شعار قسم مدونات

وزراء السياحة في الجزائر أكثر من عدد السّواح

مدونات - شاطئ الجزائر

الجزائر.. بلدي أكبر دولة في إفريقيا مساحة، تاريخ عريق وأرض خصبة توالت عليها العديد من الحضارات النوميديون، الفينيقيون فالرومان والوندال ثم البيزنطيون، ليليها الفتح الإسلامي الذي رسم للجزائر مكانة ضمن التواجد الإسلامي بشمال إفريقيا أين تحولت مناطق من الجزائر إلى عواصم لدول صنعت مجدها ولا زالت آثارها المادية والفكرية قائمة وتدرّس بأكبر المعاهد والجامعات في العالم.
 
هذا الإرث التاريخي لم يكتب له أن يكون لولا تنوع أرض الجزائر التي لا يمكن اختزالها في أنها قارة وفقط، بل جنة أراد الخالق لها أن تكون هكذا، فهي عروس المتوسط بامتداد ساحلها من القالة إلى مرسى بن مهيدي أكثر من 1200 كم من الشّواطئ السّاحرة والموانئ التاريخية ذات البعد العالمي ومناطق داخلية جبلية تزخر بالسياحة الحموية والجبلية والدينية وصحراء كبرى هي لوحدها كنز البلاد بواحاتها قصورها جبالها وسكانها البسطاء الذين يعشقون أرضهم.
 
إن هذا الثراء التاريخي والسياحي الذي لم أخض فيه طويلا بل لمّحت له لأترك لكم المجال للبحث عن الجزائر أكثر، لكن في كثير من الأحيان يتبادر إلى ذهن كل من يسمع اسم الجزائر تساؤلات عدّة، لماذا دولة كبيرة بهذا الحجم لم تتحول إلى غاية الآن إلى قبلة سياحية؟
 
سؤال لطالما تكرر على مسامعي وطرحته كذلك في كثير من الأحيان على نفسي وأصبحت هذه الإشكالية مادة دسمة في بلاطوهات وحصص المحطات التلفزيونية ويتصدر عناوين الصحف الوطنية مع كل تغيير وزاري يمس رأس وزارة السياحة التي أصبحت في الفترة الأخيرة أكثر وزارة تمسها التعديلات الوزارية فحقيبة هذه الوزارة لم يكتب لها أن تستقر على الأرض وتعمر لأكثر من 12 شهرا، ففي ظرف سنة واحدة تداول عليها أربع وزراء نوري، عقون فمرموري ثم بن مسعود الذي عيّن مؤخرا.
 
حالة عدم الاستقرار هذه وتداول الأسماء على وزارة السياحة يجرّنا لطرح العديد من التساؤلات حول مخطط عمل الحكومة للرقي بهذا القطاع الذي يبدوا متناقضا في محتواه فيما يتعلق بالتوجه إلى بديل اقتصادي بعيدا عن المحروقات، ففي كل مناسبة لا تفوّت الحكومة إخراج ورقة السياحة كبديل أول للتخلص من التبعية المفرطة للبترول، لكن في واقع الأمر لم تتحرك المياه الراكدة ولم تسجل الجزائر حراكا سياحيا كما تدّعي الحكومة بل لم تتعدى أن تكون خطابات سياسية بحتة.

 undefined

 

الحقيقة أن سياسة النهوض بالسياحة لا تغدو أن تكون ذرّا للرماد في أعين من يودّون رؤية الجزائر قبلة سياحية في ظل غياب استراتيجية حكيمة وديناميكية لتشجيع الاستثمار في هذا المجال وتغيير الذهنيات المتغطرسة في عقليتها المتحجرة التي من المستحيل أن تستميل السائح الأجنبي، واختيار الرجل المناسب لتسيير القطاع فاغلب من تعاقبوا على منصب الوزير لا علاقة لهم بهذا القطاع الحساس وتعيينات في كثير من الأحيان تكون شكلية لملأ هذا المنصب ليس إلا. فعمّار غول كان وزيرا للأشغال العمومية، نوري وزيرا للفلاحة عقون لا علاقة له بالقطاع وانتدب أول مرة كوزير، مرموري كان في الثقافة وبن مسعود استلم الوزارة قادما إليها من ولاية تيسمسيلت التي كان على رأسها واليا.

 

بعض المتابعين لهذا القطاع ذهبوا بعيدا قائلين أن كل من تولّى مهمة الإشراف على وزارة السياحة إما يكون في نهاية مشواره ويهيّئ بالتالي للخروج من الحكومة أو يحال الى منصب آخر بعيدا عن الاستوزار وهذا ما حدث مع كل من تطرقنا إليهم سالفا.
 
إن قطاع السياحة في الجزائر لا يجب أن يولّى إلا لأهل الاختصاص مِنْ مَنْ يحملون مشاريع واستراتيجية قويّة تسمح بجلب السائح الأجنبي الذي أصبح لا يعرف عن الجزائر سوى ثورتها التحريرية ومنتخبها الوطني. الجزائر الآن أصبحت تعيش الاستقرار الأمني الذي غاب عنها سنوات الجمر ولا تحتاج سوى سياسة رشيدة لترويض السياحة بعد أن أصبحت كل المعطيات في صالح الحكومة للرقي بقطاع عند دول مجاورة يعتبر دخلها القومي الأول، فأنا لا أود في هذا الموضع تكرار عبارة "عدد وزراء السياحة في الجزائر أكثر من عدد السّواح".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.