ينطبق الوصف القرآني "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ" على فئة إعلاميي سحرة فرعون، في غواية تنشطر في شتى الميادين إلى حد أنهم في كل واد يهيمون، فتراهم يقدسون النظام بعدة صور على مدار الساعة، فارغين من مقومات العمل الإعلامي فلا حرفية ولا فصاحة ولا إبداع بل عبر التسلق والنفوذ والقفز بمساندة أسوار الدولة العميقة ومؤسساتها، مشكلين ثابتا من ثوابت أركانها والتي تمر في البدء عبر أئمة السلاطين ممن يرون أمريكيا تقود العالم نحو شطآن الآمان، وآخرين يرون حركات التحرر إرهابية، ويأتي المرور الثاني عبر إعلام يمسخ ويزور الحقائق، ويتجلى المرور الثالث عبر قبضة أمنية تضمن استمرار الأحكام العرفية وشيطنة المعارضة في كل صورها، وحصر مفهوم الأمن في دائرة منع حدوث التمرد السياسي، أما بمفاهيمه الأخرى فلا اكتراث به، ومثال ذلك الأمن الأخلاقي في ثنايا الشبكة العنكبوتية، يتم إهماله ولا يوجه بالصورة المطلوبة كما يفترض.
هذا هو ثالوث ارتكازات الدولة العميقة: علماء السلاطين والقبضة الإعلامية والقبضة الأمنية، وما تستوجبه من فرض حالة الطوارئ والاحكام العرفية والمحاججة بالأمن والأمان |
قد تجده في ماضيه المنصرم -من باب الافتراض الجدلي- كاتباً ملتزماً حراً ناطقاً بهموم الأمة، ولكن سرعان ما ينقلب فالتماهي مع السلطة مفسدة أي مفسدة، تعاملا أم اندماجا كلا على حد سواء .في الوقت الذي تبدو فيه السلطة الرابعة مهمشة في عالمنا العربي، فإن العديد من الصحفيين يتعرضون للأخطار من عدة جهات، وفق ما تصرح به المنظمات الدولية في تقاريرها وتوصيفها لمقدار الهم الصحفي والمشاكل المرافقة له، ومن هنا فليس غريباً أن تتعرض قناة مهنية مثل الجزيرة بإعلامييها الكبار لوابل من الإساءات والاعتقالات بل والاغتيالات، وتطول القائمة في هذا السياق من الشهيد طارق أيوب في مطلع هذه الألفية إلى محمود حسين الذي تجاوزت مدة اعتقاله خمسمئة يوم دون محاكمة، في ختام العقد الثاني لانطلاقتها بشعارها: الرأي والرأي الآخر، مرورا بسامي الحاج وتيسير علوني وآخرين تنوعت مصائرهم بين الضغوطات والإهانات والاعتقالات، ومنهم من استشهد في ميادين الواجب لتختلط دماؤه بالأرض العربية في بحثها عن مفردات الحرية والديمقراطية والعيش بكرامة.
إعلام لم يستطع أفهام الناس أن نطق كلمة Hello ليس له علاقة بعمل الهاتف، وكان حريا به إفهام النخبة قبل الجماهير أننا إن قلنا انتهت الدولة العميقة فسيعمل الهاتف وربما بصورة أفضل بغض النظر عن الكلمة، وصدق المثل العربي القديم، إذ يقول : إنك لا تجني من الشوك العنب.
هذا هو ثالوث ارتكازات الدولة العميقة: علماء السلاطين والقبضة الإعلامية والقبضة الأمنية، وما تستوجبه من فرض حالة الطوارئ والاحكام العرفية والمحاججة بالأمن والأمان، وتطويع هذه المفاهيم وتسطيحها في أضيق دائرة يحملها فهم دلالة كلمة أمن، كما لو كانت عملا جنائيا، والقفز عن الدلالات الكبرى للأمن بأشكاله وصوره القومية والسياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والجنائية، لماذا يجد المواطن العربي نفسه مرغماً على تلقي الأخبار من قنوات أخرى غير بلاده كالجزيرة والقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية؟ وختاماً ترى كيف ستكون التغطية الإعلامية للدولة العميقة في حالة عودة القدس الشريف، حتماً أنه بعد مرور ثلاثة أيام على هذه العودة سينشر ما يلي: قامت مجموعات سياحية من الصهاينة بالخروج الجماعي من فلسطين نحو جزر البحر الأبيض المتوسط في نزهات قد تستمر لمدة من الزمن وكل ما يقال عن تحريرها هراء في هراء، ولا تصدقوا كل ما يقال!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.