شعار قسم مدونات

الاعتياد.. موت في صورة الرضا!

مدونات - فتاة امرأة

"بكوا في أول الأمر ثم ألفوا وتعودوا أن النسيان يعتاد كل شيء يا له من حقير" كما قالها الكاتب الكبير فيودور دوستويفسكي. لم أكن أعي ما يقصده إلى أن دققت في نفسي وفيمن حولي. كشيءٍ من الاعتياد في كل تفصيلٍ نفعله، ابتداءً بأقل الأمور لأكبرها وأعمقها. نعتاد سعادتنا إلى أن يصبحَ الحزنُ فاجعة لا يحتملها القلب إذ أتت، كأن أحداً قال: أنَّ الحياة يجبُ أن تعاش بشعورٍ واحد فقط، أن نعيشها على نفس الوتيرة! وعلى النقيض تماماً اعتاد أحدهم أنّ يحزنَ كل ليلة إلى أن نسيَ كيف يفرح!

نعتادُ سؤالاً من صديقٍ إلى أن يُصبِح واجباً عليه، يُخطِئ به إن لم يفعله، وننسى أن المُبادَرة بسؤالٍ أو بكلِمة طيبة واجِب على كلينا، وأنّ الاهتمام ليس حكراً لأحد وواجباً على الآخر! اعتدنا تعظيمَ الكبرياء في حبنا، حتى بتنا نحسب خطواتنا أفعالنا وحتى كلماتنا بدقة، وندرسها بالورقةِ والقلم، قبل أن نخطوها تجاه مَن نُحب، وكأن الحُب ساحة معركة ومن يتنازل قليلاً يُعتبر خاسراً، نسينا أنّ الحب في أصلهِ عفوي، أن تكون كما أنتَ مع نفسِك، أن تُذيب جدار الأنانية وتهدِمه بينك وبينَ من تُحب!

بعضنا اعتاد الهروب إلى أنّ أصبَحَ بمفهومهِ هو الخيار الوحيد لكل أمر، فبات يرى كل أموره من نفس الزاوية في كُل مرة. والأخر اعتادَ الضعف فأضاع حقهُ في الكثير من المرات التي كان بها هو صاحِب الحقّ الوحيد وأكمَلَ حياتَهُ بجانب الحائط يداري خيبات خوفهِ وقِلة حيلته. إهمالنا اعتياد ومثابرتنا واجتهادنا كذلك وكلٌ لهُ سيئاته. إن اعتيادك لإهمالكَ طِيلة الوقت ليسَ بالأمرِ الحسن فلا وقتَ لإضاعة الفرص عليكَ بسبب هذا، ودعنا نخرُج عن النصِّ قليلاً فليسَ مِن الحسن أيضاً أنّ تعتاد اجتهادكَ في كل أمر وبعض الاجتهاد خاطیء في أمرٍ لا يشبَهُك فتظلُ تلهثُ في غيرِ طريقِكَ، ظاناً أنّكَ قد قطعتَ الكثير َوَأنتَ ما زِلت في مكانك.

نعتاد الأماكن ونأنس بساكنيها، نعتاد أشخاصاً في حياتنا نموت ألف ميتة إن ابتعدوا عنا أو قلّ اهتمامهم
نعتاد الأماكن ونأنس بساكنيها، نعتاد أشخاصاً في حياتنا نموت ألف ميتة إن ابتعدوا عنا أو قلّ اهتمامهم
 

ما أبشع اعتياد تعليق الأخطاء على شماعة القدر، أنّ نقول هذا نصيبنا، أن نعتاد ألا نسعى ونقول لم يُريد ﷲ لنا ذلك. أحدهم اعتاد النسيان إلى أن أَصبَح إنسان يعيشُ بلا ماضٍ ينسلّ منه بكل سهولة، فلا تصقلهُ خبرات ولا يتعلَمُ من أخطائه وكما نعلم مَن لا يملك ماضٍ فلا حاضرَ له وعلى النقيض تماماً مَن عاش في ماضٍ سعيدٍ، حافل بالإنجازات أم كان سيء، ونسي أنّه شيء ذهبَ ولَن يعود وأن لديه الكثير من العمر ليصنعه.

نعتاد الأماكن ونأنس بساكنيها، نعتاد أشخاصاً في حياتنا نموت ألف ميتة إن ابتعدوا عنا أو قلّ اهتمامهم.. ومن جانبي أنا شخصياً، أخافُ فكرة اعتياد فعل الأمور لأنّ الجميع يفعلها بجيدها وسيئها، كفكرة المشي مع القطيع وخاصة في طريقة التفكير، الجميع فعل هذا أو ذاك فوجب أن أفعلَه.

سعيدٌ من لم يعتد شيء من استطاع في كل مرة ٍأن يلتقط نفسهُ قبل الغوص في هذه الفكرة، مَن كان عابراً دوماً في كُل أمر في هروبه ومكوثه، في تأنيب نفسه على الخطأ أو إعطائها حقّها فيه، عابراً في إهمالهِ واجتهاده، عابراً حتى في كبريائه ومشاعره، لا يعتاد وجود أحد ولا يفسح المجال لأحد أن يعتاد وجوده، لا يترك ضحايا بعده ولا يكُن ضحية لأحد، من لَم ولن يكن ضحية لعادة. وعلى هامش النص وفي صميم الفكرة إن وجب عليك أن تعتاد، كُن عابراً حتى في اعتيادك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.