شعار قسم مدونات

ستيفن هوكينج.. من آيات عظمة الله!

مدونات - هوكينغ

يحكي فيلم "الساموراي الأخير The Last Samurai" قصة نهاية محاربي الساموراي اليابانيين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بعد أن ظلوا يدافعون عن وطنهم لنحو ألف عام، لكن لما أرادت اليابان الدخول إلى عصر المدنية وبناء دولتهم الحديثة، رأت الحكومة أنه لا يليق بتلك الدولة أن يكون جيشها من الساموراي المسلحين بالسيوف والرماح والسهام، فشرعوا في بناء جيش حديث مزود بأحدث الأسلحة الغربية، واستعانوا بالقائد الأمريكي السكير ناثان ألجرين (توم كروز) لتدريب جيشهم الوليد، ومواجهة تمرد قائد الساموراي كاتسوموتو، وسارعت حكومة اليابان بالزج بجيشها رغم نقص تدريبه وعتاده في حرب ضد متمردي الساموراي رغم معارضة ألجرين، فهزموا أمام الساموراي وأسر القائد الأمريكي، وخلال أسره توقف عن معاقرة الخمر، وتأثر بثقافة الساموراي وطريقة عيشهم، وتحول للقتال معهم ضد الجيش الياباني الذي قوي واشتد عوده، وعاد للقتال ضد الساموراي، واستطاع بأسلحته الحديثة إبادتهم وقتل كاتسوموتو في مشهد بطولي مهيب.
 
وفي مشهد النهاية، يحمل ألجرين سيف الساموراي كاتسوموتو ويذهب لمقابلة الإمبراطور الياباني الشاب ليسلمه إياه عملا بوصية كاتسوموتو، طالبا منه أن يتذكر أسلافه من الساموراي الذين حملوا هذا السيف، وضحوا بأرواحهم لأجل وطنهم، أخذ الامبراطور الشاب السيف راكعا على ركبتيه، محني الظهر، دامع العينين، كسير الفؤاد، وسأل القائد الأمريكي بصوت متهدج: أخبرني كيف مات؟، رفع ألجرين بصره إلى الإمبراطور، لمعت الدموع في عينيه، مرت لحظات كأنه يستعيد فيها ذكرياته مع الرجل، ورد عليه بصوت خنقته العبرات: سأخبرك كيف عاش!
  

كان الله في كل نفس يتنفسه هوكينغ، وكل حركاته وسكناته، من الذي يسر له كل أسباب التفوق والمعرفة وهو القعيد الأبكم؟!، من الذي سخر له خلقا كثيرا رأوا فيه ما لم يره غيرهم في هذا العاجز المريض؟!

مر على ذهني هذا المشهد بالذات وأنا أراقب تلك الحرب الشعواء التي اندلعت بين مؤمني الفيسبوكك وملحديه حال موت العالم الفيزيائي الإنجليزي الشهير ستيفين هوكينج Stephen Hawking ) 8 يناير 1942 – 14 مارس 2018)، هل هو في الجنة أم في النار؟!، هذا العبقري البائس الذي عاش حياة قاسية بجسد مشلول وأمراض شتى وآلام رهيبة، لم تمنعه من أن يكون أحدى فلتات بني البشر، ولد في أكسفورد بإنجلترا، وهو من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على مستوى العالم، عاني هوكينج من شكل نادر مبكر الظهور وبطيء التقدم من التصلب الجانبي الضموري أو العصبون الحركي، سبب له شلل تدريجي على مدى عقود من الزمن، وهو مرض مميت لا علاج له، هذا المرض جعله مقعداً تماماً وغير قادر على الحركة، مع تطور مرضه، وبسبب إجرائه عملية للقصبة الهوائية، أصبح هوكينج غير قادر على النطق أيضا، ولكنه مع ذلك استطاع أن يجاري بل ويتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء، رغم أن أجسادهم كانت سليمة ويستطيعون أن يكتبوا المعادلات المعقدة ويجروا حساباتهم الطويلة، بينما كان هوكينج وبطريقة لا تصدق يجري كافة هذه الحسابات في ذهنه، ويفخر بأنه حظي بذات اللقب وكرسي الأستاذ الذي حظي به من قبل السير إسحاق نيوتن.
 
اعتبر غزو العراق عام 2003 جريمة حرب، ودعم مقاطعة الأكاديميين لإسرائيل، وناصر نزع الأسلحة النووية، ودعم تطبيق إجراءات لمنع تغير المناخ.

 

هكذا عاش هوكينغ، لكننا لم نر سوى موته، تشفينا في العجوز القعيد: ما أغنى عنه علمه؟؟ ذهب إلى الجحيم في النهاية، أكثر المسلمين جهلا أفضل منه بكثير، يكفي أنه سيدخل الجنة وإن كان زانيا فاجرا فاسقا، لسنا في حاجة إلى علمه، الحمد لله على نعمة الإسلام! هكذا نداري عجزنا وفشلنا وهزيمتنا النفسية، منعنا عن الرجل حتى طلب الرحمة، استبد بنا الغرور فظننا أن الرحمة متوقفة على مجرد طلب صغير منا، أولسنا مانحي الرحمة ومانعيها؟!

 

النبي طلب الرحمة للمنافقين، أولئك الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر بغية تخريب الإسلام من داخله، فكان يستغفر لهم، فلما نزل قوله تعالى "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة 80)، فقال النبي :"لأزيدن على السبعين "، فنزل قوله تعالى "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (المنافقون) فلو أراد الله ألا يستغفر لهم النبي لأمره بذلك، ولو كان الاستغفار غير جائز ما فعله النبي.

  

صورة من فيلم الساموراي الأخير (مواقع التواصل)
صورة من فيلم الساموراي الأخير (مواقع التواصل)

 

وعلى الجانب الآخر، احتفى الملحدون والعدميون والعلمانيون ومدعوا التنوير والحداثة بهوكينغ أيما احتفاء، تندروا على هؤلاء الحمقى المتخلفين المتزمتين الذين يدعون أنه في النار، ويمنعون عنه الرحمة، نسى بعضهم في غمرة ذلك أنهم لا يؤمنون بالجنة أصلا! لطالما استغلوا حالة الرجل للترويج لإلحادهم، لكن الأمر الذي غفلوا عنه، أو تغافلوه، حتى هو نفسه، أن ستيفن كان آية لله!! ففي الحادية والعشرين من عمره شخص مرضه، قال الأطباء أنه لن يعيش أكثر من عامين، لكنه عاش حتى السادسة والسبعين، فمن أبقاه حيا لخمسة وخمسين عاما أخرى؟؟ أهو العلم؟! العلم الذي تنبأ بموته في غضون عامين!! ثم يأتي المسكين ليدعي أن العلم سيجعلنا لا نحتاج لله! حتى إلحاد هوكينج دليل على عظمة الله وقدرته، هذا العقل العبقري لم يستطع إدراك حقيقة في غاية البساطة، وهي وجود الله!
 
كان الله في كل نفس يتنفسه، وكل حركاته وسكناته، من الذي يسر له كل أسباب التفوق والمعرفة وهو القعيد الأبكم؟!، من الذي سخر له خلقا كثيرا رأوا فيه ما لم يره غيرهم في هذا العاجز المريض؟!، ولو وجد في ظروف أخرى ومع أناس آخرين لوضع على كرسي في إحدى زوايا المنزل، وربما استغل في أعمال التسول! كل شيء في ستيفن آية من آيات عظمة الله وقدرته، حياته وموته، مرضه وعجزه، عبقريته وعلمه، حتى إلحاده وكفره.

 

في نهاية الفيلم، قبض الإمبراطور الياباني على السيف، وقف على قدميه، وقال في لهجة قوية: لطالما أردت اليابان قوية حديثة موحدة، فأدخلنا الأسلحة الحديثة، واستوردنا البضائع الغربية، وبنينا السكك الحديدية، لكننا لا ينبغي أن ننسى من نحن، ولا من أين جئنا.

 

إنني -وأنا الإسلامي الهوية والهوى- حريص على المشترك الإنساني الذي يجمعني بهوكينغ، والنفس الواحدة التي خلقنا منها، شاء من شاء وأبى من أبى، يتمزق قلبي على أنه لم يصل إلى معرفة خالقه، وأسأل له الرحمة والمغفرة.

 
استقيموا يرحمكم الله، حتى لا يأتي زمان، لا يبقى منا سوى سيف!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.