شعار قسم مدونات

صراع الأجيال.. هل يحصد الفلاح ما يزرعه؟

مدونات - أب وابنه

"لا تُكرِهوا أولادكم على آثاركم، فإنّهم خُلِقوا لزمان غير زمانكم"

 

لقد تمّ تداول هذه المقولة كثيرا في الآونة الأخيرة، وخاصّة بين الشّباب العربيّ على مواقع التّواصل الاجتماعي، للدّفاع عن أنفسهم. تُنسب تارة لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وتارة أخرى لسقراط أو أفلاطون، لكن المهمّ ليس قائلها وإنّما مدى صحّتها! إنّ هذه المقولة هي أفضل مثال على ما يحصل في مجتمعاتنا العربيّة بشكل خاص. هناك هوّة كبيرة تفصل بين الآباء وأبنائهم، أو بعبارة أخرى بين جيلين أو ثلاثة. هذا الأمر ليس وليد السّاعة، وإنّما تعود أولى بوادره إلى بداية الخلق، وظهور أوّل إنسان على وجه المعمورة. هناك صراع بين الأجيال الحديثة والقديمة منذ الأزل، لكنّ تسميته لم تظهر إلّا في السّتينيّات من القرن الفارط في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع تقدّم الاقتصاد والتّكنولوجيا التي أخذت تزحف دون تراجع لتصبح ظاهرة عالميّة لا مناصّ منها.

 
يرى الكبار أنّ الأجيال الجديدة والفتيّة تمثّل الانحلال الأخلاقيّ بكلّ معاييره، كما أنّهم يرونها أجيالا كسولة لا تصلح لشيء. إنّ هذا الانطباع ليس بالضّرورة صحيحا، فلكلّ جيل متطلّباته وليس مجبرا على العيش كما عاش أسلافه، فمثلا لا يمكننا أن نطلب ممن تعوّد على غسل ملابسه في الغسّالة الكهربائيّة أن يتخلّى عنها ويستبدلها بيديه كما كان يفعل أجداده. عندما يفتح الفرد عينه ويجد نفسه في وسط ما، فإنّه يُبَرمج عليه وليس من السّهل أبدا أن يتعوّد على غيره. إنّه عصر السّرعة ولا يسعنا سوى التّأقلم معه، هذا هو الواقع سواء شئنا أم أبينا. هذا لا يعني أبدا أنّ شباب اليوم ليسوا على قدر من الكفاءة والمسؤوليّة، بل على العكس. إنّ شبابنا مليء بالطّاقة التي يحتاج إلى تفريغها فيما ينفعه ومن حوله. شباب اليوم في جعبته الكثير من الأفكار والإبداع والذكاء. أين يكمن الإشكال إذن؟ لماذا هناك هذا التّفاوت الواضح بين أشخاص ينتمون إلى حقب زمنيّة مختلفة؟
 

يجب أن تكون العلاقة بين الأجيال علاقة تكامليّة لا عدائيّة. التّواصل والحوار يلعبان دورا فعّلا في التّقريب بين مختلف الشّرائح العمريّة، وسدّ الفجوة التي تأخذ في التّوسّع بمرور الزّمن

في قانون الطّبيعة، يحصد الفلاح ما يزرعه، أليس كذلك؟ فمن يزرع الشّوك من غير المنطقيّ أن ينتظر ورودا! كلّ جيل هو ثمرة ما غرسه الذي جاء قبله. لا يمكن أن نحمّل الشّباب مسؤوليّة الفشل كاملة، هذا إن اعتبرنا أنّه فاشل وفق مقاييس وضعها الكبار. هذا الجيل ما هو إلا استمراريّة للجيل الذي سبقه. تعاني المجتمعات العربيّة من عقدة السّن! يكبر الطّفل العربي وقد اقتنع تماما بأنّه أقلّ شأنا ممن يكبرونه سنّا، لذلك لا يسمح للشّباب بتقلّد مناصب سياسية مهمّة مثلا، بذريعة أنّهم لا يتمتّعون بالخبرة الكافية بحكم سنّهم الصّغير. فقدَ الشّاب العربيّ ثقته بنفسه وبقدراته، لذلك غالبا ما يدخل في دوّامة من الكسل واللامبالاة (بما أنني صغير وعديم الفائدة، فلأدع للكبار فعل كلّ شيء إذن وأخلي عاتقي من المسؤوليات التي يظنون أنني لست كفؤا لها). يحتاج شبابنا إلى الدّعم والتّشجيع ليبلغ النّجاح والتّفوّق، بدلا من النّقد الهدّام الذي يقوده من سيء إلى أسوأ.

 

في الجانب الآخر، يتّهم الشّباب من يكبرهم سنّا بالتّخلّف والرّجعية. وهذا أيضا مفهوم خاطئ! لا يمكننا لوم آبائنا وأجدادنا على تعوّدهم على أسلوب حياة ليس مشابها للذي تعودّنا عليه نحن! من غير المنصف في حقّهم أن نطالبهم بالتّجرّد من ذاكرتهم وهويّتهم لكي ينضمّوا إلى عالمنا، فمن شبّ على شيء شاب عليه وليس لنا الحقّ في الحكم عليهم دون أن نحاول حتّى فهمهم. عوضا عن صدّ كل ما يأتينا من طرفهم، يجب أن نحاول الاستفادة من خبراتهم في الحياة ومن تجاربهم لسدّ الثّغرات لدينا.

في نهاية المطاف، يجب أن تكون العلاقة بين الأجيال علاقة تكامليّة لا عدائيّة. التّواصل والحوار يلعبان دورا فعّلا في التّقريب بين مختلف الشّرائح العمريّة، وسدّ الفجوة التي تأخذ في التّوسّع بمرور الزّمن. على كلّ جيل أن يستمع للآخر ويحاول فهمه وتقبُّل تركيبته المعقّدة التي لا ذنب له في تكوينها، دون أحكام مسبقة ودون عتاب أو أيّة اتهامات، لأنّ لكلّ جيل مميّزاته فإن عمِل الطّرفان على توحيد أفكارهما وجهودهما سوف يتمكّنان من الخروج إلى العالم بقالب جديد وأكثر قوّة. هناك مشاكل أكبر في حاجة إلى حلول وبالطّبع هذا الكوكب في غنى عن التّنازع لإثبات من أفضل من الآخر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.