شعار قسم مدونات

هل كان الإسلام السياسي سبباً في غياب الديمقراطية؟

blogs الإسلاميون

منطقة الشرق الأوسط تعرف بتبنيها أنظمة سياسية ذات طابع تقليدي، هذه الأنظمة تعطي الحكام وعائلاتهم حق ممارسة القوة السياسية دون غيرهم، حيث يتم استبعاد المواطنين من المشهد السياسي بشكل جزئي أو كلي. اعتقد الكثير من السياسيين والإسلاميين أن الإسلام السياسي والديموقراطية لا يمكن أن يجتمعا معاً، ولكن في حقيقة الأمر هذه الفكرة متبناه من قبل المتشددين والمتطرفين الذين عادة ما يلبسون الإسلام طابع غير حضاري.

وهنا لا بد من أن نفهم الإسلام السياسي والديموقراطية قبل أن نتطرق لأسباب غياب الديموقراطية عن الساحة.

أولاً، كما ذُكر في قاموس أكسفورد للمصطلحات السياسية، أن الديموقراطية هي حكم الشعب. ومن الضروري أن نوضح أن هنالك عدة نماذج للديموقراطية، فالأنظمة الديموقراطية الغربية مختلفة فيما بينها لذا لا نستغرب أن تظهر مفارقات أكثر بين الأنظمة الديموقراطية الغربية والشرقية. على سبيل المثال، النظام الديموقراطي الأمريكي مختلف عن ذاك الموجود في فرنسا. ففي فرنسا يُمنعُ الناس من إظهار أي شعارات لها رمزية دينية أثناء العمل. أما في أمريكا فيقسم الرئيس أثناء تنصيبه على الكتاب المقدّس، وهو ما يراه البعض شكلاً من أشكال الدين في السياسة.

ثانياً، الإسلام السياسي غالبا ما يتم معاملته على أنه ردة فعل اجتماعية، بينما هو محرك سياسي قوي من أجل إدارة الأنظمة بشكل سليم. يركز المفكرين عند دراسة الإسلام السياسي على الأنظمة المسلحة والذي غالبا يؤدي إلى نتيجة مبهمة. وآخرين ينظرون إليه بنظرة إثنوسنترية، أي أنهم يحكمون على الأخر من منظور الثقافة التي ينتمون إليها. وهذا في العلوم الإنسانية كالإنثروبولوجيا يعتبر مغالطة لا يمكن البناء عليها. فالنظرة الإثنوسنترية لا تفسّر العلاقة المعقّدة بين السياسة والدين في الشرق الأوسط، ولذا فهم ينتقدون هذه العلاقة الوثيقة بين الإسلام والسياسة دون محاولة فهمها، فيبنون بذلك حجتهم التي تقول أن الديموقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا فُصِلت عن الدين.! أما فكرة فصل الدين عن السياسة فمن الصعب تحقيقها في مجتمع ارتبط فيه الدين بالسياسة منذ قرون. يجب إدراك أن غياب الديمقراطية لا يعني بالضرورة أن الإسلام السياسي هو السبب في ذلك.

فهنالك عدة أسباب أنتجت الوضع الحالي في المنطقة وهذه الأسباب تعود باعتقادي إلى فترة الاستعمار والاستقلال ونشوء الدول الحديثة في المنطقة.

يجب ألا ننسى حجم المصالح الاقتصادية التي ستخسرها الولايات المتحدة إن استبدلت الأنظمة الاستبدادية بأنظمة ديموقراطية

أولاً، ظهور الحركات القومية في المنطقة يعود إلى بداية الثورة العربية الكبرى. كان هدف الثورة إنهاء الحكم العثماني بقيادة الشريف حسين بدعم من بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا حليفتان له، وانتهى الأمر بإنهاء الخلافة العثمانية. حيث أصبح صعود الحركات القومية أكثر وضوحاً، بسبب تحوّل المنطقة من نظام الخلافة إلى الدول القومية. وهذا التحول شجّع الكثيرين لنشر الأفكار القومية وقد وصل بعضهم إلى التعصب القومي.

ثانياً، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، قاد أتاتورك حركة لإعادة تشكيل الهوية التركية لصنع دولة علمانية للأتراك. الهدف الذي أراده أتاتورك، هو قطع الصلة بتاريخ العثمانيين من أجل خلق هوية جديدة للأتراك وقام بذلك من خلال تغيير الحروف من العربية إلى اللاتينية. حيث يقول الفيلسوف الألماني جوتفريد هيردر أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، فهي تعمل كحلقة وصل بين الثقافات والتاريخ والشعوب. ولذا نستنتج أن عملية قطع الصلة بالتاريخ يؤدي إلى صنع هوية جديدة. سرعان ما أثر نجاح المشروع القومي لأتاتورك بالقادة الأخرين في المنطقة وهو ما أدى إلى ظهور حركات مشابهة كتلك لشاه إيران وحركة البعث في سوريا والعراق.

ثالثاً، ظهور حركات قومية عسكرية. فقد صنعت اتفاقية سايكس بيكو وبلفور نقطة تحوّل للعرب، ما أدى إلى ردة فعل غاضبة من قبل العرب كانت على شكل حركات قومية عسكرية لمقاومة فرنسا وبريطانيا. انطلقت المقاومة العسكرية لأن العرب قد وُعِدوا بالاستقلال ولكنهم لم يحصلوا إلا على التدخلات الخارجية من المستعمرات. لذا فإن حركات المقاومة والخداع الذي تعرضوا له العرب من فرنسا وبريطانيا كان له دور في صقل ثقافة المنطقة. فبعد الخيانة التي أوقعها الغرب بدأ العرب يعتقدون أن الديموقراطية مرتبطة بقوى الاستعمار التي خدعتهم. ولهذا السبب لم يتقبّل العرب فكرة الديموقراطية في ذاك الوقت.

رابعاً، صعود القوميين تأثراً بكمال أتاتورك. القادة القوميين أنذاك كانوا مهتمين ببناء نفوذهم الشخصية التي ارتكزت على استخدام القوة العسكرية. كجمال عبد الناصر الذي دعى العرب نحو الوحدة العربية. لأنه كان يؤمن أن انقسام العرب سيفتح المجال للغرباء للهيمنة عليهم. إذاً إن الشعور بالخطر بسبب ما أحدثته المستعمرات دفعت بالقادة إلى تبني افكار قومية وزيادة قوتهم العسكرية.

خامساً، التدخلات الخارجية. لا نستطيع أن ننكر أن الولايات المتّحدة مستفيدة من الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط. ففي الحقيقة، لا توجد أدلة تثبت أنها تريد أن تدفع بالمنطقة نحو الديموقراطية، ذلك أن بقاء الانظمة الأوتوقراطية الصديقة لأمريكا في السلطة يدعم مصالحها المتنوعة وإزالتها يهدد هذه المصالح.

كما أننا يجب ألا ننسى حجم المصالح الاقتصادية التي ستخسرها الولايات المتحدة إن استبدلت الأنظمة الاستبدادية بأنظمة ديموقراطية. لأمر ذاته ينطبق على روسيا التي تتمسك بحليفتها سوريا وتدعمها بسبب وجود مصالح عسكرية لها في سوريا. يقول جين شارب، الباحث في النظرية السياسية أن الدول الأجنبية تساعد الأنظمة الدكتاتورية للحفاظ على مصالحها وإنها مستعدة لبيع الشعوب المضطهدة بدلاً من مساعدتها من أجل تحقيق أهداف أخرى. ويقول أيضاً أن الدول الأجنبية تتخذ موقفاً ضد الأنظمة الدكتاتورية فقط عندما يصب الأمر في مصلحتها السياسية أو الاقتصادية. وهكذا ندرك أن دعم هذه الأنظمة الاستبدادية يحفظ للقوى الكبرى مصالحها في المنطقة.

أحداث الربيع العربي ووصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة يؤكد لنا أن الإسلاميين لا يُعادون مبدأ الديموقراطية
أحداث الربيع العربي ووصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة يؤكد لنا أن الإسلاميين لا يُعادون مبدأ الديموقراطية
 

سادساً، دور البروباجاندا في تقليص فرص نهوض الديموقراطية. المجتمعات الشرق أوسطية تحكمها إما أنظمة مطلقة أو مستبدة. ولهذا السبب فإن هذه المجتمعات تكبر على التلقين وعلى فكرة أن هؤلاء الذين في السلطة هم حماة الوطن. وهنا لا بد من أن نذكر نظرية ميجدال التي أشارت إليها بسمة مبارك، أن هنالك صراع من أجل الحصول على السيطرة الاجتماعية بين الدولة والمجتمع. والذي يكسب هذا الصراع سيصبح قادراً على تنظيم سلوك الأفراد. وبناءً على هذه النظرية، ندرك أن المجتمعات الشرق أوسطية تمتلك سلطة مركزية قوية ومجتمع ضعيف، ولذا فإن هذه السلطة قادرة على وضع قواعد اللعبة والتحكم بالقوانين والأفكار للترويج للسلطة المركزية. كما أن القوانين لا تضمن للإعلام حق نشر محتوى حر، لذا فالإعلام مؤدلج لخدمة مصالح السلطة. فكل هذه الوسائل الرقابية والتلقينية أنتجت لنا أقوام غير واعية بحقوقها السياسية والاجتماعية، ولا يُستغرب أن يكون هذا عائقاً رئيسياً في فشل خلق مجتمعات ديموقراطية.

ما لا يدركه الكثيرين أثناء دراسة الإسلام السياسي هو أن الإسلام بحد ذاته يدعو إلى شكل من أشكال الديموقراطية. بالطبع، قد لا يكون هذا النموذج كتلك النماذج للديموقراطيات في الغرب، لكن على الأقل هذا الشكل الديموقراطي قادر على الظهور تحت إطار الإسلام السياسي. يؤمن السياسي محمد ناصر، أن الديموقراطية شبيهة بفكرة الشورى. فبالنسبة إليه، إندونيسيا لم تحقق الديموقراطية إلا عن طريق الإسلام السياسي. كذلك الكثير من الأكاديميين يؤمنون أن الإسلام السياسي مبني على أسس ديموقراطية، كمجالس الشورى، الإجماع والبيعة التي تحتوي على درجة من المساءلة للسلطة.

كما أن أحداث الربيع العربي ووصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة يؤكد لنا أن الإسلاميين لا يُعادون مبدأ الديموقراطية. فالمرة الوحيدة التي وصلوا فيها إلى السلطة كانت عن طريق الانتخابات ورغم ذلك تمت إزالتهم من السلطة ليحل محلهم حكم العسكر الدكتاتوري. وهكذا ندرك أن بعض من الاحزاب السياسية ذات الطابع الإسلامي كالإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية في تركيا، حزب النهضة في تونس وحزب الأمة في السودان، جميعهم يؤيدون الأنظمة الديمقراطية والذي يثبت لنا أن الإسلام السياسي قادر على تبني فكرة الديموقراطية وغير رافض لها. لذا فإن هذه الأحداث التاريخية تؤكد لنا أن الإسلام السياسي لم يكن له دور مباشر في صناعة الديكتاتورية في المنطقة وإنما البروباجاندا وصعود الأنظمة القومية العسكرية والتدخلات الخارجية هم الذين خلقوا أنظمة ديكتاتورية وبالتالي أصبح ظهور الديموقراطية في المنطقة احتمالاً ضعيفاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.