شعار قسم مدونات

فلنسحب جيشنا من الحرب الخاسرة في اليمن

مدونات - البشير والجيش
من يتابع ما أكتبه يعرف أنني من الداعمين لحرب اليمن منذ 2015م بسبب القلق من النفوذ الإيراني المتزايد في هذا البلد العربي الشقيق وما رأيته من إجرام مليشيات الحوثي الإرهابية في حق ثوار اليمن الشجعان الذين ملأوا الشوارع للمطالبة بالحرية في 2011م وأنجزوا مؤتمرا دستوريا وآخر للمصالحة ينقل بلادهم من النظام القبلي الظلامي إلى الدولة المدنية الحديثة. في الحقيقة أنا كنت مع ضربة عسكرية باطشة بالمليشيا الإيرانية تدفعها للمفاوضات ولكنني لم أكن أحبذ تحول الضربة إلى حرب طويلة الأمد تسبب للشعب اليمني المجاعة والأوبئة، فعدو الأمة العربية والإسلامية ليس الشعب اليمني العزيز وليست طائفة دينية منه أو قبيلة بل عصابة مسلحة اختطفت الشرعية في اليمن وقررت تقديم هذا البلد لإيران بهدف تقويض الأمن الإقليمي والدولي.
 
هذه التدوينة ليست اعتذارا للحوثيين الذين اعتبرهم منظمة إرهابية إجرامية ولكنه اعتذار للشعب اليمني الذي ربما يكون قد تضرر من هذه الحرب بشريا وماديا. اليوم لم تعد الحرب اليمنية معركة من أجل الشرعية أو الحفاظ على الأمن الإقليمي بل تحولت إلى صراع سياسي وحرب بالوكالة وغاب الجيش الوطني اليمني لصالح مليشيات لا تقل إجراما عن الحوثي مثل النخبة الشبوانية والحضرمية ومليشيات أبو العباس وأخيرا قوات نجل شقيق المخلوع المسمى بحراس الجمهورية.
 
فلنسحب قواتنا المسلحة من اليمن ولنترك شعبها يقرر مصيره إما باستمرار الحرب أو بالحوار، ولتكن الخرطوم مكانا للتفاوض بين الحكومة الشرعية اليمنية ومن الحكومة الحوثية من أجل استعادة السلام في اليمن

وتعدد هذه التشكيلات يشير إلى أن التحالف وقع في تخبط ولم يعد من أهدافه يمن قوي ومعافى من الحوثيين بل تمزيق اليمن عبر أمراء حرب مثل الحالة الليبية. وشيئا فشيئا تتحول الحرب في هذا البلد إلى حرب أهلية أو هي في طريقها للتحول إلى حرب أهلية خصوصا أن قطاعات واسعة من الشعب اليمني لا ترغب في تقسيم اليمن على نفس الأسس التي كانت قبل وحدة 1990م التي أنجزها الرئيسان علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض.

 

هذه التدوينة ليست بغرض تحليل أو تقدير موقف للحالة اليمنية بل إن غرضها الرئيسي هو مسألة القوات المسلحة السودانية في اليمن. أرسل الجيش السوداني قوات عسكرية إلى اليمن وجنوب المملكة العربية السعودية لغرض شريف حسب بيانات الجيش وهو حماية الحرمين الشريفين من أي عدوان، وقد تفاعل السودانيون مع هذا البيان تفاعلا إيجابيا في البداية إدراكا منهم بأن الحرمين فعلا كانوا مهددين من قبل إيران منذ الثمانينات عندما قام محتجون إيرانيون بإحداث فوضى في المشاعر المقدسة.

 
أعتقد مع تحولات الحرب اليمنية الأخيرة فإن الحوثيين باتوا أضعف من أن يهددوا الحرمين الشريفين وفقدوا آلاف القتلى كما أن الشرعية التي قيل أننا القوات السودانية تقاتل من أجلها فقدت الأمل تماما بالرجوع إلى المناطق المحررة في اليمن والتي باتت تحكم بأمراء حرب، وبالتالي فإن الحجة التي من أجلها أرسلت القوات المسلحة باتت منتفية تماما ً وأصبح استمرار الحرب خاسرة الأهداف وعديمة الغايات مسألة غير شرعية وغير أخلاقية.

 
لأكون أكثر صراحة ما الداعي ليكون السودانيون (ملكيون أكثر من الملك) السعوديون أنفسهم لا يقاتلون بشكل جدي في داخل الأراضي اليمنية وتكتفي قوات الحرس الوطني السعودي والقوات البرية الملكية بالقتال في الحد الجنوبي السعودي فلماذا يتورط السودان ويرسل قواته إلى داخل الأراضي اليمنية إذا كان صاحب الشأن نفسه لا يقاتل في اليمن وحسب ماذا ذكر ولي العهد السعودي فإنه قادر على حسم الحرب في أسبوع واحد لو أرسل قواته إذا فلتنسحب القوات المسلحة السودانية ولنترك مهمة تحرير اليمن لصناديد القوات البرية الملكية السعودية.
   

جنود سودانيين في اليمن (الجزيرة)
جنود سودانيين في اليمن (الجزيرة)

 
أنا لا أقول لتنسحب القوات السودانية (كما يروج بعض الإعلام العربي) بسبب ارتفاع عدد القتلى بينهم لا سمح الله لأنني أعتقد أن هؤلاء القتلى أحياء عند ربهم يرزقون ولكن أتساءل لماذا تبقى قواتنا المسلحة ما دامت المهمة التي جاءت من أجلها لم تعد نفس مهمة 2015م وهي حماية اليمن من العدوان (الفارسي). لماذا يموت أبناء السودان في اليمن والدولة التي يفترض أننا نخوض الحرب من أجلها لا تحارب معنا في اليمن بل تنظم مباريات المصارعة وبطولات لعب الورق؟ يضاف إلى ذلك لم تقم هذه الدولة بتقدير هذه المشاركة حتى الآن ومساعدة السودان على الخروج من مشاكله الاقتصادية بل تآمرت مع مصر التي تحتل حلايب في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية دون احترام للاتفاقات سابقة مع السودان.

 

ما هو الإغراء الذي يدفعنا للقتال في صفوف حلف آل سعود؟ هل الإغراء أن القتال مع آل سعود سيدخلنا الجنة مثلا!!! ماذا سوف نستفيد من السعودية لو لم نجدها إلى جانبنا في ظروفنا الاقتصادية الصعبة ولتقف موقفا لرأب الصدع بيننا وبين مصر في قضية حلايب. فوق كل هذا فإن السعودية تتهمنا بالخيانة في موضوع سواكن وتطلق علينا ذبابها الإلكتروني متهمة إيانا بالتفريط في الأمن القومي العربي (المزعوم) ونحن نقاتل لهم في اليمن وندخل لهم ميدي (العصية) بعد كسر شوكة الحوثيين الخطر الأكبر على أمن العرب القومي.

 

فلنسحب قواتنا المسلحة من اليمن ولنترك شعبها يقرر مصيره إما باستمرار الحرب أو بالحوار، ولتكن الخرطوم مكانا للتفاوض بين الحكومة الشرعية اليمنية ومن الحكومة الحوثية من أجل استعادة السلام في اليمن فالحرب هناك باتت خاسرة وبدون أهداف وغير أخلاقية وغير شرعية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.