مع هذا الشعب الحلو والمر وتذكروا ما قاله الشهيد الزبير محمد صالح: نحن غُبُشْ أولاد غُبُشْ.

لقد تردى الاقتصاد السوداني اليوم وهو في أسوأ مما كان عليه وتراجعت صادرات البلاد مع تزايد الواردات مما فاقم مشكلة حوجة البلاد للنقد الأجنبي وانعكس سلباً على دفع عجلة التنمية في شتى المناحي. في هذا الظرف الحرِج الذي تمر به البلاد كان الأولى بحلفاء السودان أن يساندوه ويقفوا بجانبه في محنته وهذا معهود في الأعراف الدولية ولكن ترشح الأخبار هنا وهناك بأن الرياض وأبو ظبي قد سبقتا شروطاً ليتم الدعم بعد تنفيذها ومحور هذه الشروط يدور حول قطر وتركيا وإيران وعلاقة السودان بهذا الثلاثي الذي يريدون للسودان التخلي عنه ليجد السودان نفسه يواجه محنته وحيداً رغماً عن مشاركته لأشقائه مع كل هذه الجراح التي أنهكت جسده.

الثروة الحيوانية السودانية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في دفع عجلة الاقتصاد بفضل المراعي الطبيعية الشاسعة في ربوع البلاد والأمطار الغزيرة التي أحالت الغفار خُضرةً

والسؤال الذي يلح على كل من تهمه مصلحة السودان هو: كيف المخرج مما نحن فيه؟ بعيداً عن تنظيرات الاقتصاديين التي طبقوها طيلة السنوات الماضية ولم تجدي نفعاً ولا جنينا ثمارها وخيراتها الإجابة بسيطة جداً وهي مرتبطة بالموارد الطبيعية التي يُحظى بها السودان من أمطار وأنهار ومراعي طبيعية وافرة إذاً المخرج في الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية هل يُعقل أن يستورد السودان الفواكه والخُضر من جيرانه ونهر النيل يشقه من أقصاه إلى أقصاه؟ بينما تذهب حصته من المياه إلى مصر؟

 

لقد كانت الزراعة أول ما لفت الإنجليز إبان الاستعمار، فأنشؤا مشروع الجزيرة في عام 1925 لمدّ المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن والذي شكل أيضاً العمود الفقاري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال. ويعتبر مشروع الجزيرة أكبر مشروع مَرْوِي في أفريقيا وأكبر مزرعة في العالم. ومدّ الإنجليز خطوط السكك الحديدية بين كل مدن السودان من أجل هذا المشروع حتى يسهل لهم جلب العمالة ونقل المنتج عبر ميناء بورتسودان.

 

الزراعة اليوم هو ما يحتاجه العالم في ظل ندرة المنتجات الزراعية الطبيعية فقط لو ركّزت الدولة على هذا ووفرت له مدخلاته وشجعت المزارعين على الإنتاج بإسقاط كافة إشكال الضرائب والرسوم على الزراعة مع التسويق داخلياً وعالمياً لمنتجات خالية من المواد الكيميائية. ولا يمكن لاقتصاد أن ينمو من غير اكتفاء ذاتي في أساسيات الحياة ومن ثم التصدير مما يعود على البلاد بالخير الوفير مع وفرة في النقد الأجنبي.

والثروة الحيوانية السودانية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في دفع عجلة الاقتصاد بفضل المراعي الطبيعية الشاسعة في ربوع البلاد والأمطار الغزيرة التي أحالت الغفار خُضرةً، كل هذا كان يمكن أن يجعل السودان الأول عالمياً في تصدير لحوم الإبل والأبقار والضأن وغيرها من المواشي ولكن للأسف حتى في السودان ترتفع أسعار اللحوم الحمراء بحيث لا يستطيع محدودي الدخل الحصول عليها.

 

 الإصلاح والمعالجة لا تتم بتغيير التشكيل الوزاري فقط فقد يمر الوزير على الوزارة من غير بصمة تميزه عن سابقيه ويظل مجرد اسم قد لا يعرفه كثير من المواطنين
 الإصلاح والمعالجة لا تتم بتغيير التشكيل الوزاري فقط فقد يمر الوزير على الوزارة من غير بصمة تميزه عن سابقيه ويظل مجرد اسم قد لا يعرفه كثير من المواطنين
 

فما الذي يجعل السودان هكذا بينما يمكنه أن تكون له الريادة؟ فقط لو عقدنا مقارنة بين السودان وبين الصين التي تحتل صدارة العالم في حجم انتاجها لكل من الحبوب الغذائية والقطن وبذور الشلجم واوراق التبغ واللحوم والبيوض والمنتجات المائية والخضروات ومساحة الأراضي الزراعية فيها تبلغ 1.27 مليون كيلومتر مربع فقط محتلة 7 بالمائة من أجمالي مساحة الأراضي الزراعية في العالم. وتتركز الأراضي الزراعية في مناطق السهول والأحواض شرق الصين. ومن بين المحاصيل الزراعية الرئيسية الأرز والقمح والذرة وفول الصويا والمحاصيل الاقتصادية الرئيسية هي: القطن وحتى الفول السوداني والشلجم وقصب السكر والشمندر.

 

بينما السودان واحد من أكبر ثلاث بلدان في القارة الأفريقية من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوافر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بما يقارب ثلث إجمالي مساحته البالغة 1.886.068 كيلومتر مربع 728.215ميل مربع مما يجعله سلة غذاء بحق. فقد قُدرت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في عام 1998 م بحوالي 16.900.000 هكتار 41.8 مليون فدان منها حوالي 1.9 مليون هكتار 4.7 مليون فدان من الأراضي المروية خاصة على ضفاف نهر النيل والأنهار الأخرى في شمال البلاد. وبالرغم من كل هذا لا تجد للمنتجات الزراعية السودانية صدارة في السوق العالمي مع توفر كل هذه الإمكانات الطبيعية. 

إن الإصلاح والمعالجة لا تتم بتغيير التشكيل الوزاري فقط فقد يمر الوزير على الوزارة من غير بصمة تميزه عن سابقيه ويظل مجرد اسم قد لا يعرفه كثير من المواطنين. ولا تزال الفرصة سانحة أمام النظام الحاكم لإنقاذ البلاد من نكبة الاقتصاد فهذا البلد حباه الله ما لا يوجد في غيره وظل الإنسان السوداني كل يوم يلقن شعوب العالم دروساً في الصدق والأمانة والشهامة والكرم والعزة والإباء وهو يحمل إرث هذا الوطن العظيم متباهياً به في شتى المحافل أفما آن له أن نرد له الجميل؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.