شعار قسم مدونات

ماذا رأيت في مسيرة العودة؟

مدونات - طائرة إسرائيلة تقصف قنابل الغاز بغزة

سؤالٌ يراودني كل دقيقة كل موقف كل لحظة وكل مكان، كل فعاليةٍ وكل زقاقٍ وكل زاويةٍ من زوايا المخيم، كل صرخةٍ هنا وصيحةٍ هناك، كل هتافٍ وكل زغرودة، كل طلقةٍ وكل تكبيرة، كل كر وكل فر، كلما كان الشبابُ يتقدمون والعدو يتقهقر كل هذا وأكثر هناك في مسيرة العودة، ولكن السؤال هنا كيف سننتقل معاً إلى هناك ونرسم الصورة كي، نتخيل الموقف ونعيش تلك اللحظات المميزة لكن قوة الموقف وعنفوان الحالة يجعلني أقول.
 
من شرق مدينة غزة، وقد احتضنت سيلاً بشرياً لم يسبق له مثيلا قد انحدروا من كل حدبٍ وصوب تجاه نقطة يلتقون فيها تجمعهم انطلاقا للعودة لفلسطين، المكان هنا من منطقة زراعية عاث الاحتلال فيها خراباً وتدميراً، لكن يد الفلسطيني أعادت لها الحياة مراراً وتكراراً، ولعلي هنا يجب أن أبدأ من تلك الجلسة الفلسطينية بامتياز من جمعة للرجال والنساء من كبار السن من عاشوا لحظات النكبة وقد حزموا أمتعتهم متحركين إلى بيوتهم وبلداتهم التي هجروا منها قسراً وعنوةً، ولسان حالهم ومقالهم مخاطبين الشبابَ والأطفال "أنتوا خليكم ورانا إحنا بنعرف الطريق منيح".
 
أم أوصف مشهد الخيام وقد ارتصت بشكل يبعد النظر على المدى الممتد على طول السياج الفاصل بيننا وبين أراضينا المحتلة وقد تزين هذه الخيام بأعلام فلسطين وأسماء المدن والقرى الفلسطينية المحتلة وقد عجت كل خيمية بأبناء البلد التابعين لها في جلسات الدحية والنشيد والدبكة والسامر وغيرها من تراث فلسطين القديم.

 

لا أستطيع أن أنسى ذلك القاتل الخائف المختفي خلف السواتر والتلال الرملية وقد تجهز بأعتى ترسانة عسكرية متطورة ويحدق في بندقيته يطلق هنا وهناك قتلاً وإصابة والرعب يسكن قلبه من هول المشهد أمامه

أم أوصف تلك المرأة الفلسطينية أيقونة النضال والتي تقوم بتنظيم الخيام ومساعدة العائدين وابنها قد التحم مع جنود الاحتلال وقد يكون قد ارتقى شهيداً وهي تصر على بقائها في المخيم أملاً في العودة لن تكل عزيمتها ولن تلين. أو أوصف تلك العائلات التي تقدمت إلى الحدود وعلى مقربة من الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجيا يواجه شباب عزل بصدورهم العارية يمتلكون عزيمةً مثل الحديد، عائلات يربط الجد ابنه بفلسطين ويربط الأب أبنائه بها ويشير من خلف الحدود إن هناك فلسطين أرضنا ونحن عائدون لها إن شاء الله. لترسم ابتسامة بريئة على محياهم رغبةً منهم في العودة وتحقيق الحلم.
    
ماذا أوصف في شباب تحدى الدبابة بالحجر وصدره العاري تحدى المدفع والرصاص وإن اخترقت تلك الرصاصات صدره يحمله رفاقه على الأعناق مكبرين ومرددين "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" في مشهد يحمل أسمى معاني التضحية. كيف لي أن أنسى تلك الألوان التي ارتصت جنباً الأحمر والأبيض والأسود والأخضر ليتصبح علم فلسطين والذي زين المسيرة بإطلالته الرائعة مرفرفاً في عنان السماء قاهراً عدواً يحمل بحرقه. ولا أنسى أيضا خشبة المسرح التي أخذا على عاتقها أن تجمع القيادة الفلسطينية في صورة تحمل مدلولات ومعانٍ كبيرة ولعل أهمها أن الوحدة الوطنية حاضرة وبقوة وأن فرقتنا السياسة ستذوب هنا فعودتنا توحدا، ارتص القادة جنباً إلى جنب بكلمات حملت نفس المعنى والمضمون للعودة التي وحدت الكل الفلسطيني.
   
وهل لي أن أنسى تلك الطائرة اللعينة التي تحمل الموت والغاز وتحلق فوقنا لتفرقنا وتبعدنا ولكن هيهات وبمجرد أن تلقى تلك القنابل وينتشر الغاز يأكل العيون بقسوة يتكاثف الكل هناك بالماء والعطور والكمامات وبعض الإسعافات التي قد تقلل من إصابة الغاز وهكذا كر وفر وتزداد عزيمة الرجال. وحتى أكون قد وصفت ماذا رأيت لا أستطيع أن أنسى ذلك القاتل الخائف المختفي خلف السواتر والتلال الرملية وقد تجهز بأعتى ترسانة عسكرية متطورة ويحدق في بندقيته يطلق هنا وهناك قتلاً وإصابة والرعب يسكن قلبه من هول المشهد أمامه.

 

فذا جزء مما رأيت لأني رأيت الكثير وما يرسل الطمأنينة في قلوبنا جميعا أن شعب فلسطين ما زال على العهد وما زال يحلم بالعودة إلى وطنه وعلى أمل كبير بذلك وما زالت مسيرة العودة الكبرى مستمرة حتى العودة "سنرجع يوماً".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.