صدام حسين، الرئيس الرابع في الجمهورية العراقية، والمولود في 28/إبريل/1937م منتمياً لبرج الثور الفلكي، قضى ثلثاً ضنكاً من حياته قضاه في تنشئه وبلورة شخصيته الإنسانية والاجتماعية، ومن ثم ثلثاً آخر تدرجه خلاله في المناصب الثورية والقيادة، وصولاً إلى الثلث الأخير من العمر-الذي ناهز 69 عاماً قبل الوفاة- والذي قضاه رئيساً لجمهورية العراق.
هو بلا شك؛ الزعيم العربي الأكثر تداولاً وسيطاً، سواءاً على المستوى الشعبي أو الرسمي؛ إذ أنه وبعد أكثر من عقدٍ على رحيله؛ لا يكاد ينقضي يوماً دون ذكر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وبلا شكٍ أيضاً، هو الزعيم الأكثر جدلاً والذي تنقسم حوله الآراء بتباينٍ واضح بين مؤيدٍ ومعارض؛ ذلك بناءًا على فترة حكمه وسيرته و"كاريزمته" التي لا تخفى، ولا يخفى حكم الناس عليه؛ بناءًا عليها بغض النظر عن إنجازاته كرئيس عربيٍ عراقي.
أسباب تخلد صدام حسين:
أجرى صدام حسين منذ أن وصل إلى منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس البكر؛ وبشهادة الجميع، إصلاحات واسعة شملت كل المجالات في العراق وحقق استقرارًا غير مسبوق في عهد الجمهورية العراقية، واعتنى بفائقية بالتعليم والصحة والأمن والاقتصاد وأنجز تفوقاً ونهضة عراقية حقيقية وشاملة على مستوى المنطقة، والعالم، استمر ذلك بتأييدٍ من كل الفئات والشرائح الاجتماعية إلى أن بدأ الجدل يدخل حيز التقييم الشعبي والدولي المثير للجدل تجاه صدام حسين مع توليه السلطة بشكل كامل في العام 1979م واعتزال الرئيس البكر وتنصيب صدام حسين رئيساً لجمهورية العراق ومجلس قيادة الثورة وقائداً عاماً للقوات المسلحة.
هذا الجدل كان لأسباب متعددة ومن أهم تلك الأسباب؛ أن كان مصدره الشكوك التي دارت حول عزل صدام حسين للرئيس البكر؛ جرّاء التقارب مع نظام حافظ الأسد في نهاية فترة حكم البكر والذي كان سينتهي بالوحدة بين البلدين وبنيابة حافظ الأسد للبكر بدلاً من صدام حسين.
في نفس السنة التي تولى فيها الرئيس صدام حسين الحكم في العراق، قامت الثورة في إيران بقيادة الخميني؛ الذي ما إن وصل إلى رأس السلطة في إيران؛ حث على مبدأ "تصدير الثورة" |
تلك الوحدة التي لم يطمئن لها صدام حسين؛ كانت لشكوكه بمحاولاتٍ للتشويش على النهج القومي الذي يتبعه حزب البعث العراقي، بمبادئ حزب البعث السوري، ورؤية صدام حسين بعدم تآلف النظام العراقي مع السوري، ذلك من وجهة نظر مؤيدي صدام حسين، أما وجهة النظر الأخرى فترى بأن صدام أحس بمحاولة لعزله عن السلطة قبل أن يصلها، فسارع بنسف التفاهمات العراقية-السورية وإزاحة البكر عن رأس السلطة ليبقى مسيطراً على النظام.
وثانياً: الحرب التي بادر صدام حسين بشنها على إيران لحسم التجاوزات الإيرانية التي أضرتت بالعراق، ولقد عادت الحرب بنصر للعراق على إيران مع عواقب وخيمة على الطرفين.
وثالثاً: الغربلة التي أحدثها صدام حسين في أركان النظام وعناصر حزب البعث في أول يومٍ له كرئيس للعراق؛ بتهم العمالة والتآمر على نظام الحكم. وبالرغم من ذلك الجدل والأثر المعارض الذي بدأ يظهر بعد تسلم صدام حسين للسلطة، ألا أن التأييد كان ما زال أكبر ويكبر أيضاً، ومسيرة الإصلاح والتطوير مستمرة في كل أرجاء العراق وفي كل المجالات إلى وقت بعيد.
في إيران، وفي نفس السنة التي تولى فيها الرئيس صدام حسين الحكم في العراق، قامت الثورة في إيران بقيادة الخميني؛ الذي ما إن وصل إلى رأس السلطة في إيران؛ حث على مبدأ "تصدير الثورة" عانياً بذلك؛ العمل على بسط النفوذ والسيطرة الإيرانية على المنطقة العربية والمناطق الأخرى المجاورة لإيران في محاولةٍ لإعادة هيبة الإمبراطورية الفارسية، وداعياً إلى العمل على إسقاط النظام العراقي المضاد لمشروع التوسع الإيراني.
كان نظام صدام حسين وبدعم من الدول العربية؛ سداً منيعاً أمام هذا المخطط الإيراني، وظل رادعاً حقيقياً له حتى نهاية حكمه، فلقد حسم الأمر بشن الحرب على إيران للحد من اعتداءات إيران وتجاوزاتها تجاه العراق ومخططها الأبعد نحو المنطقة العربية ككل، مضحياً بأن يكون العراق في خط المواجهة الأول للدفاع عن الأمة كونه بمثابة البوابة الشرقية للوطن العربي على حد وصفه.
كان لشخصية الرئيس صدام حسين الجذابة، بالتماشي مع خطابه العروبي وفعله النهضوي في العراق وآثار ذلك على العالم العربي؛ بالغ الأثر في جلب المحبين والمؤيديين من العراقيين والعرب حول صدام حسين ونظامه؛ فلقد التزم إظهار الشخصية التي تود شريحة كبيرة من العرب أن تراها في حكّامها من عزيمة وشهامة، إلى جانب التزامه بالأناقة واللباقة التي تزين القبضة الحديدة.
لقد أبرز صدام حسين نفسه ونظامه والعراق ككل بالسد المنيع أيضاً تجاه التطبيع مع الاحتلال وبالمدافعين في الخط الأول عن القضية الفلسطينية في أكثر من موضع ومكانٍ وزمان، وتأكيداً لموقفه فلقد أمر بقصف "تل أبيب" بتسعة وثلاثين صاروخاً بعد اليوم الأول لعدوان التحالف الدولي على العراق في العام 1991م.
وبالرغم من تحالف الولايات المتحدة مع العراق في الحرب ضد إيران والعلاقات الجيدة التي اتسمت بها تلك الفترة، إلا أن صدام حسين سعى بكل جهد لإبقاء العلاقات ندية بين البلدين، رافضاً للهيمنة الأمريكية ومنظراً للقومية والوحدة والنهضة العربية، ذلك ما أدى إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة ما بعد الحرب العراقية-الإيرانية، -وذلك أيضاً ما وصفه البعض بالخطأ الاستراتيجي من نظام صدام حسين إذ كان عليه أن يخفف من تعنته تجاه الولايات المتحدة مع إبقاء المصالح مشتركة ما بين الطرفين، لكي يأمن جانب القوة العظمى المتمثلة بالولايات المتحدة، خصوصاً في ظل تدهور علاقات نظام البعث مع الاتحاد السوفيتي أو الجانب الروسي في تلك الفترة-.
وبالتالي؛ فحرصاُ من الولايات المتحدة على قواعدها ومصالحها في الخليج، ولتأمن الخطر الذي قد ينولها من نظام صدام حسين؛ فلقد تصدت بحملة دولية للوقوف في وجه النظام العراقي وتحرير الكويت بعد احتلالها من نظام صدام حسين الذي كان قد اعتذر للشعب في الكويت سواءًا من المواطنين الكويتيين أو المقيمين عن آثارها عليهم فيما بعد وبالتحديد في العام 2002م، مبرراً لها بوجود تحشيدات عسكرية أمريكية هناك كانت تخطط لمهاجمة العراق بتنسيق مع الحكومة الكويتية التي اتهمها بسرقة النفط العراقي والإساءة إلى الشعب في العراق.
صار العداء والمواجهة العسكرية واقعاً فعلياً ما بين العراق وأمريكا ما بعد حرب الخليج الثانية، ليُفرضَ الحصار على العراق بعد ذلك وصولاً إلى "أم المعارك" التي احتلت فيها الولايات المتحدة العراق نتيجة لمعاداة نظام صدام حسين لها ومحاولاته لمنعها الوصول إلى أطماعها في المنطقة من جهة وتفعيل الريادة والوحدة العربية من جهة أخرى.
ولقد ظل نظام صدام حسين مصراً على نيل استقلالٍ تام ومحاولة بناء قوةٍ رادعةٍ ومقابلةٍ لقوى الشر حسب وصفه إلى أن وصل منهكاً إلى معركته الأخيرة مؤكداً لأتباعه بقاءه والتزامه بنهجه العروبي القومي المقاوم حتى آخر لحظة في حياة الرئيس صدام حسين منادياً بـ "عاشت الأمة.. عاش العراق.. عاشت فلسطين". وكان في ذلك رمزية للمواطن العربي؛ بأن صدام حسين توفي على أيدي أمريكا "الشيطان الأكبر" كما ألفها الذهن العربي خصوصاً بعد الحرب على العراق عام 2003م.
لقد وجد قسمٌ كبير من الشعب العربي أن بلادهم باتت في مهب الرياح التي تحركها القوى المتربصة بها، كما وجدت دولٌ عربية نفسها بلا سند ما بعد نظام صدام حسين سواءً أكانت متحالفةً معه أم مختلفة وسواءًا أفصحت أن ذلك أم لا، فناهيك عن الخراب والدمار والتخلف والتقسيم الذي دب في المجتمع العراقي والأرض العراقية، فلقد أحكمت الولايات المتحدة وحلفائها بما فيهم "إسرائيل" قبضتها على المنطقة بلا رادع كما يرى البعض، وذهبت عائدات النفط والثروات العراقية إلى سُبل مجهولة وغرقت مقاليد الحكم في العراق في بئر المحاصصات الطائفية.
لقد راح العراق "العظيم" الذي كان فاتحاً ومشرقاً للتاريخ إلى أسوء فترة في تاريخه من كل النواحي الاجتماعية والسياسية والصحية والتعليمية… إلخ، إيران التي خضعت للسلم وتجنب العراق والخليج عادت لتصول وتجول في أكثر من أربعة عواصم عربية مجاهرة بسعيها لإعادة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، وتهدد وتتوعد للخليج العربي وكل من يحاول أن يقف في طريقها، لقد ضاع القرار السياسي في المنطقة من أيدي العراق وأصبح يبحث عن مغيث.
نظام الأسد الذي خشي صدام على العراق وعلى سوريا منه لخشيته من تحالفه مع إيران وتمهيده للمد الفارسي؛ بقي وتمدد، وأيًّا كانت وجهة النظر في ذلك، فها هي نتائج حكم نظام الأسد في سوريا بانت واضحة من خلال المعارك الدايمة والطائفية والخراب والاحتلالات المتتالية التغيير الديموغرافي الحاصل هناك والذي كان نظام الأسد طرفاً رئيسياً من مسبباتها في سوريا، وبانت أسباب الخلافات ما بين نظام الأسد ونظام صدام حسين.
خلاصةً؛ فإن المواطن العربي كان يرى في عراق صدام حسين، سواءً أاتفق معه أو اختلف؛ بلداً قوياً عروبياً متقدماً وملجأً، والآن، وفي مرحلة "ما بعد العراق" غدت الأمة والمنطقة العربية متهالكة وورقة ضعيفة وهشة بين الأمم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.