لكن ولأنَّها سُنَّةُ الحياة، فلا شيء يدومُ إلى الأبد.. فقبل 230 مليون عام من الآن.. تحديدًا وقت بداية ظهور الديناصورات على الأرض خلال العصر "الترياسي".. كان من الواضح أن هُناك مُنافسًا شرِسًا ظهر أمام البكتيريا لحُكم الأرض.. كائنات ذواتِ أحجامٍ ضخمةٍ مُرعبة، شرسة بقدرٍ كافٍ لتُسيطر على الحُكم بلا أيّ عناء.. ولم يكُن لدى البكتيريا أيُّ فُرصةٍ لاستعادة حُكمها خلال 165 مليون عامٍ حكمت فيهم الديناصورات الأرض.. حتى العصر الطباشيري.. وعلى الرغم من أنَّ البكتيريا لم تتأثَّر سلبيًّا بوجود الديناصورات على الأرض، إلا أنها لم تعُد تُسيطرُ على الأرض كما كانت من قبل..
في عام 1929م.. قام "ألكسندر فلمنج" باكتشافٍ عظيم في عالم المضادات الحيوية.. حيثُ أنه لاحظ أنّ أحد الأواني التي كان يزرعُ عليها البكتيريا قد نما حولها فِطرٌ غريب، لاحظ أنَّ جميع البكتيريا المُحيطة بهذا الفِطر قد ماتت!! |
وقبل 65 مليون عام، وبعد ما يُقارب 165 مليون عامٍ حكمت فيهم الديناصورات الأرض.. وعلى أغلب الروايات.. يضربُ نيزك كبير الحجم كوكب الأرض، أدَّى حُطام هذا النيزك إلى أضرارٍ كبيرة على كلّ أنحاء اليابسة، مما أدَّى بشكلٍ مأساويّ إلى انقراض الديناصورات.. وحيثُ أنَّهُ لم يعُد لتلك الكائنات الضخمة وجود، فإن البكتيريا سريعًا قد استطاعت العودة إلى الحُكمِ مرَّةً أخرى.. مرَّت السنوات وتعاقبت الأحداث.. وتطوَّرت البكتيريا كثيرًا في تلك الفترة.. آملة ألَّا يأتي من يسلُبها حُكمها مرَّةً أخرى.. لكن ولأنَّ الحياةَ لا تكتمل بدون تغيير، كان لا بُدَّ من ظهور حاكمٍ جديدٍ للأرض.. حاكمٌ أكثر حِنكَّةٍ وذكاء، يستطيعُ أن يُقاوم ما يُحاكُ حولهُ من مؤامراتٍ لإنهائِه.. كان لا بد من ظهور الإنسان..
قبل ما يُقاربُ 70 ألف عامٍ من الآن على أغلب الروايات، ودون الدخول في نقاشاتٍ أو آراءٍ حول بداية الخليقة، فإنَّ الإنسان جاء إلى هذه الأرض ليحكُم.. حيثُ وَجَدَت البكتيريا نفسها هذه المرَّة أمام مُنافسٍ آخر على الحُكم.. وعلى الرغم من قلَّةِ أعداد هذا الكائن البشريّ على الأرض وصِغر سِنِّه، إلا أنه استطاع تسخير باقي الكائنات لتعمل تحت إمرتِه، حتى إنّ بعض الأنواع من البكتيريا رضخت لأوامِرِه، وقرَّرت بالمُقابل أن تعيش بجواره وفي خدمته، حتى أنه أطلقَ عليها اسم "البكتيريا النافعة".. ثم أخذَ هذا الكائنُ البشريّ يتحكَّم تدريجيًّا في كلّ شيءٍ على الأرض، إلى أن استطاع أن يعيشَ في جماعاتٍ وقبائل، ومن ثمَّ بعدها استطاع أن يُكوِّنَ نظامًا يحكُمُ ويُسيِّرُ شئونهُ الداخلية.. فما كان من البكتيريا إلا أن أخذت ضربة البداية، حيثُ بدأت بمهاجمة ذلك الكائنُ الذي يُهدِّدُ وجودها، فاستطاعت مُهاجمته عبر تلك الحيوانات الأخرى التي استطاع تسخيرها لخدمته، وبالفعل استطاعت التخلُّص من أعدادٍ كبيرة من البشر عن طريق الأوبئة والأمراض.. لكن لم يكُن لدى البكتيريا علمٌ بما ينوي هذا الكائنُ فعله بها..
في عام 1822م.. يولدُ العالم الفرنسي "لويس باستور"، والذي يُعدّ أول من اكتشف وجود تلك الكائنات الدقيقة، أول من اكتشف البكتيريا.. ليأتي بعدهُ العالم الألماني "روبرت كوخ" في عام 1876م، والذي ساهم في اكتشاف علاقة البكتيريا بتلك الأمراض التي تُصيب الماشية مثل بكتيريا الجمرة الخبيثة والتي كانت تُصيبُ البشر.. ومن هُنا بدأ الإنسان حربَهُ الشرسَة على البكتيريا.. حيثُ أن "كوخ" استطاع ملاحظة أن هناك بعض المواد التي يُمكنُها إيقاف عمل ميكروب الجمرة الخبيثة، ليأتيَ بعدَهُ العالم الألماني "بول إيرليخ" والذي اكتشف أنّ بعض الأصباغ أو المواد الكيماوية من شأنها أن ترتبط بشكل سحري مع تلك الكائنات الدقيقة ومن ثم تقضي عليها دون أيّ ضرر لخلايا جسم الإنسان.. وكان هذا العقار يُدعى "سالفارسان Salvarsan".. وعلى الرغم من كثرة الآثار السلبية الناتجة عن هذا العقار.. إلا أنه أحدثَ ثورة في عالم مكافحة الميكروبات، والذي عُرف لاحقًا باسم المضادات الحيوية..
وفي أواخر عشرينيات القرن العشرين، تحديدًا عام 1929م.. قام العالم الأسكتلاندي "ألكسندر فلمنج" باكتشافٍ عظيم في عالم المضادات الحيوية.. حيثُ أنه لاحظ أنّ أحد الأواني التي كان يزرعُ عليها البكتيريا قد نما حولها فِطرٌ غريب، ولم يكُن الغريبُ نمو الفِطر، بل كان الغريبُ أنه لاحظ أنَّ جميع البكتيريا المُحيطة بهذا الفِطر قد ماتت!! ومن هُنا جاءَ إلينا العقارُ الأشهر في عالم المضادات الحيوية.. "البنسلين Penicillin".. حيثُ حقَّقَ هذا العقار تقدُّمًا كبيرًا خلال الحرب العالميَّة الثانية في القضاء على البكتيريا.. وأعقبه اكتشاف الألماني "غرهارت دوماك" لعقار "البرونتوسيل" (Prontosil) عام 1932م، والذي يُعدّ أوَّل مضادّ حيويّ يُتاح تُجاريًّا..
كانت مُواجهة البكتيريا من أهم أولويَّات الكائن البشريّ، وقدَّموا الجوائز لمن يستطيع إيجاد حلٍّ لتلك المُشكلة، حتى أنَّ مُعظم هؤلاء العُلماء السابق ذكرُهم حصلوا على جائزة نوبل.. والتي تُعدُّ الوسام الأرفع في تاريخ البشريَّة.. كانت حربًا حقيقيَّة.. تَلَتْ تلك الفترة حقبة زمنيَّة تطوَّرَ من خلالها علمُ الطبّ كثيرًا، حتى أنّ العُلماء لم يكتفوا بقتل تلك الكائنات.. بل استطاعوا استخدامها في الصناعة أيضًا.. هلّ كنت تتخيَّل أن يتمّ استخدام البكتيريا في تخليق الهرمونات مثل "الإنسولين"؟ هذا الكائن العدوّ نستخدمه في علاج أمراضنا!! الأمرُ أشبه بانتصارٍ عظيم للبشريَّة في مواجهة تلك الكائنات..
لكن هل تعتقد أنّ الأمر انتهى هكذا؟! هل يستسلم السُكَّان الأصليين للأرض أمام هذا الكائن صغير السنّ؟ ماذا تعني تلك ال70 ألف عامٍ مقابل 4 مليارات منها؟! لكن ما الذي يُمكنُ لها أن تفعلُهُ في المُقابل، هذا الكائنُ البشريّ يعرفُ كلّ حيلها.. عليها الآن أن تجدَ لنفسِها طُرُقًا أخرى.. وكعادة أيّ مُقاومٍ يبحثُ عن ثغراتٍ في جيوش الأعداء، وكما هي العادة أيضًا أن يكون طريقُ الهزيمة هو إساءةُ استخدام الأسلحة.. البكتيريا أيضًا تعرِفُ هذا الأمر.. حيثُ بدَأَت في استغلال سذاجة بعض البشر في التعامل مع المضادات الحيوية.. حيثُ استطاعت أن تخلق لنفسها حيلًا دفاعيَّةً تستطيع من خلالها أن تُقاوم تلك الأسلحة الفتَّاكة التي يستخدمها البشر في مُواجهتها.. وفي عام 2016م.. وبعد ما يزيدُ عن قرنٍ ونصف من اكتشاف المُضادَّات الحيوية.. تظهر أوَّل حالة لإصابة بكتيرية مقاومة لجميع أنواع المضادات الحيويَّة!!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.