شعار قسم مدونات

المقاطعة الاقتصادية بالمغرب.. حين أدّب الشعب رأس المال الأجنبي

مدونات - المقاطعة

مقاطعة فئات عريضة من الشعب المغربي لثلاثة علامات تجارية تستولي على السوق في مجالات تخصصها، لم تكن فقط صراع إرادات على المستوى الاقتصادي، بين طرف جشع يراكم الأرباح ولا يهمه غير مصالحه الأنانية، وطرف ثان يراد له الخضوع للطرف الأول، من غير أن يكون له حتى حق الشكوى، من توالي الزيادات في الأسعار، والضربات الموجعة الموجهة لقدرته الشرائية، فيما يشبه ممارسة سادية، فهم يحلبونك لكن لا تشتكي، يسرقونك لكن لا تصرخ، يغشونك ويطففون في الموازيين لكن لا تفضح، يتلاعبون في الأسعار والمكونات لكن ادفع من غير كلام.

وهذا جعل الصراع يتحول إلى صراع قيمي بفعل غباء الرأسماليين المستكبرين وجبنهم واحتقارهم الدائم لمن لهم الفضل في الثروات التي يصنعونها من لا شيء، في ظل نظم اقتصادية ريعية فاسدة. فمنذ اللحظة الأولى ومع بدء المقاطعة لم يترك بعض من النخبة الاقتصادية والسياسية كلمات من معاجم القذارة والاحتقار إلا واستخدمتها لوصف فئات عريضة من المواطنين أمنوا بجدوى خيار المقاطعة دفاعا عن قدرتهم الشرائية.

 

وبما أن كل إناء بما فيه ينضح، فإن هذه المقاطعة قد أبانت عن طينة هؤلاء السياسيين والاقتصادين، ومدى الخصاص المهول والعوز القيمي، والضحالة الأخلاقية التي أصابتهم، وهذا ليس مستغربا فمنطق السوق، سواء سوق السياسة أو السوق الاقتصادية، يولد في الغالب لدى كثير من مرتاديه طبعا سوقيا وأخلاقا سوقية، لكن دون أن يصل الأمر للدرجة وللحضيض الذي نرى فيه نخبتنا السياسية والاقتصادية للأسف.

فعبيد السوق تفسد ذممهم، وقل فيهم من تسمو همته فوق شهواته، فهم لا يصمدون أمام إغراء المال، ولذلك ففي السوق وإزاء المال يتضح القوي الأمين والمحتكر الخائن، قد يسهل من منطق -رمتني بدائها وانسلت- نعت المواطنين بالخونة والقطيع والمداويخ والمجهولين والجيعانين وغيرها من النعوت، وهذا منتظر ممن لا يتورع، لكننا نعرف أن الخيانة أصيلة في من ورثوا إرث المستعمر واستولوا على مقدرات الشعب ويمارسون عليه الابتزاز، والجهالة والجوع وذهنية القطيع أصيلة في سياسيين ما عرفوا يوما مجد السياسة، ولا عرفوا نبلها، ما عاشوا يوما من أجل مبدأ، بل يسترزقون بالمناصب و يتلونون تلون الحرباء في المواقف.

 

المقاطعة ناجحة لأن هذه الشركات ظالمة، ولأن الضرر لحق الجميع، فلاحين ومستهلكين ومستخدمين وكذلك الباعة في مختلف نقط البيع
المقاطعة ناجحة لأن هذه الشركات ظالمة، ولأن الضرر لحق الجميع، فلاحين ومستهلكين ومستخدمين وكذلك الباعة في مختلف نقط البيع
 

وما فارقت "دوخة" حصول ما لم يكن بالحسبان بعضهم، فإذا كان التخرج من مدرسة مهندسي الطرق والقناطر يقود في فرنسا إلى التألق العلمي، والتألق في مجالات التخصص، ففي المغرب يتحول مهندسو الطرق والقناطر ذوي التكوين الفرنسي إلى أدوات للتحكم، بطبيعة الحال في ارتباط ضمن سلسلة المصالح الشخصية، ومصالح العائلة والقبيلة السياسية، وما يرتبط بذلك من قيم الخضوع والتملق و الولاءات الزائفة لذوي النعمة، مما يرسم نموذج علاقات اجتماعية سياسية موغلة في التخلف متجردة من كل قيمة إنسانية أو أخلاقية، علاقات يحضر فيها بشكل أو بآخر المستعمر القديم، فمن قاطعه وسعى للتحرر منه فهو خائن في عرف بقاياه.

ومما يؤسف له أن أحدهم وبكل وقاحة كاد يبكي في جلسة للبرلمان خوفا من رحيل شركة أجنبية، وهذا الاقتصادي نسي أو تناسى أن المادة الخام ملك للفلاحين، وكل ما تقوم به الشركة هو استغلال الفلاحين المغاربة والمواطنين المغاربة وابتزازهم بأثمنة خيالية، والدليل هو حجم الأرباح الخيالية التي تحققها. وبما أن الأخير ينتمي لحزب سياسي ذو مرجعية إسلامية فلا بد من تذكيره بما قاله بعض الأئمة المسلمين في حق التعامل مع غير المسلمين فقد سرد الإمام ابن الحاج الفاسي المالكي المتوفى 737 هـ في المدخل إلى تنمية الأعمال سبعة أسباب تمنع من التعامل معهم:

1- تعاملنا معهم بالاتجار يعينهم على أمرهم.
2- تعاملنا معهم يضيع فرصة التعاون مع إخواننا المسلمين.
3- إنهم يستعملون المسلمين صناعا أجراء و في ذلك ذلة للمسلم وعزة للكافر. فيؤمر المسلم ألا يعمل عندهم".
4- إنهم لا يتحرون من النجاسات. ولا من الحرام. واسأل مستوردي اللحوم غير المذكاة.
5- "إنهم يتدينون بغش المسلمين".
6- إنهم إذا شكروا سلعهم بالحسن والجودة لا يمكن الاطلاع على صدقهم، بل الغالب عكسه. 
7- ما يفعله بعضهم من رسم الصليب على باب الطاحون وفي أركانها. (وكان يقصد أنهم يستغلون تجارتهم لنشر مذاهبهم وأفكارهم وثقافتهم).

وقد أوردنا هذه الأسباب السبعة مستحضرين سياقها التاريخي، ومع ذلك لا من يخلو من إفادة لمن يدعي أنه مفكر اقتصادي يمتح من المرجعية الاسلامية، ويدافع عن تغلل الشركات الأجنبية واستغلالها للثروة الوطنية، وهذا لا مسوغ له اقتصاديا ولا سياسيا ولا حتى شرعيا. وختاما إن المقاطعة ناجحة لأن هذه الشركات ظالمة، ولأن الضرر لحق الجميع، فلاحين ومستهلكين ومستخدمين وكذلك الباعة في مختلف نقط البيع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.