أنا من الذين يعتقدون بأن هناك حربا عالمية ثالثة توشك أن تندلع، بل لعل أحداثها قد بدأت بالفعل دون أن يدري الكثيرون، فالتاريخ يذكر أن أحداث الحرب العالمية الثانية بدأت بسبب نزاع (ألماني – بولندي) حول ممر وميناء دانتزج، ثم قيام هتلر باحتلال النمسا ودمجها مع ألمانيا ثم ابتلاع بولندا وتشيكسلوفاكيا مما اضطر الحليفتين الرئيسيتين في الحرب العالمية الأولى (بريطانيا وفرنسا) إلى إعلان الحرب ضد هتلر، وتطلب الأمر شهورا حتى أعلنت أمريكا والاتحاد السوفيتي واليابان دخول الحرب ضمن قوات الحلفاء والمحور.
والقاعدة الأساسية لقيام حرب عالمية أن يتحول العالم من نظام متوازن ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية يقوم فيه القطب الأعظم بدور شرطي العالم، وبعدها يعود العالم إلى نظام متعدد الأقطاب المتنازعة، عندها يمكن توقع اندلاع الحرب.
السيسي هو الجزء الأضعف في الحلقة لأنه يأسر شعبا تعلم كيف يكسر القيد مرة في الأمس القريب، ومازالت الأنشودة تتردد في الوجدان، وحلم الميدان في القلوب والأذهان |
ولكن نهاية العالم ليست غدا على أية حال، بل لعلها بدت فرصة لاستدعاء فكرة مسلسل تليفزيوني أنتج في ثمانينيات القرن المنصرم من تأليف الكاتب الراحل يسري الجندي، وبطولة الفنان الكبير الراحل أيضا حسن عابدين، والذي استطاع مؤلفه أن يتدرج من الخاص إلى العام بحرفية كبيرة، ليجعل مشكلة حارة "المناديلي" التي انهارت فيها القيم والفلسفة ودروس التاريخ أمام توحش الرأسمالية وسطوتها على حضارات الشعوب القديمة هي مشكلة العالم الذي انهارت فيه كل القيم والمثل والمبادئ، بل أكاد أجزم أن خامة إنسان العصر الحديث قد تغيرت عن أخلاق أسلافه، فنحن في عصر يفتخر فيه المثلي أنه كذلك يا سادة بل يجد من يُزوجه ويظهر ذلك إلى العلن دون حياء.
ومع إدراكي بأن لهذا العالم حكومة خفية توقد نار الحرب وفق أجندة محددة تنفيذا لمخطط بات معلوما حتى لدى العامة، تظل مصر في تقديري مرشحة لإيقاف رحلة صعود تتار العصر الحديث، ولعل هذا هو قدرها، فأحلام التتار تحطمت على عتبات مصر قديما، كما بدأ العد التنازلي لخروج الصليبيين من القدس حين قدم إليها صلاح الدين الأيوبي وعمه أسد الدين شريكوه وخططا لاستعادتها من الحكم العبيدي الخبيث إلى رحم الخلافة العباسية، أقول هذا، ليس من باب التمني ولكن لأن نظام السيسي هو الجزء الأضعف في الحلقة الأخطبوطية التي تلتف بهدوء وثقة حول هذا الكوكب لتسرقه تنفيذا لوعود أساطير قديمة.
فالسيسي ليس كمحمد بن سلمان حيث خزائن الأرض من النفط والدولار، وليس محمد بن زايد حيث التسلل الهادئ كالحيّات، وهو أيضا ليس كبشار حيث القدرة على استدعاء الحلفاء والأنصار، السيسي يجلس فوق فوهة بركان قوامه 100 مليون مصري غاضب، بل وصل الحنق مداه، شعب اغتر عسكره بصبره فبلغ الاستخفاف به إلى مُنتهاه، كما تابعنا في ملهاة الانتخابات الأخيرة وهذا الموسى الذي ظهر ورُشح بليل ليشرعن وجود الفرعون وفق الآليات الغربية الديكورية و المسماة بالديمقراطية والتي انتخبت لعالمنا هذا "الترمب" وتلك "التريزا" وحافظت على بقاء "الميركل"، وربما سيؤرخ مستقبلا بيوم وصول ترمب إلى البيت الأبيض كبداية نهاية سيطرة الغرب الرأسمالي على العالم.
السيسي هو الجزء الأضعف في الحلقة لأنه يأسر شعبا تعلم كيف يكسر القيد مرة في الأمس القريب، ومازالت الأنشودة تتردد في الوجدان، وحلم الميدان في القلوب والأذهان. السيسي هو الجزء الأضعف لأنه لا يأسر شعبا تحكمه العادات القبلية أو العشائرية حيث يمكن إخضاع شبابه لتفاهمات تحدث مع كبراء القوم وشيوخ القبائل، وبالتالي يمكن توقع أن يثور شبابه من جديد وهناك من الأسباب العشرات التي يمكن أن تدفع الناس إلى الشارع ثانية وقد تعلموا الكثير من التجارب السابقة.
فإذا ما استعاد المصريون مصرهم من مغتصبيها ونوابهم ووكلائهم وهي في موقع القلب من جسد المؤامرة، سيتعطل دون شك مسار عجلة الحرب التي تدفع العالم صوب حافة الهاوية، لأن مصر ورغم كل ما مرت به تظل هي الروح الناهضة والعراقة النابضة والمكانة الثابتة، وبهذا تستطيع أن تساعد في ملء الفراغ المقصود في الشقيقة ليبيا، ولها مع الجزائر الشقيقة التاريخ والثورة والشراكة والتضحيات والنجدة والمساعدات، وآفاق إطلاق وتحرير المستقبل المقعد دون مبرر واضح، ولها في السودان الأصل والنسب، وفي فلسطين الجوارح والأفئدة، وفي الشام المدد والعون والود الأصيل، وفي الجزيرة العربية مطلع الشمس ومشكاة النور، وفي تركيا المظلة التي تقي من العواصف والأعاصير.
تخيلوا شكل هذا العالم لو عادت مصر، إن الثورة الكامنة في الشوارع والحارات، في المناطق الشعبية والعشوائيات، بحاجة لمن يطلقها، ونظام السيسي يعلم ذلك جيدا، لذا نجده لا يتأخر ولا يتردد في البطش بأي صوت صادق، أو رمز جاد يحلم بتصحيح المسار، لأن سر بقاءه ومعيار نجاحه يكمن في قدرته على تدجين الأجيال كما فعل مبارك طوال 30 عاما من الرقص البهلواني حول تطلعات الشعب وآماله وأحلامه وثوابته، فتظل مصر هي بلد "الكباري" والقرى السياحية، والمهرجانات الفنية، والنزاعات الكروية، أما ما دون ذلك من تصنيع أو زراعة أو تكنولوجيا، أو اقتصاد حقيقي وليس اقتصاد مضاربات أو قروض، يجب ألا يكون لمصر نصيب منه أو من أي بناء حقيقي يمكن أن يؤسس لمستقبل قيادي يؤلها له التاريخ والجغرافيا والكثافة السكانية.
نهاية العالم ليست غدا، لذا يجب على كل من يجد في نفسه القدرة على تقدم الصفوف أن يعلن عن نفسه ولا حرج في ذلك، حيث فعلها فوق نفس الأرض من قبل نبي الله يوسف حين قال للملك: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، لعل الفارق مجددا ينطلق من مصر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.