شعار قسم مدونات

مواقع الاحتجاج الاجتماعي.. المغرب نموذجاً

مدونات - وسائل التواصل ومقاطعون بالمغرب

لا يختلف اثنان في كون ظهور مواقع التواصل الاجتماعي قد أثر بشكل كبير في نواحٍ عدة من حياتنا. ولها الفضل الأكبر في تطوير ميكانيزمات العملية التواصلية بين أفراد المجتمع الواحد وأيضا بين أفراد المجتمعات المختلفة والتي تفصل بينها الاَلاف من الكيلومترات. فهي إذا تذهب في اتجاه تقريب ما أبعدتْهُ الجغرافيا وتسعى إلى تيسير ما يعسّره الواقع.

 

يتزايد عدد مستخدمي هذه المواقع الافتراضية على نحو غير عادي، لما توفّرها لبعضهم من فرصٍ للترويح عن النفس والترفيه، وفضاء للتعبير والتثقيف عبر تبادل المعلومات ومناقشة مواضيع مختلفة للبعض الاَخر، بعيداً عن أعين السلطات ومقصّات رقابتهم.

 

وتتفاوت أنماط استعمالها من مجتمع لاَخر، فهناك من المجتمعات من يوظفها لغرض التواصل الصرف بين أفرادها، أو عرض إبداعات، إلقاء محاضرات، … ولأجل هذا خُلِقت في البدء. لكن ومع تسارع الأحداث واحتدام الصراعات من حولنا، سرعان ما تم اقحامها عالم السياسة، ونُظِرَ إليها على أنها منبر الخلاص البديل وساحة التحرير التي عندها ستجتمع الشعوب المضطهدة للتعبير عن اَلامها المكبوتة في منأىً عن القوانين التي صكتها أقلام وزارات الداخلية وكبلت بها حق الشعوب في التظاهر والاحتجاج، وبهذا فقد لعبت دوراً أساسياً في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية لكثير من البلدان، عبر تحشيد الجماهير ودفعها إلى النزول إلى الشوارع للدفاع عن حقوقها المهضومة وحرياتها المسلوبة، ولعل ثورات شعوب المشرق وشمال إفريقيا أوضح مثال على ذلك.

 

لمواقع التواصل الاجتماعي قدرة رهيبة على الضغط في اتجاه انتزاع اعتراف بأهمية الدور الذي يلعبه فَاعِلُوه وعدم الاستهانة بمنبرهم الأزرق

كان موقع فيسبوك الراعي الرسمي للتحولات التي عرفها المغرب وباقي دول شمال افريقيا، على غرار موقع تويتر الذي تفضل مجتمعات الشرق الأوسط استخدامه على باقي مواقع التواصل الاجتماعية الأخرى. فإلى جانب التحول الحاصل على مستوى عقلية السلطة الفعلية (المخزن) وطريقة تجاوبها مع هيجان الشارع بمنح ريادة الحكومة للإخوان، وبالتالي الامتصاص التدريجي لغضب الجماهير. تكوّن لدى مستخدمي هذه المواقع وعي جمعي وإحساس مشترك بالمسؤولية وضرورة التفاعل الإيجابي مع الأحداث التي يشهدها المجتمع المغربي.

 

فبعد اكتشافه للخدعة السياسية التي نسج خيوطها المخزن (الدولة العميقة بالمغرب)، شمّر الشعب على ساعديه من جديد واستفاق من غفلته التي امتدت لأكثر من ست أعوام، وأدرك أن الوعود التي تلقاها في البدء كانت مجرد أوهام لا أكثر، وأن الفساد ما زال يعشش في دهاليز الدولة. وهنا تم استحضار لوبي الفيسبوك للضغط المستمر على صناع القرار بالبلاد بفضح سياساتهم اللا شعبية والمنافية لأصول الحكم الرشيد.

 

متى يظهر استفزاز على الأرض حتى تندلع حرب مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيوم سُحقَ شاب في مقتبل العمر داخل شاحنة للنفايات لمجرد أنه دافع عن تجارته ومنَعَ الشرطة من مصادرة سلعته بغير وجه حق، انتفض المجتمع بكل شرائحه مستنكراً هذا المستوى الذي وصلت إليه جريمة الدولة في حق المواطنين وكرامتهم. وانتشرت التدوينات والهاشتاجات (الحراك_الشعبي، طحن_مو، بيك_يا_وليدي،..) كالنار في الهشيم تعرّف بالحراك الشعبي ومازالت الى حد الساعة. فيما تحاول الدولة عبر أجهزتها الاستخباراتية في مطاردة النشطاء والفاعلين الفيسبوكيين وذلك بتشويه سمعتهم وافتراء أكاذيب عبر مواقعها المأجورة.

 

انطلقت مؤخرا بالمغرب حملة جديدة أُطلقَ عليها "مقاطعون"، يقودها شباب غيور على الوطن ومستقبله، تدعو إلى مقاطعة بعض المنتجات (ماء سيدي علي الذي تسوقه مجموعة "هولماركوم"، حليب سنطرال الذي تمكله الشركة المجهولة الاسم "سنطرال دانون" الفرنسية التي يعتبر الهولدينغ الملكي المغربي من بين أهم مساهميها، ووقود الغاز لمجموعة "أكوا" التي يمتلكها الملياردير ووزير الفلاحة المغربي عزيز أخنوش) التي يراها الشارع المغربي موغلة في الغلاء وأنها تستنزف جيوب المواطن أكثر مما هي مستنزَفة. وأنها تحتكر السوق المغربية وتُخضعُ المستهلكين لإرادتها وبالتالي تحكمها في الأسعار بحرية تامة.

  undefined

 

فاستجابت شريحة واسعة من الجماهير الشعبية للدعوة، والتهبت الصفحات الزرقاء بمقاطع وصور تبيّن مدى نجاح الحملة. وأدخلت مسؤولي الحكومة وكذا مسيري هاته الشركات في حالة من الإرباك والحيرة. فخرجوا من جحورهم مسعورين بتصريحات تتهم الداعين للمقاطعة بأنهم مأجورون ويخدمون مصالح أجنبية على حساب مصلحة الوطن، وبدؤوا في كيل الشتائم للمقاطعين وتخوين الشباب الذي روج لهذه الحملة بدعوى أن الشركات الثلاث تراعي القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأنها تسهر على تقديم منتوجات ذات جودة عالية بأسعار "جد" مناسبة.

 

فلا النقابات ولا البرلمانات قادرة على مجابهة غطرسة الشركات والضغط على الحكومات للذود عن حقوق المواطن وانقاذه من أطماع المقاولات، لأن حبل الحوار الوطني مهترئ وناصيته بيد أرباب العمل وملاّك الرساميل لا الحكومات. وبالتالي فيبقى البديل الأمثل هو الضغط عبر كونجرس الشعب الذي يتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

إلى هنا، يتضح أن لمواقع التواصل الاجتماعي قدرة رهيبة على الضغط في اتجاه انتزاع اعتراف بأهمية الدور الذي يلعبه فَاعِلُوه وعدم الاستهانة بمنبرهم الأزرق. فبالنظر إلى تأثيرها الفعال على أرض الواقع، فلا أعتقد أننا سنكون مخطئين إن أسميناها مواقعاً للاحتجاج الاجتماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.